يكتسب التحكيم التجاري أهمية خاصة في اعتماده كوسيلة لحل المنازعات المصرفية التي قد تنشب بين المصارف في تعاملاتها مع بعضها البعض أو تعاملها مع عملائها، بالنظر إلى ما تقتضيه هذه التعاملات من سرية، ولتمحور هذه النزاعات حول النقود، وما تتعرض له من تقلبات في سعر الصرف وتراجع قوتها الشرائية من يوم لآخر، وبخاصة في وقتنا الراهن.
فالوقت في عالم الاقتصاد يقابل بالمال، وهذا ما تحدث عنه الأستاذ في قسم كلية الحقوق بجامعة دمشق قسم القانون التجاري الدكتور بسام شيخ العشرة، خلال ورشة العمل التي أقيمت في غرفة تجارة دمشق بالتعاون مع مركز العدل والإحسان في وقت سابق، حيث يرى الدكتور شيخ العشرة إن أهمية اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات المصرفية قد ازدادت في الآونة الأخيرة مع توسع نشاط المصارف وازدياد تدخلها في شتى مجالات الحياة وعلى جميع المستويات المحلي والإقليمي والدولي، وما رافقه من ظهور صور وأنواع متعددة للعقود في مجال المعاملات المصرفية، يتسم بعضها بالتعقيد وتشابك المفاهيم، مما انعكس على طبيعة المنازعات الناشئة عن تلك المعاملات، والتي تعد من أعقد المنازعات وأكثرها صعوبة وتتطلب سرعة حسمها أن يتولى نظرها والفصل فيها أشخاص مؤهلون ومتخصصون على قدر عال من المهنية والكفاءة.
القطاع الخاص وسوق المصارف
ويرى الدكتور شيخ العشرة، إن دخول القطاع الخاص السوق المصرفية السورية منذ عام 2001 عبر مصارف عربية وأجنبية ونتيجة التطور الكبير الذي شهدته الحياة الاقتصادية في عصرنا الراهن، اتسع نشاط المصارف للقيام بالعديد من المعاملات كفتح الحسابات الجارية والاعتمادات المستندية وإصدار خطابات الضمان وتقديم الكفالات المصرفية بالإضافة إلى مصارف الاستثمار التي تعمل في مجال التجارة الدولية وتمويل المشاريع ومنح الضمانات المصرفية للحكومات وغيرها من الشركات الكبرى، بعد أن كان العمل المصرفي مقتصراً على تجارة النقود والقيام بعمليات الصرف وتلقي الأموال من أصحابها في صورة ودائع وإقراضها للآخرين، وتنفيذ أوامر الدفع من شيكات وحوالات.
خصوصية المعاملات المصرفية
وعليه- والكلام للأستاذ الجامعي في كلية الحقوق- ولأن المعاملات المصرفية لها خصوصية تتمثل بالطابع السري لها وصفتها التجارية وتميزها، بتقنية تنظم الإجراءات المتبعة وتستخدم ما استقر في العمل المصرفي من مصطلحات فنية ومهنية يصعب على غير المختصين فهمها وقيامها على الثقة، ووضوح صيغ نماذج العقود المصرفية التي تعتمد المصارف في إعدادها على أسلوب موحد يغلب عليها طابع الإذعان إلى حد ما، وعدم وجود تنظيم شامل وكاف لها، وتوحيد الأحكام القانونية الناظمة لها على المستوى العالمي.
أثر المنازعات الناشئة
فإنه انطلاقاً من هذه الخصوصية يقول الدكتور شيخ العشرة: إن تصدي قضاء الدولة للنظر في المنازعات الناشئة عنها، والتي لا ينحصر أثرها في الغالب بين أطرافها فحسب، وإنما قد يؤثر في اقتصاديات الدول في بعض الأحيان، يرافقه بعض المعوقات والصعوبات ولن يأت ثماره على الوجه الأمثل لأسباب عدة منها عدم توافر الخبرة المهنية الكافية لدى بعض القضاة للفصل في المنازعات الناشئة عن المعاملات المصرفية، وبطء إجراءات التقاضي أمام المحاكم وطول أمد المحاكمة، ومبدأ علنية المحاكمة الذي يسود التقاضي أمام المحاكم وهو ما لا يتفق مع مبدأ السرية المصرفية والتي يحرص أطراف النزاع على إبقاء اتفاقاتهم وأسرارهم المصرفية طي الكتمان.
مزايا التحكيم
ويتابع: لذلك وبالنظر إلى ما يتسم به التحكيم من مزايا تنسجم مع الأسس التي تقوم عليها المعاملات المصرفية وطبيعتها الخاصة، فقد اكتسب التحكيم أهمية كبرى في أن أصبح الآلية الأساسية من آليات تسوية المنازعات المصرفية، كونه يوفر حرية للأطراف المتنازعة في اختيار المحكمين من ذوي الخبرة والتخصص والحياد، وسرعة الفصل في المنازعة، والسرية ومرونة الإجراءات وبساطتها، والمحافظة على استمرارية العلاقات المستقبلية بين أطراف المنازعة حيث غالباً ما تتوصل هيئة التحكيم في حكمها إلى حل توفيقي يرتضيه أطراف المنازعة أو إلى الصلح بينهم وتثبيته وذلك بخلاف ما هو عليه الحال في الخصومة القضائية، هذا إلى جانب أن اللجوء إلى التحكيم لتسوية المنازعات المصرفية يجنب المدعي رفع الدعوى في موطن المدعى عليه (دولته)، وهو جاهل قوانين تلك الدولة.
المنازعة المصرفية
وكان الدكتور شيخ العشرة قد ميز خلال حديثه بين المنازعة المصرفية والتحكيم المصرفي، مبيناً أن المنازعة هي الخلاف الناشئ بين مصرفين، أو بين مصرف وأحد عملائه، بصدد مباشرة المصرف لإحدى معاملاته المصرفية، وهنا المنازعة المصرفية تتطلب توافر أمرين معاً الأول أن يكون أحد أطرافها على الأقل مصرفاً، والثاني أن تكون ناشئة بصدد ممارسة المصرف لإحدى معاملاته المصرفية، وعليه فإن الخلاف الناشئ بين مصرف وأحد موظفيه .
سيرياهوم نيوز 2_الثورة