|
تونس تفتقد اليوم عدداً من المواد الأساسية، بحيث غابت عدة منتوجات عن رفوف المتاجر، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، من جرّاء الأزمة المالية التي تعيشها البلاد.
يُنذر المشهد في تونس بمزيد من الأزمات في جميع الأصعدة. أزمات قد تكون هذه المرة هي الأخطر منذ اندلاع ثورة الرابع عشر من كانون الثاني/يناير 2011. هذه الأزمات لامست، بصورة مباشرة، الحياة اليومية للمواطن، وضربت قُوْته، وأثقلت كاهله.
فتونس اليوم تفتقد عدداً من المواد الأساسية، بحيث غابت عدة منتوجات عن رفوف المتاجر، واضطرب عمل المصانع، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، من جرّاء الأزمة المالية التي تعيشها البلاد، وارتفاع نسبة التضخم، التي بلغت في شهر آب/أغسطس الماضي 8.6%، وهي أعلى نسبة للتضخم تبلغها تونس منذ أيلول/سبتمبر 1991، عندما سجلت آنذاك 8.65%. وهو مشهد أقل ما يقال عنه إنه موجع، في كل المقاييس، في بلد كان يحلم بتحقيق الكرامة.
كلَّ يوم يصحو المواطن على فقدان مادة جديدة تضاف إلى قائمة سابقتها. فبعد فقدان مادة السكر من مخازن ديوان التجارة، في كامل تراب الجمهورية، وفق ما أكده الكاتب العام للفرع الجامعي للسياحة والتجارة والصناعات الغذائية، سهيل بوخريص، فإنّ رئيس النقابة الوطنية للفلاحين، الميداني الضاوي، حذّر من حدوث أزمة في الحليب ومشتقاته، مؤكداً أن المنتوج الاستراتيجي الحالي لا يكفي إلّا أسبوعين، بينما تواجه أغلبية المقاهي صعوبات كبيرة في الحصول على مادتي السكّر والقهوة، الأمر الذي اضطر إلى إغلاق عدد منها، ولجأت أخرى إلى رفع أسعارها. يضاف إلى كل هذا النقص الكبير في التزود بالمحروقات.
الأزمة جعلت المواطن يتخبّط بين سندان فقدان المواد الأساسية ومطرقة الأسعار، التي لم تتوقف عن الصعود. ويعود بطء تعافي الاقتصاد التونسي، بحسب أحدث تقرير للبنك الدولي، إلى التأخُّر في تنفيذ الإصلاحات الرئيسة، بما في ذلك منظومة الدعم. وهو ما سيؤدي، بحسب البنك الدولي، إلى ضغوط إضافية على المالية العمومية للبلاد، وزيادة عجز الموازنة والميزان التجاري.
ولا يمكن إنكار أنّ الإصلاحات، التي طرحتها الحكومة استجابة لشروط صندوق النقد الدولي في مقابل منحها قرض بقيمة 4 مليارات دولار، ستكون مجحفة في حق الطبقات الضعيفة والمتوسطة. لذلك، تمسّك الاتحاد العام التونسي للشغل برفضها، ودعا إلى تنفيذ إصلاحات عاجلة، على مستوى المؤسسات العمومية وجباية الضرائب وغيرها. وهذا التباين في المواقف بين الاتحاد والحكومة ساهم في تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يُعَدّ، بحسب خبراء في الاقتصاد، الأمل الأخير لتونس.
اتساع الفجوة بين المواطن والساسة
بين مواطن يبحث عن قُوْت يومه، وسياسي يبحث عن كرسي في دفة السلطة، اتسعت الفجوة وتهاوت الانتظارات، وخاب الأمل لدى الكثيرين. خيبة عكسها ارتفاع وتيرة الهجرة غير الشرعية، بحيث تشير تقارير حكومية إلى إحباط 1509 محاولات هجرة غير نظامية في اتجاه إيطاليا خلال أول 8 أشهر من عام 2022.
وفي هذا الإطار، أوضح رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنه جرى “إحصاء أكثر من 12 ألفاً و360 مهاجراً تونسياً نحو السواحل الإيطالية عام 2020، ثم ازداد العدد عام 2021 وبلغ 15 ألفاً و675”. ولفت خبراء في علم الاجتماع إلى أنّ الهجرة غير النظامية تُعَدّ أبرز “مقياس للوضعين الاقتصادي والاجتماعي وانسداد الأفق”.
ويعيش أربعة ملايين مواطن تونسي تحت خط الفقر، بين ما يقرب من 12 مليون نسمة، بينما تجاوزت نسبة البطالة 20%. مؤشرات تُنذر بانفجار اجتماعي لن يتأخّر كثيراً إذا واصلت الحكومة التنصل من مسؤولياتها تجاه المواطن البسيط، واتباعَ سياسات اقتصادية أثبتت فشلها منذ الأعوام الماضية، وارتهانها لإصلاحات صندوق النقد الدولي وإملاءاته.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين