- يحيى دبوق
- الخميس 6 كانون الثاني 2022
في ظل الأزمات السياسية والمالية والاجتماعية التي تستهلك من اللبنانيين كل انتباههم، تمرّ تهديدات «إسرائيل» ووعيدها بحرب لا تبقي ولا تذر، من دون متابعة لتقدير أهدافها. فيما اللافت أنها تأتي في خضمّ رهان أميركي، وإسرائيلي، على تحقيق «خرق» في الساحة اللبنانية، اعتماداً على نتائج استحقاقات الداخل لا على الحرب.
صحيح أن سؤال الحرب الإسرائيلية المقبلة على لبنان دائم الحضور، إلا أن الاعتياد على إطلاق التهديدات لا يبرّر انفلاتها، كما جاء على لسان تومار بار، القائد المقبل لسلاح الجو الإسرائيلي، والذي شغل طويلاً منصب رئيس شعبة التخطيط في الأركان العامة للجيش. إذ هدّد بار بأن حرب لبنان الثالثة «ستكون قوية بدرجة لا يمكن تصورها. حزب الله، بكل تواضع، لا يمكنه أن يتخيّل حجم قوتنا. نحن نريد هذه المرة فوزاً ساحقاً، في فترة أقصر وبأقل خسائر».
التهديدات الإسرائيلية من «خارج السياق» تطرح أكثر من علامة استفهام: هل اقتنعت «إسرائيل» بأن رهانها، ورهان آخرين في الداخل والخارج، على الاستحقاقات الداخلية غير ذي جدوى، فقررت تغيير المقاربة من الانتظار إلى التهديد؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل ينسحب ذلك أيضاً على الراعي الأميركي ومقاربته للساحة اللبنانية؟ أم أن التهديدات مرتبطة بالمشهد الأوسع، وبالمقاربة الإسرائيلية لتعاظم التهديد الإيراني؟
المؤكّد أن العوامل التي تجبر «إسرائيل»، حتى الآن، على الانكفاء العسكري عن الساحة اللبنانية لا تزال قائمة، وتتعزّز بمرور الوقت، لإدراكها أن أي مغامرة عسكرية تقدم عليها ستكون مكلفة جداً بسبب تراكم القدرات العسكرية لحزب الله، وإن كان هذا التراكم هو نفسه يشكّل دافعاً لها للحرب. وكما قيل في السنوات الماضية، وبات مؤكّداً أكثر في هذه المرحلة، هو السلاح الذي يدفع «إسرائيل» إلى المبادرة العسكرية، هو نفسه الذي يدفعها إلى الانكفاء بسبب الأكلاف التي سيكبّدها إياها.
بهذا المعنى، تأتي تهديدات بار في ظل سطوة معادلة الكلفة والجدوى التي تتأكد أكثر مع الوقت. ما يعني، وهو التفسير الأكثر معقولية، أن أسباب التهديدات مرتبطة بعوامل أساسها إقليمي، موجّه عموماً إلى محور الأعداء – دولاً وغير دول – الذي يجمع مكوّناته ارتباط عضوي وقاعدة تدرك تل أبيب جيداً مدى صلابتها، مثلما تدرك أن ما يجري على أي مكوّن في المحور يؤثر في بقية مكوناته، وعلى جميع المكونات بلا استثناء، وبمستويات استراتيجية ووجودية، في حال كان التهديد موجهاً إلى رأس المحور ومركزيته.
وفقاً لمراقبين، حزب الله ملتزم بقواعد الاشتباك أياً كانت التبعات والأثمان، لإدراكه بأن أي تهاون مع اعتداءات «إسرائيل» وتمريرها بلا رد، من شأنه أن يجرّ عليه خسائر أكبر بكثير. وهنا، وفقاً للمراقبين أنفسهم، إن كان حزب الله ينظر خطوتين وأكثر إلى الأمام، ويبني قراراته مع استعداد لتلقي أثمان الرد على رده ليمنع خسارة أعظم لاحقاً، فهو سيكون معنياً، بشكل مؤكد، بأن يدفع عن نفسه أي تهديد وجودي، أياً كانت الخسائر، عبر تفعيل واجبه الدفاعي عن محور المقاومة، كونه واحداً من مكوّناته.
بناء على هذه القاعدة، جاء قرار حزب الله بالتدخل العسكري في سوريا، ليس فقط دفاعاً عن سوريا نفسها بوصفها أحد مكوّنات المحور الذي يستمدّ منه قوته وحضوره وردعه، بل كي يدافع أيضاً عن نفسه وبلده، وإن بعملية استباقية وقائية. والقاعدة نفسها تسري على بقية مكوّنات المحور، مع تأكيد أكبر بكثير، في حال كان التهديد يطاول المكوّن المركزي في المحور: إيران.
وفقاً لهذه الفرضية، المعقولة إلى حد كبير، يمكن تفسير منطلق التهديدات الإسرائيلية للبنان وغيره من ساحات «الدائرة الأولى»، وتفسير الجاهزية لدى أعداء إسرائيل في الإقليم، من دول ومنظمات، من شأنها أن تتحرك ضد إسرائيل نتيجة أي فعل أو رهان على فعل متطرف ضد إيران. فهل يكفي أن تطلق تل أبيب تهديداتها لتردع أعداءها عن التآزر؟
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)