لعلّها مفارقة كئيبة أن يبقى بعضنا مصرّاً على نبذ القناعات بنظرية المؤامرة، في زمن تزاحمت فيه أخطر أشكال المؤامرات وتواترها المطرد من كل حدبٍ وصوب، وفصول الاستهداف المباشر، كما في السياسة.. في أدق تفاصيل الزراعة والصناعة والاقتصاد عموماً، و في عمق البنى الاجتماعية والثقافية ؟!!
أي سذاجة تلك التي تربط الألسنة عن البوح باستشعار مختلف ضروب الأخطار الداهمة، توجساً من “التلبُّس” بتهمة تأييد نظرية المؤامرة..؟؟
أليست هذه بحدّ ذاتها مؤامرة كبرى وبكل أبعاد مفاهيم ودلالات المصطلح.. وتشبه إلى حدٍّ كبير تهمة “معاداة الساميّة” وغيرها من الفزّاعات الجاهزة و المصنّعة خصيصاّ لتمرير أخطر الدسائس والسموم القاتلة إلى حيث تقتضي مصالح قراصنة هذا العالم.
لن نقفز بعيداً ونحن نتحرّى ونشخّص، بما أنه من المفيد أكثر أن نعنى بما يلفحنا نحن من محاولات العبث الخارجي المباشر، وتفخيخ كافة البنى القائمة في مجتمعنا.
أليس لافتاً أن يتحول كل ما هو سوري خلال سنوات الحرب على البلاد، إلى مادّة ثمينة للتداول.. كأن تمسي الليرة السورية في بدايات الحرب على البلاد، مطلوبة من الخارج عبر دول الجوار، ربما أكثر من الدولار، وأن توثق ضبوط ويوميات المنافذ الحدودية أعداداً كبيرة من محاولات تهريبها – الليرة- على الرغم من عدم قابليتها للتداول السوقي خارجاً؟!
وأي هدف وراء ذلك إلّا شفط السيولة المحلية، وإحراج السلطة النقدية بالاضطرار لاستنساخ العملة، وتضخيم حجم الإصدار الكلي، ثم إعادة ما كان محتبساً في الخارج، لإيقاع الدولة والمواطن في أتون حالة من التضخم غير مسبوقة- وقد حصل- والجميع لمس ويلمس ذلك بوضوح.
من الليرة مروراً بعشرات الأمثلة، نصل اليوم إلى زيت الزيتون، وهو المحصول الإستراتيجي المتبقي بعد أن تمّ نسف البنية الزراعية السورية بشكل مباشر، من البذار إلى السماد إلى كل مستلزمات أهم قطاع من حوامل الأمن الغذائي في بلد ينافح بإصرار للصمود والبقاء..
ونسأل بإلحاح.. أيُّ متغير ذلك الذي جعل زيت الزيتون السوري مرغوباً عالمياً إلى هذا الحد؟
ألم يكن زيتنا ذاته عبئاً على الفلاح والدولة بسبب كساده وتهاود أسعاره وتعثر محاولات تصديره قبل الحرب على البلاد، وحتى وقت ليس ببعيد، أي قبل أربع سنوات ؟؟
ما الذي تغير اليوم لتُشرع البوابات في الخارج أمام هذه المادة الأساسية على موائد كل السوريين، وتصبح عصيّة على شريحة واسعة من مواطني هذا البلد..؟؟
حتى ولو لم تسمح الحكومة بتصدير زيت الزيتون، فإنّ هناك من يتلطّون وراء الحدود لتهريبه بأي وسيلة.. فمن الذي يموّل هذا السخاء المريب.. وما الهدف البعيد..؟؟
هل تختلف خلفيات ملف الزيت عن ملف القمح والبذار “الملغوم”، وملفات كثيرة يجب أن تكون الآن في غرف العناية الفائقة لدراستها بعمق ووضع سيناريوهات المواجهة.. والمواجهة هذه المرة مصيرية وفصولها مديدة، لم تبدأ منذ سنوات ولن تنتهي في الغد القريب.
نرفض نظرية المؤمرة فقط عندما تكون ذريعة للاسترخاء، والتعاطي معها على أنها ” قضاء مسلّط” لا فكاك منه.. وحسبنا ألّا يكون بعضنا في هذا الشرق قد سلّم بذلك.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين