آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » جائزة أندريه بلوين… رحلة “البان افريكانزيم” المناضلة السمراء التي تجاهل العالم جنازتها

جائزة أندريه بلوين… رحلة “البان افريكانزيم” المناضلة السمراء التي تجاهل العالم جنازتها

 

الآن دعونا نبدأ من جديد سرد الحكاية المنفية إلى غياهب القارة السمراء. هذه المرة، “الحدوتة” ليست عن الشاطر حسن أو علي بابا والسندباد، لكنها شعبية بمزاج التاريخ المتعثّر أحياناً. تاريخ يهادن قليلاً، تفتر ثوراته، لكنه يعود الى الضوء شعلة بهمة أوفياء. تماماً مثلما فعلت أخيراً، دار نشر “إنكاني بوكس”، التي أعلنت عن جائزة أندريه بلوين لإبراز أصوات النساء الأفريقيات.

 

 

 

 

وأندريه في زمانها، في الستينات والسبعيات من القرن المنصرم، كانت شعلة على منابر نادت بالثورة على الظلم. عرفت بملهمة لومومبا، وأقوى امرأة في أفريقيا، لكنها حين توفيت، قلة مشوا في جنازتها. عاشت تنادي من أجل أفريقيا حرة من الاستعمار وماتت مهمّشة. فما حكاية سيدة حكمت أفريقيا من دون كرسي ولا مراسم تنصيب رسمية؟

 

 

 

 

إنها سيرة ذاتية للباشوناريا السمراء، كتبتها ابنة تاجر فرنسي أحب ابنة زعيم قبلي من جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي زمن المستعمرات الأفريقية الفرنسية والبلجيكية، على أي طفل يولد من ثمرة هذه العلاقة أن ينفى الى دير للراهبات يعيش فيه أطفال من أعراق مختلفة. هكذا بحكم الاستعمار يُفصلون عن الأهل والمجتمع، وهذا حال أندريه التي عاشت طفولة معذبة.

 

 

 

 

في الرابعة عشرة من عمرها، صدر قرار الدير بحقها في أن تزوّج باعتبارها “مشاكسة وبحاجة لوصي”. لم تستسلم الطفلة القوية التي فتحت كوة في الجدران وهربت. وعن تلك الحادثة كتبت في مذكراتها بعنوان “موطني أفريقيا”: “كانت دار الأيتام بمثابة نوع من سلة المهملات لنفايات هذا المجتمع الأسود والأبيض: أطفال الدم المختلط الذين لا ينتمون إلى أي مكان. هناك تعرضت للضرب والجلد وسوء التغذية والإساءة اللفظية”

 

بإرادتها أحبت وتزوجت مرتين، لكن الظلم الناتج عن لون بشرتها الداكن، هي التي حملت بالاسم جنسية فرنسية، تجرعته علقماً حين فقدت طفلها ابن العامين. عام 1964، وبينما كانت في أفريقيا الوسطى، أصيب ابنها بالملاريا، وكان مختلط العرق مثل والدته. وللسبب الأخير رفضت السلطات الفرنسية إعطاءه الدواء بذريعة “ثمة من هم أولى بالعلاج”

 

كتبت أندريه عن رحيله: “لقد سيّس موت ابني حياتي أكثر من أي شيء آخر. الاستعمار لم يعد مسألة تتعلق بمصير أحدنا، وإنما نظام شرير امتدت مخالبه إلى كل مرحلة من مراحل الحياة في أفريقيا”.

 

وبارتباطها ثانية برجل غيني، قاتلت أندريه من أجل ثورة الشعوب على الظلم. اغتنمت أول فرصة استقلال لاحت في أفق الجمهورية الغينية، لتعتلي المنابر ثائرة وملهمة. انضمت الى الفرع الغيني للحركة الأفريقية الموحدة التجمع الديمقراطي الأفريقي (RDA)، معلنة بدء مشوارها السياسي من خلال مساندة زعيم التجمع سيكو توري الذي نجح في أن يكون أول رئيس للبلاد.

 

اكتسبت السمراء الأفريقية الجميلة شهرة خولتها تطوير نفوذها في الدوائر الأفريقية ما بعد الاستعمارية. قدمت التعبئة والمشورة للرئيس الجديد لجمهورية أفريقيا الوسطى بارثيليمي بوغاندا ودخلت على خط حل نزاعاته مع زعيم الكونغو فولبيرت يولو. وذات أمسية على طاولة عشاء في أحد مطاعم غينيا، التقت بسياسيين من الكونغو البلجيكية لتصبح من خلال توطيد علاقاتها مع زعيم حزب التضامن الأفريقي بلوين بأنطوان جيزينجا رئيسة الجناح النسائي للحزب.

 

كتبت عنها الصحافة في حينه: “لقد كانت شخصية لافتة للنظر، سافرت عبر الأدغال بشعرها المصفف وفساتينها الأنيقة ونظاراتها الشمسية. وعلى مساحة 2.4 مليون كيلومتر مربع، خاطبت حشوداً من النساء، وشجعتهن على الدفع من أجل المساواة بين الجنسين وكذلك استقلال الكونغو”.

 

 

وتبقى المحطة الرئيسية في حياة الناشطة الأفريقية المفوهة في مجالي التعبئة والخطابة يوم تعرفت الى “رجل رشيق وأنيق في الرابعة والثلاثين من عمره يدعى لومومبا”. عام 1960 أصبح الأخير أول رئيس للكونغو، وقد عمل الثنائي معا حتى أن الصحافة أطلقت عليهما لقب “لوموم بلوين”، الى حين اغتيال لومومبا بتواطؤ من القوى الاستعمارية لاستعادة منطقة غنية بالمعادن.

 

 

في مذكراتها تحكي أندريه عن صعوبة تلك المرحلة: “كان لومومبا بطلاً حقيقياً في العصر الحديث، لكن أولئك الذين يتمتعون بأفضل الإيمان هم في الغالب الأكثر خداعاً بقسوة”. ومن جديد دفعت الثمن غالياً بنفيها الى فرنسا وإجبارها على توقيع تعهد بعدم إجراء مقابلات أو لقاءات سياسية تحت طائلة التنكيل بأسرتها التي بقي أفرادها كرهائن في الكونغو

وبتعرض والدة أندريه لضرب وحشي أدى الى كسر في عمودها الفقري، رد أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال أحمد بن بيلا الجميل للمناضلة السمراء التي كرست حياتها لحركات الاستقلال باستضافتها وعائلتها

 

 

توفيت أندريه في باريس عام 1986 متأثرة بالسرطان الذي رفضت أن تعالج منه بعد أن شعرت باليأس. كتبت في مذكراتها: “الغرباء ليسوا هم الذين ألحقوا الضرر بأفريقيا أكثر من غيرهم، بل إرادة الشعب المشوهة وأنانية بعض قادتنا. دع الحمقى ينادونني بما يحلو لهم… أنا “Pan Africanist”. وقد نعتها ابنتها “إيف” بتدوينة موجعة: “استقبل العالم وفاة والدتي بلامبالاة كئيبة. لا حشود في جنازتها ولا من يذكر تاريخها”.

 

 

أيقظت عبارة الابنة تلك حركات التحرر لتعود المناضلة السمراء مجدداً إلى الضوء من خلال الفيلم الوثائقي الذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار عام 2024 بعنوان “موسيقى تصويرية لانقلاب”.

 

 

 

وحسناً تفعل دار نشر “إنكاني بوكس”، وهي مشروع تابع لمعهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في جنوب أفريقيا، بإطلاق الجائزة هذا العام وإحياء ذكرى مناضلة تتحرر مجدداً من ظل النظام الاستعماري إلى النضال من أجل حرية ملايين الأفارقة.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١ الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“الباوباب: شجرة الحياة”، نسج الأسطورة والذاكرة في فن ليلى جبر جريدني

يتساءل المعرض عن تأثير انتزاع أيقونة ثقافية أو طبيعية من بيئتها الأصلية: هل تفقد هذه الأيقونة قيمتها ومعناها، أم أنها تتطور إلى كيان جديد يحمل ...