آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » ثلاثة عقود من بيع الوهم: لماذا ظلّ التطبيع الاقتصادي بارداً؟

ثلاثة عقود من بيع الوهم: لماذا ظلّ التطبيع الاقتصادي بارداً؟

 

رمضان الحكيم

 

 

في علاقات التعاون بين دول الإقليم وكياناته، عادة ما يتركّز الاهتمام على ثلاثة قطاعات رئيسية هي: المبادلات التجارية، الاستثمارات المشتركة، وحركة الأفراد والبضائع. لكن في حالة التطبيع الاقتصادي الإسرائيلي مع المحيط العربي، فإن أولوية تل أبيب كانت تتجاوز تلك القطاعات الثلاثة، لتشمل هدم جدار المقاطعة العربية، التي كبّدت الاقتصاد الإسرائيلي طوال العقود السابقة لاتفاقيتَي «وادي عربة» و«أوسلو» خسائر كبيرة. إذ تمثّلت المشكلة الرئيسية بالنسبة إلى إسرائيل في «الفيتو» الذي كان يلاحق الشركات الغربية التي تتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر معها، والذي جعل الكثير من تلك الشركات تتحاشى بناء أيّ علاقة مع جهات إسرائيلية انطلاقاً من حرصها على عدم خسارة سوق استهلاكي كان يصل تعداده آنذاك إلى نحو 250 مليوناً، من أجل سوق صغير لا يتجاوز عدد مستهلكيه 3 إلى 4 ملايين نسمة. لكن هذا «الفيتو» سقط تدريجياً منذ ثلاثة عقود من الزمن، وأصبح من الماضي في مسيرة الصراع العربي – الإسرائيلي.

زمنياً وسياسياً، يمكن تقسيم مسيرة التطبيع الاقتصادي العربي مع إسرائيل إلى مرحلتَين أساسيتَين: الأولى تشمل ما قبل اتفاقيات «السلام الإبراهيمي»، وهي تنقسم إلى فترتيَن: فترة اتفاقية «كامب ديفيد» في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وفترة «أوسلو» و«وادي عربة» في بداية عقد التسعينيات. أما المرحلة الثانية، فهي التي انطلقت مع موجة التطبيع «الإبراهيمي».

 

تطبيع بارد جداً

في مرحلة التطبيع الأولى التي تجاوز عمرها نحو 15 عاماً، فشل الإسرائيليون في تحقيق أي اختراقات اقتصادية مهمة مع المجتمع المصري، الذي يعود إليه الفضل الأول في انحصار الأمور في ما عُرف لاحقاً بـ«السلام البارد». إذ رغم توقيع أول اتفاق تجاري بين القاهرة وتل أبيب، إلا أن قيمة المبادلات التجارية ظلّت هامشية جداً مقارنة بالشركاء التجاريين للطرفين، إلى درجة أن البيانات التي ترصد قيم التبادل خلال عقد الثمانينيات محدودة. ويُعزى الجمود التجاري، في المقام الأول، إلى الموقف الشعبي الرافض للتطبيع السياسي والاقتصادي بجميع أشكاله، وكذلك إلى تريث النظام السياسي آنذاك خوفاً من تصاعد المقاطعة العربية لمصر، وتأثيرها في بيئة الأعمال والروابط المصرية التجارية مع دول الإقليم، العربية منها والإسلامية. وهذا ما جعل من فرصة حضور المنتجات الإسرائيلية في الأسواق المصرية شبه معدومة. أما لجهة تصدير المنتجات المصرية إلى الكيان، فإن جميع الشركات التجارية والصناعية لم تكن مستعدة للدخول في مواجهة «خاسرة» مع المستهلكين المصريين والعرب. وحتى بالنسبة إلى زيارات الوفود التجارية، فإن وجود ختم لدائرة الجوازات الإسرائيلية على جواز سفر رجل أعمال مصري، لم يكن أمراً منبوذاً مصرياً فحسب، وإنما بمنزلة «وصمة عار» تجعل حاملها غير مرحَّب فيه في كثير من دول الإقليم والعالم.

 

التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل لا يزال يصطدم بعقبتَين أساسيتَين

 

ومع أن توقيع اتفاقيّتَي «أوسلو» و«وداي عربة» عامي 1993 و1994 على التوالي، عزّز من فرص التطبيع الاقتصادي بحكم انضمام دولة مواجهة ثانية (الأردن) إلى مسار «السلام»، واعتراف «منظمة التحرير الفلسطينية» بإسرائيل، إلا أن هذه الآمال لم تَدُم سوى لمدة قصيرة لم تتجاوز العامين (1994-1996)، وذلك جراء تشكيل بنيامين نتنياهو حكومته الأولى، التي تبنّت خطاباً متشدداً حيال عملية السلام. في تلك المدة القصيرة المشار إليها، شهد التطبيع الاقتصادي انفتاحاً رسمياً، فكان أن فتح الأردن الحدود التجارية مباشرة بعد وادي عربة، وتوسّعت التجارة الزراعية والصناعية، وافتُتحت مناطق صناعية مشتركة، ثم لاحقاً تمّ تأسيس المناطق الصناعية المؤهّلة (الكويز 1996) التي سمحت بدخول منتجات أردنية ومصرية تحتوي نسباً من المكوّن الإسرائيلي إلى السوق الأميركية من دون جمارك. ومن جهتها، وقّعت السلطة الفلسطينية «اتفاق باريس الاقتصادي» الذي نظّم حركة السلع، الجمارك، المعابر، العمالة… إلخ؛ كما أنشأت عدة دول عربية (قطر، عُمان، المغرب، تونس، موريتانيا) مكاتب تجارية أو مكاتب ارتباط مع إسرائيل، بينما زادت تركيا من تعاونها التجاري والعسكري مع تل أبيب. ولم يتوقّف الأمر عند التعاون الثنائي، بل امتدّ إلى وضع خطط هدفها ربط إسرائيل بمشروعات إقليمية.

