آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » ثقافة الرعب.. إدهاش وعصف نفسي؟

ثقافة الرعب.. إدهاش وعصف نفسي؟

دعد ديب

 

نقطة معتمة في نفس الكائن البشري بقيت تحفل بالماورائيات والغرائب من الأمور. هذا الجانب من الفضول والتشويق استثمر بصورة كبيرة في الفنون والآداب، وحفلت مجاميع الموروث الثقافي البشري بمنجزات فنية كثيرة.

 

تلوح في أعماق الذاكرة تلك القصص المترعة بالخوف والرعب لحكايا الجدات عن الجان والغولة والضباع والخوارق والعفاريت والشياطين والأرواح. يستفزنا ذلك العالم المجهول ويستثير اهتمامنا على رغم الخوف الذي يتملكنا.

 

وعلى الرغم من التطور العلمي وارتقاء مدارك البشر وآلية التفكير المتقدمة، فإن نقطة معتمة في نفس الكائن البشري بقيت تحفل بالماورائيات والغرائب من الأمور. هذا الجانب من الفضول والتشويق استثمر بصورة كبيرة في الفنون والآداب، وحفلت مجاميع الموروث الثقافي البشري بمنجزات فنية كثيرة.

 

فمن مخزون الأدب العالمي لدينا نصوص إدغار ألان بو وأجواؤه الغرائبية التي تحبس الأنفاس وتثير الرهبة والمخاوف في نفس المتلقي، وعُدّ نتاجه مؤسساً لأدب الرعب القوطي، حيث الرعب الطاغي على أغلبية أعماله مثل “قناع الموت الأحمر” و”القط الأسود” و”ألغاز” وسواها.

 

كما لا يغيب عن الذهن “فرنكشتاين” لماري شيلي، الكائن الذي عرف سر الخلق وأتى بالكائن المسخ للحياة، وانقلب السحر على الساحر، وصار ذلك الكائن يلاحق ويهدد خالقه ويهدد أيضاً أحباءه وخلانه، وما رافق تلك المطاردة من هلع وخوف وتدمير.

 

يأخذ هذا الإحساس مداه في رواية ميخائيل بولغاكوف “الشيطان يزور موسكو”، عندما يحضر الشيطان في وسط ذلك المجتمع الموسوم بالعلمانية ليبلبل الأحاسيس والأفكار لدى الموجودين ممن اقتنعوا بالحقيقة العلمية وعبثية وجود عالم ماورائي، أو عالم لكائنات أخرى. ذلك الشيطان الذي استثمرت رمزيته ليفضح النفاق والمراءاة والكذب في ذلك المجتمع بأسلوب مسرحي جمع بين الخوف والتوجس مع المتعة والدهشة.

 

في السلسلة الروائية “مقبرة الكتب المنسية” لكارلوس زافون، في أجزائها الأربعة، “ظل الريح – لعبة الملاك – متاهة الأرواح – سجين المساء”، كان للكتب قدسيتها التي تجمع مريديها وكتابها في لعبة فانتازية تجمع الترقب والخوف وصراع الخير والشر، في مطاردات تشويقية يتخللها التوجس والقلق، والرعب من سطوة قوى الشر على مقاليد الأمور.

 

كما لا نستطيع تجاوز الانتشار الواسع لروايات دان براون، الذي بدأها بــ “شيفرة دافنشي”، والتشويق والرعب اللذين يصاحبان المطاردات المثيرة، والتعرف إلى رموز قديمة ما زال مُريدوها يبحثون عنها، ويسلمون راية البحث عنها إلى سلالاتهم القادمة من عمق التاريخ، الأمر الذي يخلط الحقيقة بالغيبيات بحيث يحار القارئ بمدى صدقية الطروحات التي ينقلها عبر حواريات أبطاله ومغامراتهم.

