قدّر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بنحو 216 مليار دولار، وهو رقم يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام 2024، ما يؤكد حجم الكارثة التي خلفتها الحرب على البلاد، وتُشير البيانات إلى أن نصف هذه التكلفة، أي حوالي 108 مليارات دولار، تمثل الأضرار المباشرة، بينما النصف الآخر يشمل استثمارات إعادة التأهيل والتنمية، ما يؤكد الحاجة لجهود ضخمة ومستدامة في ملف الإعمار.
ضخامة الأرقام
ويشير الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية المهندس باسل كويفي في حديث لـ “الحرية” إلى أن ضخامة الأرقام تتجاوز القدرات المالية للحكومة السورية الحالية، وتعكس تحديات سياسية واقتصادية معقدة، أبرزها ضرورة تحقيق استقرار سياسي وإرادة داخلية، إلى جانب التعاون الدولي والإقليمي، حيث ستستغرق هذه العملية عقوداً من الزمن لإعادة بناء البلاد.
كويفي: تبدو عملية الإعمار أضخم مشروع إنساني وإنشائي في العالم
زوايا مختلفة
وقدم كويفي التحليل من زوايا مختلفة:
1. التحليل الكمي: ويشدد كويفي على أن مبلغ 216 مليار دولار هو ثمن “إعادة البناء” فقط، أي استعادة ما تضرر أو هُدم، دون احتساب التكاليف الاقتصادية غير المباشرة مثل فقدان النمو، هروب رؤوس الأموال، وتراجع قطاعات الزراعة والسياحة والصناعة.
كما لا تشمل هذه التكلفة الباهظة تأثيرات الكارثة على الأفراد من حيث الصدمات النفسية، العجز الدائم، الهجرة، وفقدان رأس المال البشري المحتمل نتيجة انقطاع التعليم والرعاية الصحية.
2. التحليل الجغرافي: حيث تتركز الأضرار الكبرى في محافظات حلب وريف دمشق وحمص، وهي المراكز الاقتصادية والسكانية التي شهدت أعنف المعارك.. فتدمير حلب، العاصمة الاقتصادية، يشل قلب الإنتاج السوري، بينما يؤثر تدمير حمص على سلاسل الإمداد والتوريد، ويؤدي توقف النشاط في ريف دمشق والضواحي إلى تضعضع البنية الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل هذه المحافظات أولوية لإعادة الإعمار، رغم ارتفاع تكاليفها.
3. الاستنتاجات والتحديات: يتضمن تقرير البنك الدولي رسائل جوهرية، بدءاً بالخسائر الإنسانية التي يتخطى أثرها البنية التحتية لتصل إلى الإنسان نفسه، كذلك، يشير إلى أن أية خطة لإعادة الإعمار لا يمكن أن تنجح دون حل سياسي متوازن يرتبط بخطة دعم دولية، فالتكلفة المالية والاقتصادية تفوق قدرات أي طرف منفرد.
كما يعاني الملف من فخ الديون والشروط المرتبطة بها، والتي قد تضع السيادة الوطنية تحت ضغط.. أيضاً، تبرز معضلة الأولويات في إعادة الإعمار، بين تأمين المأوى، والخدمات الصحية، والبنية التحتية للنقل والإنتاج.
أزمة معقدة
ورغم الدقة في التشخيص، يرى كويفي أن التقرير لا يقدم حلولاً جاهزة، ما يعكس تعقيد الأزمة السورية، فالتكلفة الفعلية قد تكون أعلى مع الحاجة إلى معالجة الكوارث البيئية، تحديث البنى التحتية إلى أنظمة ذكية، وتأمين إعادة توطين السكان النازحين، تبدو عملية الإعمار أضخم مشروع إنساني وإنشائي في العالم، يتطلب استقراراً سياسياً وسلاماً مستداماً، إلى جانب حوكمة رشيدة وشفافية مطلقة، وتعاوناً دولياً غير مسبوق لتجنب الفساد وضمان استغلال الموارد بفعالية.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية