آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » تماثيل سوريا بين التحريم والتجريم!

تماثيل سوريا بين التحريم والتجريم!

 

مروة جردي

 

«كي لا يُعبد إلا الله» على وقع هذه الكلمات، انتشر مقطع فيديو يُظهر تحطيم نصب الشهداء في «ساحة سعد الله الجابري» في حلب، ما أثار ردود أفعال واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 

قبل انتشار الفيديو الذي يُظهر التدمير، كانت مديرية الآثار والمتاحف في حلب قد نشرت بياناً عبر تليغرام، قالت فيه «إنّ التمثال نُقل إلى مكان آخر حفاظاً عليه وعلى قيمته الفنية، تمهيداً لترميمه». لكن بعد انتشار المشاهد التي تُظهر تدمير التمثال بنوع من «التعمّد»، تغير الرد الرسمي ليصبح بأن «خطأً وقع أثناء عملية النقل أدى إلى تحطيم التمثال».

 

موجة غضب شعبية

أثار التناقض بين البيانين الرسميين موجة غضب شعبية، خصوصاً بعد ظهور صور ومقاطع تُظهر التمثال محطّماً في موقعه. وقد تواصلنا مع مسؤول العلاقات في محافظة حلب، الذي أكد أن توضيحاً رسمياً جديداً سيُصدر لاحقاً بشأن الحادثة.

 

 

انتقد كثيرون فكرة «النقل» بحد ذاتها، نظراً إلى ما آل إليه مصير التمثال، الذي يحمل رمزية خاصةً لدى سكان المدينة، بينما ذهب آخرون إلى اعتبار ما جرى تدميراً متعمداً، خصوصاً أن العملية جرت «ليلاً» وبشروط «فنية» غير مناسبة.

 

محافظ حلب يوضح

في وقت لاحق، نشر محافظ حلب عزام الغريب توضيحاً على منصة أكس، قال فيه: «تابعت بأسف مشاهد نقل تمثال الشهداء. ما جرى غير مقبول وسنحمّل الجهة المنفذة المسؤولية»، مضيفاً أنّ النقل جاء ضمن خطة لتأهيل الساحة، وأنّه «لا يحمل خلفيات أيديولوجية»، مشيراً إلى إطلاق مساءلة فورية وتوجيه بترميم التمثال وحفظه في المتحف.

 

يُذكر أن الفنان الراحل عبد الرحمن موقت، أحد أبرز نحّاتي حلب، هو الذي صمّم التمثال. وكانت «الأخبار» قد كتبت في نيسان (أبريل) الماضي عن محاولة لإزالته، غير أنّ المحافظة حينها، أكدت أنّ الأمر يتعلق بصيانة الساحة ضمن مبادرة «حلب… رح ترجع أحلى»، من دون نية لإزالة التمثال.

 

وفي بيان سابق، بررت المديرية السبب وراء أي عملية لنقل التمثال من أجل «تهيئة الساحة لإقامة فعاليات جماهيرية»، بعد تركيب شاشة عرض رئيسية قالت إنها «تُحجب جزئياً» من قبل التمثال.

 

أصوات المثقفين لا تُسمع

بدورها، كتبت مديرة «منتدى رياض نداف الثقافي»، الأديبة رياض نداف، عبر فايسبوك أنّها تواصلت مع الهيئة السياسية في محافظة حلب، وأبلغتها بأهميّة النصب في ذاكرة المدينة ومكانة الفنان الراحل.

 

 

وأضافت أنه طُلب منها الاطمئنان بأنّ التمثال سيظلّ في مكانه، وأن أيّ قرار بشأنه سيكون بالتشاور مع المعنيين من فنانين ومثقفين، غير أنّ أياً من ذلك لم يحدث. فالساحة التي بقيت من دون تغييرات منذ القرن التاسع عشر، باستثناء تفجير عام 2012 الذي طال نادي الضباط المجاور، أصبحت اليوم بلا نصب الشهداء.

 

رمزية خاصّة لدى الحلبيين

تتمتع «ساحة سعد الله الجابري» برمزية لدى الحلبيين بوصفها من أبرز معالم المدينة، وفيما يُعاد اليوم الجدل حول تمثال الشهداء وسط الساحة، يقبع تمثال نصفي آخر على الطرف الأقصى جنوب الساحة هو لسعد الله الجابري الذي تسمّى الساحة تيمّناً به.

 

ويكاد التمثال الذي نسخه النحّات الحلبي طه شنن عن عمل للفنان الحلبي فتحي قباوة، منذ عام 1996 يغيب عن أنظار المارة، ويجهل وجوده معظم المارين به، ما دفع بعضهم للتعليق «الحمدلله ما حدا انتبه لتمثال الجابري وإلا كان راح بالنقلة كمان».

 

صلاح الدين يفقد سيفه ورمحه

تُثير الحوادث التي تطال أماكن عامة دينية وأثرية نقاشات كثيرة في سوريا حول تحريم هذا النوع من الفنون أو تجريم هذا النوع من الأفعال، فيما تولّد معها نقاشاً أكثر عمقاً يسمح بإعادة تعرّف السوريين إلى ملامح مدنهم عبر البحث عن الفنانين خلف هذه التماثيل والنصب التذكارية، وأعمالهم، والمناسبات التي ارتبطت بوضع هذا التمثال أو نقله أو إزالته.

 

من السرديات التي عادت من الذاكرة السورية الحديثة، التفسيرات المرتبطة بوجود ومعنى كل نصب، كما جاء في دراسة للباحث عفيف بهنسي نشرت في عدد الحوليّات الأثريّة السوريّة الصادر عام 1973. أشار الباحث إلى أنّ النصب التزينية هي من عادات المدن السوريّة، خصوصاً دمشق وحلب خلال الاحتفالات بُعيد الثورة والجلاء.

 

 

ومن أشهر هذه التماثيل النصب التذكاري للقائد العسكري وزير الدفاع السوري يوسف العظمة الذي استشهد في مواجهة الجيش الفرنسي. يتوسّط التمثال ساحة محافظة دمشق وهو شاهر سيفه نحو الأعلى بما يعبّر عن موقف الدولة تجاه العدو المحتلّ وخيار الحرب، ثم لاحقاً بعد انتهاء حرب 1973 ودخول سوريا مفاوضات السلام، جرت تعديلات على التمثال، بجعل تمثال يوسف العظمة وسيف في غمده، في إشارة إلى تحوّل موقف سوريا باتجاه تأييد مفاوضات السلام.

 

في الإطار ذاته، علّقت حسابات فايسبوكية سورية على صور تظهر تمثال صلاح الدين بالقرب من قلعة دمشق، وقد جُرِّد من سيفه ورمحه، ما اعتبره بعضهم «تعبيراً عن موقف الدولة السورية الجديدة من التطبيع مع إسرائيل وأنها لم تعد تريد حروباً من أجل فلسطين أو غيرها».

 

وفيما لم يتم تحديد الجهات التي قامت بذلك، كتب أحد الناشطين «لا تفهموا ذلك تخريباً وإنما مصادرة الرمح والسيف من تمثال صلاح الدين والجنود من حوله هو بهدف ضمّه لعمليات التسوية بعد إثبات أنه كان من الفلول» في إشارة إلى عمليات التسوية التي طالت عناصر الجيش السوري السابق. وفي تفسيرات أخرى، أشار آخرون إلى «أصول صلاح الدين الكردية، ومحاولة ربط التخريب الذي طال التمثال إلى التوتر بين الدولة السورية وقوات سوريا الديموقراطية».

 

 

ويُظهر النصب التذكاري لبطل معركة حطين ومحرر القدس من الصليبيين وهو يمتطي جواده محاطاً باثنين من الجند المسلمين، وخلفه اثنان من أسرى الفرنجة، أحدهم الأمير أرناط والآخر الملك غي دي لوزينيان، اللذان أسرهما الأيوبي عقب معركة حطين.

 

وبالنظر إلى جودة العمل، وُضعت صورته على الورقة النقدية من فئة 200 ليرة سورية. ويعدّ تمثال صلاح الدين الأيوبي الموجود بالقرب من قلعة دمشق من أهم أعمال النحات السوري عبدالله السيد الذي توفي عام 2022، بعدما قدّم خلالها عدداً من الأعمال الفنية المهمة، كان أبرزها تمثال صلاح الدين الأيوبي (صممه عام 1993 في الذكرى الـ800 لوفاة صلاح الدين الأيوبي)، ونصب سفينة نوح الدمشقي في مدينة دالاس الأميركية عام 2001.

 

ردود أفعال بين تحريم وتجريم

أثار تحطيم نصب شهداء الجلاء، وكذلك التخريب الذي طال تمثال صلاح الدين الأيوبي في دمشق، جدلاً واسعاً بين من اعتبرها أفعالاً ناتجة من توجهات دينية متشددة، ومن رآها ممارسات سياسية تهدف إلى محو رمزية وطنية.

 

الموقف من التماثيل في الحركات الإسلامية المتشددة ليس بجديد، سبق أن سجلت حوادث مشابهة مع تمثال أبو العلاء المعري في مدينة معرة النغمان في إدلب (شمال سوريا)، أو تحطيم تمثال العذراء عام 2013 في بلدة اليعقوبية في ريف ادلب، أو تداول فيديو قديم يوثق تعرض متحف إدلب للتخريب من قبل مسلحين أوزبك.

 

ورغم أنّ الحوادث السابقة تعود إلى مدينة إدلب التي خضعت لسيطرة فصائل مسلحة ذات طابع متشدد من بينها «هيئة تحرير الشام» التي كان يرأسها الرئيس السوري الحالي قبل إعلان حلّ كل الفصائل، واندماجها في وزارة الدفاع ضمن الحكومة السورية الانتقالية، إلا أنه لا يمكن اعتبارها سياسة عامة أو توجهاً رسمياً ضمن الدولة السورية الجديدة.

 

إذ سبق للهيئة خلال سيطرتها على إدلب منذ عام 2015 أن أدانت هذه الأفعال وأعادت افتتاح متحف إدلب بإشراف عدد من المختصين بالآثار من المحافظة، بما يشير إلى أنّ هذه الحوادث تُحرج الدولة السورية لما تثيره من قلق شعبي تجاه نواياها.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عقاب وثلاث نجمات… ماذا يعني شعار سوريا الجديد؟

  أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع، مساء الخميس، إطلاق الهوية البصرية الجديدة للدولة السورية، خلال احتفالية رسمية أقيمت في قصر الشعب بدمشق، بمشاركة واسعة من ...