الرئيسية » مجتمع » تونس تتذكّر شيخها المستنير: ما أحوجنا إلى الطاهر الحداد

تونس تتذكّر شيخها المستنير: ما أحوجنا إلى الطاهر الحداد

| نور الدين بالطيب

تونس | اختارت «دار خريف» في تونس أن تحتفي على طريقتها بعيد المرأة التونسية الذي يتزامن أيضاً مع صدور «مجلة الأحوال الشخصية» (قانون الأحوال الشخصية) في 13 آب (أغسطس) عام 1956، وهي المجلة التي أحدثت ثورة في العالم العربي والإسلامي بمبادرة من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة (1903ــــ 2000). إذ أعادت الدار إصدار كتاب الطاهر الحداد (1899ــــ 1935) الصادر عام 1930 بعنوان «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» الذي أوقعه في أزمة على إثر مصادرة الكتاب وفصله من عمله وسحب شهادته العلمية وتكفيره. بعد صدور كتابه، عاش الحداد محنةً كبيرة ولم يناصره ضد الحملة التي تعرّض لها من شيوخ «جامع الزيتونة» إلا بعض الخلّص من أصدقائه. فقد كانت موجة التكفير والتشكيك في إسلامه عاليةً بعدما دعا إلى ضرورة تعليم المرأة وتمكينها من تعلّم حرفة تمنحها الاستقلال المالي، وأن يكون لها رأي في الزواج والطلاق. وقد اعتبرت هذه الأفكار التقدمية، سبباً لعقابه بحرمانه من العمل، فعاش سنواته الأخيرة وحيداً في أوّل محنة يتعرّض لها مثقف عربي في الزمن الحديث والمعاصر. هذا الكتاب كان هو المصدر الأساسي لـ «مجلة الأحوال الشخصية» التي جرّمت تزويج الفتاة قبل سنّ 18 ونصّت على إجبارية تعليمها وضرورة موافقتها على الزواج وحقّها في العمل وضمان حقوقها بعد الطّلاق وغير ذلك من الحقوق التي تمّ تطويرها لاحقاً من بينها حق الإجهاض، بما جعل من تونس بلداً متقدّماً على بعض البلدان الأوروبية في مجال حقوق المرأة. وقدّمت الأستاذة في «جامعة منوبة» الناشطة النسوية زينب التوجاني دراسةً لهذا الكتاب المرجعي، مستحضرةً محنة الحداد الذي «لم يعش بعد كتابه هذا إلا سنوات قليلة يمكن أن نصفها بسنوات المحنة. لقد حاكموه وكفّروه وافتكوا منه شهادته وأغلقوا دكّانه في باب بنات، وفقد موطن شغله وشحذت فيه المقالات السليطة تنتهك فكره وسمعته وعلمهُ ودينهُ، وتثور ضدّ امرأته وضدّ الكتاب. ومات حزيناً ولكن ثابتاً على ما كتبه، فلم يتراجع عنه ولو قليلاً، بل أضاف رسالةً نشرتها «بيت الحكمة» عام 2019 تحت عنوان «التجديد والجمود»».

لقد خاض الحداد معركته انتصاراً للمرأة والكرامة والحرية وهي قيم خالدة، والعودة إلى الحداد اليوم وإعادة إصدار كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» بعد حوالي قرن من صدوره، تؤكد أنّنا ما زلنا نحتاج إلى هذا الصوت في واقع اجتماعي عربي يضطهد النساء وينكّل بهن ويحرمهنّ أبسط الحقوق.
كما يذكّرنا الكتاب والمحنة التي عاشها صاحبه بمحن المفكّرين العرب الذين شُرّدوا واغتيلوا بسبب أفكارهم من غربان الظلام، فصدور هذا الكتاب مع دراسة تفكيكية لأفكاره وإدراجه في السياق التاريخي الذي صدر فيه بقلم زينب التوجاني صاحبة «الثواب والعقاب في الإسلام» يُعيد ذكرى هذا المفكّر المستنير الذي تمرّد على المؤسسة التي تخرّج منها (جامع الزيتونة) داعياً إلى إصلاحها في دراسة لإصلاح مناهج التعليم. كما كان من زعماء الحركة النقابية، إذ أصدر كتاباً آخر بعنوان «العمّال التونسيون وظهور الحركة النقابية» أغضب سلطات الاستعمار الفرنسي، فسحبت الكتاب. المصير نفسه لقيه كتابه الثاني «امرأتنا في الشريعة والمجتمع»، لكن بعد حوالي قرن من وفاته، ما زال الحدّاد حيّاً بينما ماتت ذكرى الذين أذاقوه مرارة الظلم والحرمان حتّى من حقّه في الزواج بعدما أخرجوه «من ملّة الإسلام» .

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...