 

في أدبنا العربي كان لثقافة الرعب مجال واسع. تناول الأدباء هذه التيمة بسبب ما لها من دور تشويقي جاذب لتمرير ما يبتغونه من أفكار عبر مغناطيسية هذه الأعمال. لقد تناولها كتاب القصة القصيرة أكثر من تناولها في الأعمال الروائية.

 

هكذا أوقع أمين الساطي الرهبة في القلوب في قصته “نبوءة على التلفاز”، على نحو جعل القارئ يقشعر بدنه من إيعاز يأتيه عبر تلفاز عاطل من العمل للقيام بأعمال لها صفة خارجة عن المألوف وعن القانون كذلك، لكنها في المقابل تحل مشاكله المالية والاجتماعية في تفاصيل دقيقة يمسك بها بشدة بتلابيب القارئ، وتوقعه في حالة غريبة من الخوف والارتياب بين مكذب ومصدق.

 

وفي المجموعة القصصية لأحمد خالد توفيق “الآن نفتح الصندوق” تنهار الحدود بيت عالم الموتى وعالم الأحياء، وثمة من يترقب مرتعباً أن يقتاده الموتى إلى عالمهم. قصص تتآلف مع الموت والقتل، وتنوس بين الواقع والخيال.

 

وهناك أيضاً الرواية التي حازت جائزة البوكر العربية لعام 2017 “فرنكشتاين في بغداد” لأحمد السعداوي، التي تتناسل في فكرتها من فرنكشتاين العالمية لتحاكي جو الرعب المقبل، بحيث تقوم إحدى الضحايا بلم أشلاء من الجثث ومحاولة ترميمها لتكون كائناً واحداً ينقلب على صانعه ويطلب مزيداً من الضحايا؛ ضحايا الحروب العبثية، ليكون كائناً ينتقم ويتغذى بمزيد من الجثث، على نحو يوحي في ديستوبية وديمومة الدمار والموت.

 

وفي كتاب إيمان مرسال “كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها”، تتناول موضوع الخوف لدى المرأة تجاه أولادها، ولحظات الرعب التي تتجلى في اكتئاب ما بعد الولادة. فالصراع بين الأم ووليدها هو صراع البقاء والوجود. ويعكس العنف والغضب والإحباط داخل الأمومة، عبر مفهوم التضحية التي يروجها المجتمع كرهاب يتغذى في داخل المرأة الأم من خلال الإنصات إلى الصوت المفارق للمتن المتعارف عليه في المجتمع والأخلاق والأعراف، على نحو يخلق حالة الشعور بالذنب عندها تجاه أي أذى يلحق بأولادها.

هذا الرعب النفسي المكرس من جانب المجتمع هو الشعور الذي يوحد الأمهات على اختلاف وعيهن، بالإضافة إلى صراع الأم الكاتبة بين الوقت والطاقة.

 

الرعب في الدراما والفن السابع

حفلت أفلام هوليوود بصخب متسارع للرعب والعنف اختصت بها أسماء لامعة لأفلام، مثل: الغابة المتوحشة؛ بيت الجن؛ الهروب من المنزل المسكون، وغيرها الكثير. لكن في صدارة أفلام الرعب يأتي ألفريد هيتشكوك، وما اشتهر به من تجسيده حالات الرعب النفسي، والتي حاول الوصول فيها إلى جذر مخاوف الإنسان العميقة الغور، أكثر من مناظر الدماء والكائنات المخيفة والمثيرة للرعب، وخصوصاً فيلم “بسيكو” المأخوذ عن رواية “روبرت بلوخ”، حيث الوجه الهادئ لمدير فندق يُخفي أفعالاً جهنمية يقوم بها مثل قتله لأمه وإخفاء جثتها في القبو، لأنها أرادت أن تعيش مع زوجها، وهو في النهاية حصيلة لتربيتها المغرقة في الأنانية. وهذا المرض النفسي الذي تتغلب فيه شهوة امتلاك الآخر، أي امتلاكه أمه والاستئثار بحنانها وإبقائها قربه ولو جثة هامدة، معتمداً حالة رهيبة من لعبة التشويق النفسية والغرائبية.

 

أما فيلمه “الطيور، “the birds”، وهو الفيلم المقتبس من قصة قصيرة للكاتبة الإنكليزية دافني دو مورييه، فيوصف بأنه الأكثر رعباً عندما تجتاح إحدى البلدات طيورٌ عنيفة تحاول الاعتداء على كل من فيها من السكان والقضاء عليهم لأسباب مجهولة، على نحو يوحي في الاستنكار لسلوك الإنسان واعتدائه على الطبيعة، وذلك الفهم المزدوج الذي يحلل هجوم البشر على الطيور ولا يبرر هجوم الطيور على البشر، وكل ذلك مفعَم بالتوتر النفسي وصولاً إلى تحليل الدوافع.

 

كذلك برز من أفلام الإثارة والرعب فيلم “طارد الأرواح الشريرة” – The Exorcist ، من إخراج وليام فريدكن، وهو مقتبس من رواية لها الاسم ذاته لـويليام بيتر بلاتي، يتحدث عن طفلة تسكنها أرواح شريرة ومحاولات أمها طرد تلك الأرواح التي تتحكم في الابنة، تتخلله مهارات وقدرات تصويرية تجسد فانتازيا الأرواح المتصارعة، وما يرافقها من موسيقى متوترة تبعث الخوف وتحبس الأنفاس.

 

في عالمنا العربي كان للسينما المصرية السبق في تمثل حالات الرهاب والقلق والرعب من كائنات ماورائية، مثل فيلم “الإنس والجن” من بطولة عادل إمام ويسرا وإخراج محمد راضي، عندما يقع جني في عشق فتاة من الإنس، وغرائبية رؤيتها له من دون أن يراه الآخرون، والغموض والرهبة التي تكتنف هذه العلاقة.

كما تميز الفيلم اللبناني “مسكون” من إخراج كريستال حويس وشريف عبد النور وبطولة وسام حنا وليلى بن خليفة بتجسيد حالات الرعب والأكشن، وهو الذي فاز بمسابقة لوس أنجلوس لأفلام الرعب، بالإضافة إلى حصده جوائز عالمية أخرى. ومن السعودية برز فيلم “رجل الغابة”، عندما يقرر أحد الأشخاص القيام برحلة تخييم في غابة سمع عنها حكايات مرعبة. وعلى رغم جرأته وقوة عزيمته فإن الكائن الغريب يتغلب عليه بعد سلسلة مواجهات مرعبة.

 

يضاف إلى ذلك ما تناولته الأعمال الدرامية الأجنبية والعربية، على غرار سلسلة دراكولا مصاص الدماء؛ مسلسل “توالايت” التي تجمع مصاصي الدماء مع الكائنات المستذئبة، والمسلسل العربي “الكبريت الأحمر”، الذي يدور حول عالم السحر والجان، ومسلسل ” الرابوص”، وسواها الكثير.

 

الفنون والآداب المثيرة للرعب سيف ذو حدين. فهي، من جهة، تعمل على رفع هرمون الأدرينالين كأسلوب دفاعي لجسم الإنسان في حالات الأزمات، كي تُبقي الجسم في حالة تيقظ دفاعية، الأمر الذي يساعد على تمدد الممرات الهوائية بالجسم، ويقيه من شر الانفعالات العنيفة. ومن جهة ثانية، التعود على الرعب ونتائجه، بحيث يصبح الأمر عادياً وروتينياً، الأمر الذي يعطّل الحس الإنساني الطبيعي في استنكار الفواجع.

 

ومع ذلك، فسحر المجهول المغلق والأبواب المقفلة على أسرارها والدهاليز المظلمة ما زال يستفزّ مخيلة المتلقي ويشوقه من أجل معرفة أسرار هذه المنطقة الغامضة، واستكناه أغوارها.

 

سيرياهوم نيوز 1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...