آخر الأخبار
الرئيسية » صحة و نصائح وفوائد » جرعات تخدير قاتلة.. العمليات الجراحية هاجس يؤرق السوريين

جرعات تخدير قاتلة.. العمليات الجراحية هاجس يؤرق السوريين

في ظل النقص الحاد في أطباء التخدير في سوريا، وتعرّض حياة الكثير من الناس إلى خطر الموت، يشكل التخدير أثناء العمليات الجراحية هاجساً يثير مخاوف السوريين، ما يستدعي إيجاد حلول لمواجهة الأزمة.

 

“ما كنت متخيلة ادفن ابني بإيدي”.. كلمات تعبّر عن الألم، أو ربما العجز، لكنها تكشف بالمُطلق هول المُصاب الذي عاشته صباح الإبراهيم، وهي تودّع طفلها جود سكر، ذا الأربعة عشر عاماً، بعد أن فارق الحياة نتيجة خطأ طبي، في أحد مستشفيات العاصمة السورية دمشق.

 

في يوم عيد الأم، الحادي والعشرين من آذار/مارس الماضي، فارق جود الحياة، لكن تلك الكلمات، وتلك الغصّة، وتلك الدموع، لم تفارق الأم الثكلى بابنها منذ ذلك الوقت، إلى الآن.

 

لاحقاً، وصل خبر إلى عائلة الطفل من المحكمة بتحويل الحكم القضائي في حادثة وفاة الطفل جود، من جنحة “التسبب بالوفاة” إلى “التسبب بالقتل”، وهو ما يعني أنّ القضية تحولت إلى جريمة متكاملة.

 

الطفل جود سكر دخل إلى المشفى لأخذ خزعة من ورم في عظام الفخذ الأيسر لديه، للتأكد من نوع الورم قبل إجراء عملية جراحية لإزالته، لكنّه، وبسبب خطأ طبي خلال التخدير، دخل في غيبوبة لأكثر من شهر، انتهت بوفاته.

 

شرحت الوالدة ما حدث مع طفلها للميادين نت، قائلةً: “دخلت مع ابني إلى المستشفى، وهو بحالة صحية جيدة ويمشي على قدميه، وهناك أُجريَت التحاليل المطلوبة استعداداً لإجراء الخزعة، وتأكّد للأطباء أنّ جود يعاني من مرض الربو، وكررت المعلومة للشخص الذي ادعى أنّه فني التخدير، وبعد قليل حضر الطبيب الذي من المفترض أن يقوم بإجراء الخزعة في غرفة الطبقي المحوري واطّلع على التحاليل”.

 

وأضافت الأم أنّ الطبيب، وبعد دخوله مع الممرضة لإجراء الخزعة بخمس دقائق فقط، بدأ يصرخ، وقال: “أنا لم أقل لكم أن تفعلوا ذلك”، وبدأت حركة الأطباء بالدخول والخروج بسرعة من الغرفة، فعلمت الأم حينها أنّ ابنها ليس بخير.

 

وتابعت صباح: “دخلت الغرفة ولاحظت عدم وجود أيّ تجهيزات فيها. وجدت جسم ابني مزرقاً وقالوا لي إنّ قلبه توقف. علمت حينها أنّ من خدّره ليس طبيباً، إنّما فني تخدير”.

 

ونتيجة عدم وجود أي نوع من التجهيزات للتنفس والقلب في الغرفة حيث يوجد الطفل جود، والتأخر في إحضارها من الطوابق العليا، عانى جود نقص الأكسجة وتأذي الدماغ، وبعدها دخل في غيبوبة لأيام، ثم فارق الحياة.

 

لا تغيب عن مخيلة الوالدة صباح اللحظات الأخيرة لابنها الذي دخل سليماً معافى إلى المستشفى، وكيف خرج جثة هامدة، ويُحفر في ذاكرتها أيضاً سوء معاملة المستشفى، لها ولطفلها، على الرغم من الإهمال الذي ارتكبه فني التخدير، وكأن الإدارة لم يكفهِا الذنب الذي اقترفته. وكانت صباح تصرّ على أنّ ما حصل مع طفلها يتجاوز الخطأ الطبي، ليصل إلى مرحلة الإهمال المطلق من المستشفى.

 

الطفل زين العابدين إبراهيم، حكاية أخرى تكشف تفاصيل مروّعة حول أخطاء التخدير في بعض المراكز الطبية داخل سوريا.

 

يروي أحمد إبراهيم والد الطفل زين للميادين نت ما حدث مع ابنه: “كان لدى زين مشكلة في الأسنان، وعند مراجعة الطبيب طلب إجراء عمل جراحي لإزالة بعض أسنانه، فتمت الموافقة على ذلك. قبل بدء العمل الجراحي أُعطي الطفل إبرة تخدير عام من قبل طبيب تخدير في المركز الطبي، وبعد دقائق أُعطي إبرةً ثانية، ما أدى إلى فقدانه الوعي تماماً، ثم وفاته”.

 

وتابع إبراهيم: “بعد تقديم بلاغ إلى الأمن الجنائي وبدء التحقيق، تبيّن أنّ الوفاة نتيجة جرعة تخدير زائدة تسببت بأذية دماغية وصدمة تحسسية ناتجة عن مواد التخدير، وتجري حالياً ملاحقة كل من طبيب التخدير وطبيب الأسنان قضائياً”.

 

نقص حاد في أطباء التخدير

ازدياد حالات الأخطاء الطبية في بعض المستشفيات السورية ترافق مع تحذيرات خرجت طيلة الأشهر الماضية من تداعيات النقص الحاد لأطباء التخدير على الواقع الصحي في سوريا، الذي من شأنه أن يقود إلى مشكلات خطرة، إذا لم تتلافَ وزارة الصحة السورية الوضع بصورة سريعة.

 

وفي هذا السياق، أكد مدير عام مستشفى المواساة الجامعي بالعاصمة دمشق، عصام الأمين، للميادين نت “وجود نقص بشري في عدد من التخصصات ضمن المستشفيات السورية، ومنها اختصاص التخدير واختصاص الطوارئ والعناية المركزة”.

 

وأوضح الأمين أنّ المشكلة تكمن في أنّ “طبيب التخدير له علاقة بكل أنواع الجراحات، حيث لا توجد عملية جراحية من دونه، ونقص كادر أطباء التخدير في سوريا بشكلٍ عام، أجبر كل طبيب تخدير على العمل ضمن 3 أو 4 غرف عمليات يومياً لتغطية النقص الموجود وتأدية العمل المطلوب”.

 

أما سبب قلة عدد كوادر التخدير فهو، “عدم إقبال الأطباء على دخول هذا النوع من الاختصاصات، لأنّ طبيب التخدير عادةً لا يمتلك عيادته الخاصة، بل يعمل في المستشفيات فقط”، فمثلاً، في مستشفى المواساة التي يديرها الأمين، كان هناك 25 طبيب تخدير، أما حالياً، فثمة 8 أطباء فقط.

 

كذلك، نبّه الأمين في حديثه للميادين نت إلى ضرورة التمييز بين الخطأ الطبي والاختلاط، “فالخطأ الطبي هو خروج الطبيب عن القواعد والأصول الطبية المتعارف عليها عالمياً، أو بسبب تقصيره وإهماله، ومعظم الحالات اختلاطات وليست أخطاء طبية، والاختلاط يحدث في كل دقيقة، في جميع أنحاء العالم”.

 

وبرأيه، فإنّ الخطأ الطبي مسؤولية ثلاثية، الطبيب في حال إهماله، والمريض عند إخفاء تفاصيل ومعلومات تخصّ مرضه عن طبيبه، إضافةً إلى المؤسسة أو القطاع الصحي، الذي يتم فيه العمل الجراحي.

 

وفي هذا الاتجاه أوضح اختصاصي التخدير والإنعاش، محمد وليد القاسم، للميادين نت أنّ مسؤولية طبيب التخدير هي تحضير المريض قبل الجراحة، من ناحية الفحوص المخبرية والشعاعية والاستشارات الطبية، بحسب حالة المريض، ومعرفة إذا كان المريض يعاني أمراضاً مزمنة، وتقدير حالته وتقرير التخدير المناسب وشرح الإجراء للمريي. أما مهمة فني التخدير فتكمن في مساعدة طبيب التخدير من خلال تحضير الأدوية اللازمة، والأجهزة الطبية المساعدة.

 

وأضاف القاسم أنّ كل خلل في أي جزئية مما سبق قد يؤدي إلى مشكلة كبيرة، لافتاً إلى أنّ أهم أسباب الوفاة خلال التخدير هو التحسس الدوائي المفرط لدى بعض المرضى من أدوية التخدير أو أدوية التحضير الدوائي، ما يسبب حالة صدمة تحسسية عند المريض. كما أنّ هناك حالات أخرى من الصدمات الخطرة على حياة المريض مثل: الصدمة الدورانية والصدمة القلبية والصدمة العصبية.

 

تشير إحصاءات رسمية إلى أنّ سوريا خسرت قرابة 30% من أطباء التخدير خلال السنوات الماضية، وتقدَّر حاجة البلاد لتعويض العجز الحاصل حالياً بأكثر من ألف طبيب تخدير، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر حول المشكلة في المستشفيات العامة والخاصة على حد سواء.

 

ويرجع البعض النقص في عدد أطباء التخدير إلى أجورهم المتدنية نسبياً، واضطرارهم للعمل في المستشفيات الخاصّة أو السفر خارج البلاد، إذ تبلغ رواتبهم في المستشفيات العامة 150 إلى 200 ألف ليرة سورية، في حين يتضاعف المبلغ بثلاث أو أربع مرات في تلك الخاصة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ أحد أهم أسباب نقص أطباء التخدير هو غياب التأمين الصحي في المستشفيات.

 

لكن المشكلة الأهم في تراجع أعداد أطباء التخدير هي أنّ الشريحة التي تُفقد في سوريا تُعدُّ الأهم، لأنّها شريحة الشباب، إذ تشير المعلومات إلى أنّ عدد أطباء التخدير في سوريا حالياً أقل من 500 طبيب، بسبب سفر قسم كبير من الأطباء إلى الخارج.

 

كذلك، فإنّ عدد الأطباء من شريحة الشباب ممن أعمارهم أقل من 30 سنة قد لا يتجاوز الـ5، وهي نسبة خطرة، تستوجب تحركاً عاجلاً من الجهات المعنية لمعالجتها سريعاً.

 

حلول لمواجهة الأزمة

وعن الحلول المقترحة لمواجهة النزيف الحاصل في اختصاصيي التخدير، أكدت وهي رئيسة قسم التخدير والعناية المشددة وتدبير الألم في مستشفى المواساة، فاتن رستم، للميادين نت، اقتراح مجموعة من الحلول لمواجهة المشكلة، لكنها بمجملها كانت طويلة الأمد، “مثل دراسة الطب البشري لمن لم يمكّنه معدله في الشهادة الثانوية من الوصول إلى كلية الطب، لكن بشرط تخصصه بالتخدير لاحقاً”.

 

أما الحل الإسعافي فيكون، بحسب رستم، من إعطاء الأجور المناسبة في المستشفيات العامة والخاصة، وتفعيل مشروع التأمين الصحي.

 

واقترحت رستم أيضاً فكرة الاستفادة من المعهد الطبي (اختصاص تخدير) والذي تكون مدة الدراسة فيه سنتين فقط، حيث يتم توسيع شريحة قبول المتخرجين من المعهد الطبي ممن معدلهم أكثر من 85% (حسب المعدل كل سنة)، لإكمال دراسة الطب، ثم اشتراط استكمال التخصص بالتخدير.

 

وتشير فاتن رستم في حديثها للميادين نت إلى عدم وجود إحصائية دقيقة تفيد بأنّ الأخطاء التي وقعت في المستشفيات خلال الفترة الأخيرة بسبب التخدير، “فهناك عدة أخطاء جراحية قاتلة، لكن جرت العادة على توجيه أصابع الاتهام للتخدير، في حين أنّه قد لا يكون السبب”.

 

وتابعت رستم: “عندما يحدث الاختلاط بسبب التخدير، وهذا باستقراء ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعود معظمه إما لعدم وجود الطبيب الأختصاصي في مسرح العمل، أو لعمله في عيادات خاصة خارجية تفتقر لمعدات الإنعاش وأجهزة المراقبة”.

 

وتضاف إلى ما سبق أسباب أخرى، كما أوضحت رستم، “مثل عدم استكمال دراسة وتحضير المريض وحاجته لاستقصاءات واستشارات أخرى، وهنا نتحدث تحديداً عن المستشفيات الخاصة، بسبب إلحاح المريض والطبيب الجراح على إجراء التخدير فيقع الخطر”.

 

وكشفت رستم للميادين نت أنّ بعض المستشفيات الخاصة، ولمصالح مادية، تلجأ إلى لتعاقد مع طبيب تخدير أختصاصي واحد فقط، يشرف على أطباء دراسات أو فنيين، وقد لا يتواجد الطبيب في جميع الأوقات، وهذا الأمر بحاجة لمعالجة بالرقابة والمتابعة من قبل وزارة الصحة.

 

أما بالنسبة لمتابعة الاختلاطات، فيجب، وفقاً لرستم، أن يتم عن طريق لجنة طبية تتمتع بالخبرة، لدراسة الأسباب والتمييز بين الخطأ الطبي والاختلاط، ودعم هذه الآراء علمياً بالأدلة.

 

كل ما سبق يؤكد أنّ القطاع الطبي في سوريا يواجه خطراً كبيراً، ويجب العمل سريعاً على إيجاد الحلول الكفيلة بوضع حد لحالات الإهمال المنتشرة في بعض المستشفيات، التي أدت غير مرة إلى حدوث وفيات، ما يتطلب حلولاً فوريةً لمنع تحوّل الأزمة إلى كارثة.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

علاجات الأمراض الروماتيزمية خلال المؤتمر الثالث عشر لرابطة أمراض ‏المفاصل

بمشاركة عدد من الاختصاصيين أقامت الرابطة السورية لأمراض المفاصل ‏بالتعاون مع نقابة أطباء سورية مؤتمرها الثالث عشر ويستمر يومين وذلك ‏في فندق البوابات السبع بدمشق.‏ ويتضمن ...