يحيى دبوق
التسريبات الواردة من إسرائيل، والتي تفيد بأن الأخيرة تدرس احتمال شنّ هجمات استباقية ضدّ إيران قبل أن تُقدِم طهران على مهاجمتها، لا تبدو سوى جزء لا يتجزأ من الحرب الدائرة بين الجانبين. وهي تتّصل بمحاولات إسرائيلية لمنع إيران من مواصلة سلسلة الردود. وإذا كانت تلك التسريبات معدّة لأهداف ردعية، إلا أن ذلك لا يعني أن مضمونها غير موجود على طاولة التخطيط والقرار الإسرائيلية. لكن بين التخطيط والتنفيذ فروقات كبيرة جداً. وفي هذا المجال، يمكن الإشارة إلى ما يلي:
ما تسعى إليها إسرائيل تجاه إيران، هو تحييد الأخيرة عن حربها في غزة ولبنان، وألا تتسبّب المواجهة معها وسلسلة الضربات والردود المتبادلة، في أي تشويش أو استهلاك للموارد أو تفعيل لضغوط داخلية وخارجية يمكن أن تؤدي إلى منع تل أبيب من مواصلة الحرب في الساحتَين المذكورتين، أو التأثير سلباً في توجيه قدراتها كاملة إليهما.
وإذا كانت دراسة الخيارات المتعدّدة، هي جوهر عمل جهات التقدير والتخطيط، فإن هذه الأخيرة تضع الاحتمالات المعقولة في شأن نيّات العدو، وتعمل في الموازاة على دراسة خيارات تمنعه من تفعيل أيّ خيارات عدائية لديه، ومن بينها الهجمات الوقائية أو الاستباقية. ومن هنا، فإن التسريبات الإسرائيلية الموجهة إلى آذان صانع القرار لدى العدو، وهو في هذه الحالة إيران، تهدف إلى إفهامه أن نياته مكشوفة، وأن العمل جارٍ على منعه من ترجمة نيّاته، أفعالاً عدائية. وتلك هي واحدة من أهمّ الخطوات الابتدائية التي تخدم تعظيم الردع لدى إسرائيل، عندما تتلمّس الأخيرة أو تقدّر، أن في نيّة أعدائها إيذاءها.
ما تسعى إليه تل أبيب تجاه إيران هو تحييد الأخيرة عن حربها في غزة ولبنان
والواقع أن التسريبات أو التهديدات المتعلقة بتوجيه ضربات استباقية إلى إيران، تنطلق من ترجيحات بأن الأخيرة ستشنّ ضربات في إطار ردها على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة. لكن في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديدها ذاك، فإن الضربات الإيرانية لن تبقى في إطار الاحتمالات بل ستكون عندها حتمية، وتلك نتيجة لا تخدم المصلحة الإسرائيلية. كما لا يتوافق شن هجمات ضدّ إيران مع المصالح الأميركية؛ إذ سعت واشنطن إلى هندسة الردّ الإسرائيلي الأخير، بما يكفل قدراً ما من المحافظة على الردع الإسرائيلي، من دون الانجرار إلى حدّ التسبب في حتمية الردّ الايراني. وعلى هذه الخلفية، سيكون التأثير الأميركي معتدّاً به ومانعاً لأيّ هجمات إسرائيلية، يجري توصيفها بالاستباقية أو الوقائية، خصوصاً في ظلّ الاستحقاقات الأميركية الداهمة.
لكن أهم ما في «التسريبات» الإسرائيلية من دلالات، هو أن الرد الإيراني المحتمل، لا يغادر طاولة القرار في تل أبيب، الأمر الذي يُعدّ في ذاته، عاملاً مساعداً ومؤثراً في مسار الحرب.
مؤشرات إلى رد وشيك
هل تبادر إيران إلى الردّ على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة؟ سؤال وجّهته الإذاعة العبرية، «كان»، مساء أول من أمس، إلى «مصدر إسرائيلي» قالت إنه مطّلع على التفاصيل والتقديرات الاستخبارية، ليجيب الأخير من دون ترجيح أيٍّ من الفرضيات، وإنْ حاول طمأنة الجمهور إلى أن الردّ «لم يتقرّر بعد». ووفقاً للمصدر، فإنه «لا توجد مؤشرات إلى أن إيران تستعدّ لإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة نحو إسرائيل، رداً على الهجوم الإسرائيلي الأخير». لكنه أضاف أن الإدارة الأميركية تعتقد أن طهران قادرة على تنفيذ قرار كهذا، وتأمين جهوزية إطلاق الصواريخ «خلال وقت قصير». وقال المصدر إن التقديرات في تل أبيب تشير إلى أن «المشاورات لا تزال جارية في إيران، في شأن ما إذا كان الرد سيحدث بالفعل، وكذلك إنْ تقرر، كيف سيحدث وما هو حجمه». لكن يبدو أن التقديرات الإسرائيلية ذهبت إلى أبعد من ذلك مساء أمس، مع ما تداوله عدد من وسائل الإعلام العبرية حول «الترقب» لهجوم إيراني وشيك. وفي السياق، نقل مراسل قناة «ريشت كان» عن مصادر قولها إن إسرائيل رفعت «حالة التأهب» في محيط منشأة إستراتيجية، وإن التقديرات تشير إلى أن الهجوم الإيراني «قد يأتي من الأراضي الإيرانية أو من الموالين لإيران في المنطقة، مثل العراق أو اليمن». وبدوره، تحدث موقع «حدشوت للو تستنزورا» عن نشر منظومة «ثاد» الأميركية في ديمونا، فيما ذكرت «القناة الـ13» أن الرد الإيراني سيكون ضدّ أهداف عسكرية إسرائيلية، وأن الجيش الإسرائيلي «يستعد» له. وكانت القناة نفسها قد أشارت، في تقرير سابق لها، إلى أن المؤسسة الأمنية قرّرت رفْع حالة التأهّب استعداداً لردّ محتمل من إيران، وأن التقديرات لدى تلك المؤسسة تُظهر أن الردّ الإيراني شبه مؤكد، الأمر الذي أحدث بلبلة وحالة من القلق لدى الجمهور الإسرائيلي.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار