علي عواد
لعب تيك توك دوراً محورياً خلال الحرب المستمرة على غزة. عبره، شاهد ملايين المستخدمين مقاطع عن القصف والضحايا والدمار بعيداً من الإعلام التقليدي. هذا الدور أثار غضب اللوبي الإسرائيلي ودفع نواباً مدعومين من «آيباك» إلى الضغط لحظر التطبيق. لكنّ امتلاك لاري إليسون للمنصة يعطيه قدرة على التأثير في هذه السردية وتقليص انتشار المقاطع المناهضة للاحتلال
قبل أعوام قليلة، تحوّل تطبيق تيك توك إلى إحدى أهم ساحات التفاعل لدى جيل الشباب داخل الولايات المتحدة وخارجها. اكتسب التطبيق قوة خاصة بفضل خوارزمية توصية تستبق أذواق المستخدمين.
أقرّ الكونغرس الأميركي عام 2024 قانوناً يلزم الشركة الصينية المالكة «بايت دانس» ByteDance ببيع عملياتها الأميركية لشركة محلية. استند القرار إلى مبررات الأمن القومي وخطر التجسّس. قاد مشروع القانون النائب مايك غالاغر، وهو مشرّع مدعوم بتمويل مباشر من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية «آيباك».
مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تحضرت صفقة تمنح السيطرة على تيك توك لمجموعة مستثمرين أميركيين بقيادة لاري إليسون، مؤسس شركة «أوراكل».
يمنح الاتفاق الأميركيين ثمانين في المئة من الأسهم، فيما يحتفظ الصينيون بعشرين في المئة. بيانات المستخدمين الأميركيين تنتقل إلى مراكز بيانات «أوراكل» في تكساس تحت إشراف مجلس إدارة أميركي يضم ممثلاً حكومياً.
الخوارزمية التي تحدد ما يشاهده المستخدم تبقى ملكاً لـ«بايت دانس». الشركة الأميركية الجديدة تحصل فقط على ترخيص لتشغيلها.
النتيجة أن واشنطن تسيطر على إدارة المنصة محلياً لكنها تعتمد على عقل صيني يظلّ خارج حدودها. هذا التطور يمثّل حالة نادرة، إذ تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى استئجار تقنية صينية في وقت اعتادت أن تفرض منتجاتها على الآخرين.
إليسون بين التكنولوجيا والإعلام
المشهد الجديد يضع لاري إليسون في موقع اللاعب الأساسي. الملياردير الذي وُلد في نيويورك عام 1944 بدأ مسيرته بعقد مع «وكالة الاستخبارات المركزية» (CIA). شركته «أوراكل» نمت سريعاً بعد اعتماد IBM على أنظمتها.
عُرف الرجل بشخصية صلبة وتصريحات مغرورة (يعتبر خصوصية المستخدمين عقبة). ثروته الآن تقارب 383 مليار دولار وفق مؤشر «بلومبيرغ» للمليارديرات. يتضمّن سجله دعاوى جماعية ضد «أوراكل» بسبب بيع بيانات شخصية من دون إذن، انتهت بتسوية قيمتها 115 مليون دولار.
في السنوات الأخيرة، وسّع إليسون اهتماماته ليشمل الإعلام. ابنه ديفيد قاد عملية الاستحواذ على «باراماونت»، المالكة لـ «سي. بي. أس» و«أم. تي. في». العائلة تستعد الآن لعرض على Warner Bros Discovery، ما قد يفتح الطريق إلى السيطرة على شبكة «سي. أن. أن».
إذا اكتملت الصفقة، يصبح إليسون قطباً إعلامياً جديداً. صفقة تيك توك ستمنحه نافذة على الإعلام الرقمي الذي يميل إليه جيل الشباب.
علاقة لاري إليسون بدونالد ترامب صارت وثيقة خلال السنوات الأخيرة. ظهر إليسون في البيت الأبيض إلى جانب الرئيس خلال إعلان مشروع «ستارغيت» الهادف إلى بناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي العام. في المناسبة نفسها، عبّر ترامب عن رغبته بأن يتولى إليسون ملكيّة تيك توك.