إلا أنه مع مطلع الألفية الحالية، جاءت الانتفاضة الفلسطينية الثانية لتقضي على أي محاولات لتوسيع دائرة التطبيع الاقتصادي، والذي بقي طوال العقد الأول في أدنى حدوده، محافظاً على بعض المبادلات التجارية مع استمرار مقاطعة القطاع الخاص العربي. في ذلك العقد، أبقت ثلاث دول في الإقليم على علاقات اقتصادية رسمية متباينة المستوى والحجم مع إسرائيل، هي: مصر، الأردن، وتركيا. ومع اكتشافات الغاز في شرق المتوسط بعد 2011، بدأت قنوات اقتصادية جديدة تتشكّل؛ فقد وقّع الأردن اتفاق الغاز مع إسرائيل عام 2016، بينما وقّعت مصر اتفاقات متعدّدة بين عامي 2018 و2019 لإعادة تسييل الغاز الإسرائيلي في منشآت الغاز المصرية وإعادة تصديره. كما عاد طرح مشروع «قناة البحرين» لربط البحر الأحمر بالبحر الميت، بمشاركة الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.

 

«انفراجة» بلا قبول شعبي

في المرحلة الثانية، التي أعقبت توقيع أربع دول عربية لاتفاقيات سلام مع تل أبيب عام 2020، تمكنت واشنطن من إرساء شبكة تعاون اقتصادي جديدة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، شملت عدة مجالات أبرزها: التجارة والاستثمار، الشراكات الدفاعية والأمنية، مشاريع الطاقة والبنى التحتية، السياحة والتبادل الثقافي، الزراعة والأمن الغذائي، وغيرها. وبحسب ما تشير إليه بيانات التجارة الدولية لعام 2023، فإن قيمة صادرات الإمارات إلى إسرائيل بلغت نحو 977 مليون دولار أميركي، في حين أن قيمة مستورداتها كانت بحدود 654 مليون دولار. أما مصر، فقد صدّرت ما قيمته 338 مليون دولار، واستوردت من إسرائيل بنحو 2.25 مليار دولار. للوهلة الأولى، تعطي هذه القيم التجارية انطباعاً بأن التطبيع التجاري بات في أحسن أحواله، لكن مع التعرّف إلى تركيبة السلع والمنتجات المدرجة على لائحة المبادلات التجارية، سوف نجد أنها ليست من ضمن الأولويات التي يمكن معها القول إن التطبيع تسلّل إلى الشارع العربي؛ فمثلاً، قيمة صادرات الألماس ومستورداته بين الإمارات وإسرائيل وصلت إلى نحو 717 مليون دولار، وهذا أيضاً يمكن إسقاطه بشكل أو بآخر على صادرات الغاز إلى مصر، التي بلغت قيمتها نحو 2.13 مليار دولار. وكذلك الأمر بالنسبة إلى حركة السياح، التي لا تزال تجري بعيداً من إطارها الشعبي؛ إذ إن السياح الإسرائيليين مثلاً لا يقصدون سوى مناطق محدّدة في مصر لقناعتهم بأنهم غير مرغوبين (شرم الشيخ مثلاً).

 

تطبيع لمهمات بريدية فقط

رغم كلّ موجات الانفتاح، وخاصة تلك التي حصلت بعد اتفاقيات «السلام الإبراهيمي»، إلا أن التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل لا يزال يصطدم بعقبتَين أساسيتَين: الموقف الشعبي العربي، الذي ازداد تمسكاً برفض التطبيع بعد حرب غزة وما رافقها من جرائم وتدمير واسع النطاق، إضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان وسوريا وغيرها؛ وفشل اتفاقيات السلام في توفير الأمن للدول العربية الموقّعة عليها، بل وتحوّلها في كثير من الأحيان إلى مجرد قنوات اتصال أو «مهمات بريدية» لإدارة الأزمات بين واشنطن وتل أبيب والإقليم المتوتر. وبذلك فإن التطبيع الاقتصادي بقي رسمياً أكثر منه بكثير شعبياً، ودون مستوى الأهداف التي وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة، وحتى دون مستوى ما رُوّج له إعلامياً من «شرق أوسط جديد» أو «تحالف اقتصادي عابر للحدود».

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وقّعه 24 نائباً… سؤال م إلى الحكومة اللبنانية عن اتفاق ترسيم الحدود مع قبرص

  وجه النائب ملحم خلف سؤالاً إلى الحكومة اللبنانية عن موضوع ترسيم الحدود البحرية مع قبرص طالباً الإجابة عليه ضمن المهلة الدستورية.     وقد ...