سارة سلامة
الثلاثاء, 24-08-2021
يبدو أن الشعر يبقى مكرساً في مدينة طُرزت على أطرافها أبيات كثيرة من الشعر لشعراء كبار رحلوا وآخرين لشباب مازالوا يكتشفون مكامن العشق فيها، ورغم كل ما مرّ بنا فإن الشعر يحافظ على حضوره، فهو حيّ قائم، هو غذاء الروح ومبهجها، وذكرى تحيي الأحاسيس، نتوق دائماً إلى قوافيه لإعلاء المشاعر وتجديد الطاقات.
وهذا تماماً ما حدث من خلال الأمسية الشعرية التي احتضنها مركز ثقافي كفرسوسة في دمشق، الكثير من المشاعر تهافتت إلى أذهاننا ممزوجة بالحماس والجرأة والقوة، وشكلت عنوان تلك الجلسة التي حفلت بشعرائها الذين تميز كل منهم بأسلوبه الخاص.
في مهرجان ضم كل من الشاعر: شفيق ديب، وإبراهيم منصور، حيث كانت البداية مع منصور بشعره الفصيح القوي الذي تغزل فيه بالحب والمرأة والحبيبة الملهمة فأجبرنا جميعاً إلى أن نهوى ونحب، شجعتنا لغته إلى الاندماج معه والسفر في مخيلته..
ويأتي الشاعر شفيق ديب إلى ملامسة جوارحنا بأدائه وشجاعته وصوته الرنان وشعره الزجلي الذي لايقاوم، ليتغنى بالمرأة وسورية وحب الوطن في صوته الشجي الذي أثّر بكل واحد فينا، وأثار حماس الحضور الذي تفاعل معه بشكل كبير.
اللقاء الذي أداره الشاعر علي الدندح قدم فيه ومضات عن حياة الشاعرين المشاركين والأساليب الشعرية التي قدماها.
وكانت مفاجأة الأمسية حضور الشاعر العراقي جابر الشكرجي الذي ألقى نصوصاً باللهجة العراقية معبراً عن الحب الذي يجمع كلاً من سورية والعراق بأسلوب غلبت عليه العاطفة.
أما الموسيقا فسجلت حكاية مثيرة تماهت مع القصائد بأسلوب عصري خيالي، قدمت الشعر بأسلوب فتي محبب، حيث عملت فرقة «إنجاز» على إضافة سحرها إلى الأمسية.
العطاء والتطوير
وفي تصريح خاص لـ «الوطن» بيّن الشاعر شفيق ديب حول سؤالنا عن فكرة ومناسبة الأمسية ودور الشعر في هذا العصر: «إن أغلب الفنون حافظت على مهمّتها وتطوّرت وكسبت المزيد من المريدين، ولكن للأسف لم تستطع أغلب المنابر الشعرية في سورية ذلك، على الرغم من المستوى الشعري المتميز للشعراء عموماً، وأخص في كلامي المنبر الزجلي الذي أنتمي إليه».
وعن الجمهور الكبير الذي حضر لقاء الشعر، وكم نحن وهم بحاجة إلى الأمسيات الشعرية رغم الظروف، كشف ديب أن: «النّاس ليست بحاجة إلى الشعر الزجلي أو إلى أي فن آخر إن لم يقنعها ويمتعها ويفيدها ويقدم لها كل الاحترام والعطاء والتطوير المدروس».
وفي العرض الذي قدمه ديب كان واضحاً أنه ملتزم الجدية والحضور والثقة والاتزان والجرأة، عن سبب هذا الحماس، أوضح ديب: «في الحقيقة اختلفت أنواع المناسبات في الأماسي، من المباريات الزجلية الحاشدة الحماسية، إلى المناسبات العامّة المفتوحة، إلى أماسي الصالونات إن صلُحَ التعبير، إلى جلسات الأصدقاء المحدودة وغيرها، ويبقى الحافز والمحفّز الأكبر للحماس والمسؤولية وجاهزية كل خلايا الروح للعطاء هو الحضور الجماهيري المتفاعل وهذا ما حصل اليوم».
الشام وسورية والحبيبة حضروا في قوافيه، وفي سؤالنا حول إذا ما كانت أمنياته تحققت في هذه الأمسية، قال: «كانت هذه الأمسية معبراً واسعاً نحو الهدف النبيل البعيد الذي أتمنى للشعر الزجلي أن يُدانيه، ونقطة مفصليّة بالنسبة لي وخاصّة في العاصمة دمشق، من اقتسام المنبر مع شعراء الفصيح، إلى المزج المدروس مع الموسيقا، إلى الحفاظ على خيط المتابعة والتفاعل مع هذا الجمهور الرائع إلى اللحظة الأخيرة».
وفي الأمسية الموسيقا لم تكن قصة ثانوية، هي أساس اتكأ عليها الشعر ودخلت صلب المعنى، تماهى معها الشاعر إلى حد الوله، وعنها بيّن ديب قائلاً: «بكل تأكيد ليست قصّة ثانويّة، وليست متكأً حتّى كانت الموسيقا مكوّناً أساسياً من إلقاء ومحتوى القصيدة، واحترافيّة هؤلاء الموسيقيين المبدعين (عفيف وهوشنك وشادي وعلي) جعلت من الفقرة الشعرية عرضاً ملوّناً يضجّ بالحبّ».
كانت وكان الشعر
ومن جانبه أوضح الشاعر إبراهيم فهد منصور: «إن الشعر عندي لم يكن في يوم من الأيام ترفاً فكرياً أو حالة اجتماعية بالمعنى الظاهري للكلمة، بل هو في العمق طريقة في فهم الحياة والإنسان وأسلوب حياة، لذلك لا أريد من خلال الشعر أن أفهم العالم أو أعبر عن فهمي له وحسب، بل أغير هذا العالم (جمالياً)، نعم بالشعر يعيش الإنسان في العالم على النحو الذي يريد، من دون أن ننسى الجانب الأجمل في الشعر وهو المتعة، إننا نلعب في اللغة».
أما عن أسلوبه الشعري فبين منصور، إنني: «أنوّع_ بدرجة معينة من الجرأة_ بين عدة أشكال (العمود_ التفعيلة_ النثر)، كما أن النهر يتغير ويتدفق باستمرار أحب أن أبقى في مجال التجريب فلا أستقر على حال واحدة، وأكتب المحكي قليلاً جداً ومن باب المتعة الشخصية التي تعيد ارتباطي بالموروث على نحو مبهج ومفرح، وكأنني أريد استعادة مشهد ما: جدي وهو يغني بلهجته المحكية (الموزونة) أمام حاكورة التبغ الجميلة، والمرأة باختصار هي رمز الجمال والحياة والحب والخصب، وفضلاً عن ذلك هي سر على غاية من الوضوح البهيّ، سرّ نكتشفه باستمرار، فلنتخيّل أي فراغ موحش ومظلم ستغدو إليه الحياة من دون ضياء امرأة نحبها… لذلك كانت وكان الشعر».
موسيقا جديدة
ومن جهته قال الموسيقي عفيف دهبر إن: «فرقة (إنجاز)، حديثة الولادة مؤلفة من هوشنك حبش وهو عازف ساز، وطبيب تجميل هو من بيت موسيقي وشخص مجتهد عنده ثقافة عالية، كما أن عائلته تتطلب منه أن يكون لديه ثقافة كبيرة بالموسيقا التركية، وهو بالأساس من منزل كردي له ثقافة وفلكلور يعتبر جزءاً من الموسيقا السورية، على حين علي الصالح هو عازف كلارينيت يدرس بكلية الموسيقا في حمص، وشادي داؤود عازف على البيانو ومغنٍ، وأنا عازف إيقاع من الصغر نحن الأربعة اجتمعنا لنشكل فرقة إنجاز».
وأوضح دهبر: «إن معظم الأعمال التي نشتغلها هي من تأليفنا، واستخدمنا في الأمسية الجمل الموسيقية القصيرة التي تتناسب مع الارتجال وهذه الطريقة بالطرح مأخوذة من الجاز، وكان الهدف هو التأسيس لموسيقا جديدة غير مطروحة سابقاً».
(سيرياهوم نيوز-الوطن)