آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » ثلاثة سيناريوات على الطاولة: مهمّة واشنطن تزداد تعقيداً

ثلاثة سيناريوات على الطاولة: مهمّة واشنطن تزداد تعقيداً

 

يحيى دبوق

 

 

 

تُمثّل زيارة نائب الرئيس الأميركي، جاي دي فانس، إلى إسرائيل، محاولة أميركية في سياق سلسلة ضغوط متعدّدة المسارات تعمل عليها واشنطن لإنقاذ الهدنة في غزة، قبل أن ينزلق الوضع مجدّداً إلى دوامة الحرب الشاملة. غير أن «الجدّية» الأميركية في منع استئناف الحرب، لا تضمن منع التصعيد، فضلاً عن أن فرص نجاحها تبقى محدودة، ما لم يبدِ الطرفان، إسرائيل و«حماس»، استعداداً حقيقيّاً لتقديم تنازلات جوهرية، وهو ما يبدو مستبعداً في ظلّ موازين القوى القائمة، وحسابات كل طرف، أمنيّاً وسياسيّاً.

 

مع ذلك، لا تنحو الترجيحات في اتجاه انهيار فوري للهدنة، بل نحو تصعيد تدريجي عبر اشتباكات متقطّعة وخروق متبادلة، تبقي الاتفاق على حافة الانهيار ولا تسقطه تماماً؛ علماً أن استمرار الهدنة من عدمه لم يَعُد مرهوناً بإرادة الطرفَين، بقدْر ما أصبح مرتبطاً باستمرار الضغط المباشر الذي تمارسه إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي ترى في دوام التهدئة مصلحة إستراتيجية لا غنى عنها لدفع رؤيتها ومصالحها، لِما بعد الحرب في غزة.

 

على أن زيارة فانس لا تهدف فقط إلى منع انهيار الهدنة عبر الضغط السياسي العاجل، بل تمتدّ إلى هدف إستراتيجي، متمثل بتهيئة طاولة المفاوضات للمرحلة التي تلي، فور استكمال تسليم جثث القتلى الإسرائيليين في غزة. ويبدو الموقف الأميركي واضحاً في سعيه إلى استغلال النافذة الحالية لدفع العملية التفاوضية قُدماً، والانتقال من الوقف المؤقت لإطلاق النار إلى ترتيبات ما بعد الحرب، في حين أن الهدف المعلن للإدارة هو البناء على الوضع الحالي لتحقيق رؤية شاملة لغزة، تقوم على ثلاثة محاور صعبة: نزع سلاح «حماس»، وهو الشرط الأكثر تعقيداً؛ نشر قوّة أمنية دولية في القطاع، والذي لا يقلّ صعوبة؛ إضافة إلى بلورة كيان إداري فلسطيني جديد، منفصل تماماً عن «حماس» وعن السلطة الفلسطينية الحالية، يتولّى إدارة غزة في مرحلة انتقالية.

 

مع هذا، تبدو العوائق أمام المهمّة الأميركية كبيرة ومتعدّدة، بما قد يجعل رؤية واشنطن لِما بعد الحرب، شبه مستحيلة في المدى المنظور، خصوصاً وأن «حماس» لن تتخلّى عن سلاحها طواعية، باعتباره مصدر شرعيّتها وقوّتها ووجودها؛ وأن إسرائيل ترفض أيّ وجود سياسي للحركة، حتى في حال وافقت على نزع سلاحها، وترى في أيّ ترتيب يبقي لـ«حماس» أيّ دور، بمنزلة اعتراف بهزيمة عسكرية. وعلى الأرض، فإن الوضع في غزة كارثي: الدمار هائل، والبنية التحتية شبه منعدمة، وسلطة «حماس» نفسها مترنّحة نسبيّاً، ما يجعل تنفيذ أيّ اتفاق، حتى لو تم التوصّل إليه نظريّاً، أمراً بالغ الصعوبة عمليّاً.

 

ويمكن، في هذا الإطار، تصوُّر ثلاثة سيناريوات محتملة للمرحلة المقبلة:

– الأول، وهو بقاء الوضع على ما هو عليه: أميركا تضغط لمنع انهيار الهدنة، و«حماس» تسلّم جثثاً متفرّقة ببطء، وإسرائيل تفتح معبر رفح جزئيّاً أو تغلقه، وفقاً للظروف الداخلية، فيما تستمرّ الاشتباكات، وإنْ بشكل محدود، على خط التماس، من دون كسْر الهدنة نهائياً. في هكذا سيناريو، لا يتحقّق أيّ تفاوض حقيقي ولا تتقدّم أي رؤية لِما بعد الحرب، بل فقط إدارة للوضع الراهن في انتظار تغيّر في المعادلات الداخلية و/ أو الخارجية.

 

– الثاني، العودة إلى الحرب: رغم رغبة إسرائيل الواضحة في استئناف الحرب، لكن قرارها لا يعتمد في جوهره على ما تريده تل أبيب وحدها، بل بشكل رئيسي على موقف واشنطن، وهي الجهة الوحيدة القادرة على تقييد يد إسرائيل أو السماح لها بالتصعيد. وطالما أن الإدارة الأميركية متمسّكة بالهدنة كركيزة لـ«خطّة ترامب»، فهي ستعمل على احتواء أيّ خرق وتجنّب الانزلاق نحو حرب شاملة.

 

لكن في حال تغيّر الموقف الأميركي – سواء بسبب ديناميّات داخلية في الإدارة، أو أحداث ميدانية كبرى تُنسب إلى «حماس» (كهجوم يسفر عن قتلى إسرائيليين) -، فقد تعلن واشنطن انتهاء الهدنة، أو تكتفي بعدم منع تل أبيب من التحرّك عسكريّاً. ولذا، يبقى هذا السيناريو، مهما بلغت رغبة إسرائيل فيه، رهن القرار الأميركي أكثر ممّا هو مرهون بالحسابات الإسرائيلية أو التحرّكات الفلسطينية.

 

– الثالث، تفاهم محدود برعاية أميركية: وهو سيناريو يقع بين «الاستمرار الهش» و«التسوية التكتيكية». وفيه، لا تكتفي الأطراف، وأميركا في المقدّمة منها، بالحفاظ على الهدنة كما هي، بل تبدأ خطوات محسوبة تتعلّق بـ«اليوم الذي يلي» تبادل الأسرى، من دون المساس بالملفّات الخلافية الجوهرية.

 

فمثلاً، تعلن «حماس» التزاماً عمليّاً صارماً بوقف إطلاق النار، أي بعدم استهداف الجيش الإسرائيلي، فيما تبادر إسرائيل إلى فتح معبر رفح جزئيّاً أو تسهيل دخول شحنات مساعدات إنسانية محدّدة. وفي الخلفية، تستمرّ المفاوضات غير المباشرة، برعاية أميركية وإقليمية، حول القضايا المصيرية: نزع السلاح، طبيعة الإدارة المستقبلية في غزة، ودور القوّة الأمنية الدولية. لكن جميع الأطراف تدرك مسبقاً أنه لا حلول سريعة ممكنة، وأن كل تقدُّم سيكون تدريجيّاً ومشروطاً.

 

وهكذا سيناريو، لا يمثّل حلّاً ولا حتى تسوية، بل إدارة منظّمة للخلاف، تهدف إلى كسب وقت إضافي تحت غطاء أميركي. وهو، كغيره من السيناريوات، يبقى رهن الموقف الأميركي، إذ إنه من دون ضغط واشنطن المستمرّ، ورغبتها في تأجيل المواجهة، لن تصمد هذه الترتيبات الهشّة طويلاً.

 

في الخلاصة، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تنتهِ، بل عُلّقت، ليس بقرار إسرائيلي أو فلسطيني، إنّما بقرار أميركي. وأقلّ ما يُقال عن الوضع الحالي، إنه يعيش على «تنفّس اصطناعي» تضخّه الديبلوماسية الأميركية.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وثيقة العيش المشترك: محاولة الإخوان المسلمين لإعادة التموضع في المشهد السوري

      أعلنت “جماعة الإخوان المسلمين” في سوريا، السبت، وثيقة بعنوان “العيش المشترك”، وقدّمتها كرؤية تنظيمية لكيفية إدارة التعدّد الديني والسياسي والاجتماعي في الدولة ...