نسج ترامب إمبراطورية إعلامية رقمية بشبكة من رجال الأعمال والمستثمرين
الملياردير الأميركي قدّم دعماً سياسياً وإعلامياً لحملة ترامب منذ انتخابات 2020، وشارك في اجتماعات مغلقة مع دوائر القرار الجمهوري. شراكة إليسون في صفقة تيك توك ترافقت مع دخول شركة الاستثمار «أندريسن هورويتز»، التي أسهم مؤسساها مارك أندريسن وبن هورويتز بملايين الدولارات في حملات ترامب الانتخابية.
مارك أندريسن نفسه انتقل إلى موقع المستشار الاقتصادي للرئيس وأسهم في تفكيك سلطات هيئات رقابية على وادي السيليكون مثل مكتب حماية المستهلك المالي.
بهذه الشبكة من رجال الأعمال والمستثمرين، نسج ترامب إمبراطورية إعلامية رقمية، تتوزع بين «إكس» بيد إيلون ماسك وتيك توك تحت هيمنة إليسون، فيما تُدار الاستثمارات التقنية عبر حلفاء مثل أندريسن.
«إسرائيل» في الخلفية
الدور الإسرائيلي حاضر بقوة. يُعد إليسون من أبرز المانحين لقوات الاحتلال بتبرعات تجاوزت 26 مليون دولار. صحيفة «هآرتس» كشفت عام 2021 أنه عرض على بنيامين نتنياهو مقعداً في مجلس إدارة «أوراكل». ابنه ديفيد تعاون مع قيادات عسكرية إسرائيلية للعمل ضد ناشطين في حملة المقاطعة BDS.
خلفية كهذه تجعل سيطرته على تيك توك خطوة تحمل وزناً سياسياً إضافياً.
لعب تيك توك دوراً محورياً خلال الحرب المستمرة على غزة. ملايين المستخدمين شاهدوا عبره مقاطع عن القصف والضحايا والدمار بعيداً من الإعلام التقليدي. هذا الدور أثار غضب اللوبي الإسرائيلي ودفع نواباً مدعومين من «آيباك» إلى الضغط لحظر التطبيق. امتلاك إليسون للمنصة يعطيه قدرة على التأثير في هذه السردية وتقليص انتشار المقاطع المناهضة للاحتلال.
المشهد الإعلامي الأميركي يتجه نحو تركيز السلطة. «إكس» صار بيد إيلون ماسك. فايسبوك وإنستغرام يخضعان لضغوط سياسية ورقابة خوارزمية مشددة على المحتوى المناصر لفلسطين.
في الولايات المتحدة، يدخل تيك توك تحت إدارة ملياردير مقرب من ترامب، بينما يواصل التطبيق العمل في باقي أنحاء العالم تحت هيكل ملكيته الصينية المعتاد. صفقة «وارنر بروس» إذا حصلت، ستضيف «سي أن أن» إلى هذه الشبكة. والنتيجة شبكة إعلامية جديدة يهيمن عليها رجال أعمال يمينيون يدورون في فلك ترامب ونتنياهو.
البحث عن بدائل
السيطرة لا تحتاج إلى حجب مباشر كي تغيّر وعي المستخدم، إذ يكفي أن تُظهر بعض المقاطع وتغرق مقاطع أخرى في قاع النظام. جيل الشباب الأميركي سيجد نفسه أمام محتوى مصمّم ليؤكد سردية محددة ويُضعف أي رواية منافسة.
النتيجة نسخة معدّلة من الواقع تُعرض يومياً كأنها الحقيقة الكاملة. الفضاء الرقمي الذي كان متنفساً للاحتجاج والاعتراض يتحول تدريجياً إلى منظومة دعائية في يد ترامب ونتنياهو.
التحدي الآن هو الانتقال إلى منصات خارج قبضة التحالف الصهيوني الأميركي.
منصات مثل Mastodon وBluesky تطرح نموذجاً لا مركزيّاً يمنح المستخدمين مساحة أوسع من التحكم عبر بروتوكولات مفتوحة.
هذه المنصات ما تزال تحمل بعض العناصر المركزية وتعاني من صعوبات في التمويل والاكتشاف، لكنها تمثل خطوة مختلفة عن الشبكات التقليدية الخاضعة لمليارديرات السياسة.
مشاريع Web3 تعرض فكرة ملكية المحتوى من قِبل الأفراد عبر أنظمة موزعة على البلوكتشين، ما يحدّ من قدرة الحكومات والشركات على الرقابة الكاملة.
الرهان في النهاية على وعي المستخدمين وقدرتهم على تبنّي هذه البدائل وتحويلها إلى فضاءات حيّة للتعبير الحر.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار