آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » جسر التنهدات” أقدم الروايات التي تناولت هذا الموضوعهايل الطالب يقرأ في المضمرات الدلالية ل “فضاءات الجسور في الرواية

جسر التنهدات” أقدم الروايات التي تناولت هذا الموضوعهايل الطالب يقرأ في المضمرات الدلالية ل “فضاءات الجسور في الرواية

علي الرّاعي  2020/07/5

وأنا أقرأ الكتاب النقدي (فضاءات الجسور في الرواية العربية – قراءة في المُضمرات الدلالية والثقافية) الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب للدكتور هايل الطالب، لم تبرح من ذهني رواية “جسر على نهر درينا” للكاتب اليوغسلافي “إيفو أندريش” التي ترجمها شيخ المُترجمين السوريين سامي الدروبي عن اليوغسلافية، ولم تكن معروفة في العالم العربي، وتأتي أهميتها من رصدها لمرحلةٍ تاريخية تعود إلى الفترة الممتدة بين (1571م وحتى 1914م) وهي الفترة التي كان فيها العالم العربي يُعاني من الاحتلال العثماني. حيث تتناول حوادث الرواية تاريخ دول البلقان في أثناء تبعيتها لتلك الإمبراطورية البغيضة حيث بُني “الجسرُ” ليربط بين أطراف الإمبراطورية العثمانية، ويثبت دعائمها، وكان الباشوات والآغوات يحكمون هذه النواحي باسم السلاطين؛ إنه عالم الإنكشارية وضريبة الدم، وفيها نقل الكاتب صورةً عن العالم البلقاني المكوّن من الكثير من القوميات التي كانت مجهولة حينذاك. كما نقل إلينا صورةً عن آلام الشعب البلقاني ومعاناته من أوّل لحظات بناء الجسر، وما تعرّض له من عنف العثمانيين وشراستهم، واستعراض ما ارتكبوه من جرائم ومجازر بحق الناس هناك، وكيف صار الجسر مجلساً لأهل المدينة؛ فشهد انحسار العثمانيين، وقصص حبّ، وقصص لقاءٍ وفراق ومآس ومجازر.. والمصادفة أنه بعد مضي أشهر على ترجمة الرواية يُمنح كاتب “جسر على نهر درينا” جائزة نوبل للسلام.

إذاً يأخذ الناقد هايل الطالب فضاء “الجسر” في الروايات العربية التي قامت بنيتها الفكرية والفنية على ثيمة الجسر، وفي هذا المجال يتحدث عن تنويعات استخدام هذه المفردة؛ منها كدلالة مجازية عن الآلام البشرية، أو الجسر كرمز نضالي، والجسر الثلجي وتعرية الذات، الجسر المُنتهك والهوية المُهمشة، الجسر التراجيدي كفضاء للهزيمة وانكسار الأحلام، جسر الهاوية والجسر الدرامي، ولعبة الجسور والمغامرة السردية، وغير الكثير من المآلات الدلالية للجسر، وخلال ذلك يستعرض عشرات الروايات لمؤلفين عرب، قامت رواياتهم، أو بنت سردها على مفردة الجسر بكل واقعيته ومن ثمّ مساحات المجاز والتخييل والانزياحات التي يمكن أن يُقدمها في هذا المجال..
تُحاول هذه القراءة النقدية أن تتوقف عند حيّز مكاني جزئي، برز كثيراً في روايات عربية عديدة، وهو حيز الجسر، الذي جاء عتبة نصية\ عنواناً، ومُحرضاً سرديّاً في الرواية، وفي غايته من اختيار هذه العتبة للدراسة؛ يذكر الطالب: إذا تركنا الأسباب المعرفية والثقافية التي تُحرضنا على إجراء أية دراسة أو قراءة، فإنّ حافز الغواية هو ما يشد إلى هذا الموضوع.. إنها محاولة للكشف عن مكنونات ثيمة مكانية لم يُلتفت إليها باعتبارها محرقاً مولداً للكتابة الروائية، أو باعتبارها عتبة نصية من ناحية، ومن ناحية أخرى هي رغبة في الغوص في مكان جزئي، على خلاف العادة في الدراسات المكانية التي تتناول مكاناً عاماً مُتسعاً، ثم تُحاول تفصيل جزئياته.. حيث تنطلق الدراسة من رؤية تأسيسية مفادها أنّ المكان هو الصورة المرجعية الجغرافية، أما الفضاء، فهو الصورة المتخيلة أو المضمرة التي تُضفي على المكان أبعاداً جمالية وشعرية وفلسفية وثقافية تجعله غير مُتطابق مع الواقع، أو تجعله فضاء آخر لا يتعالق مع الموجود..
يُعرّج الباحث قليلاً صوب حضور الجسور في الآداب العالمية، ويراه حضوراً واضحاً لاسيما في آداب أوروبا وأمريكا على سبيل المثال، حيث نجد حضوراً لافتاً لهذا الموضوع في مختلف الفنون السردية والشعرية والغنائية والفن التشكيلي، كما انصرف عدد من المؤرخين لكتابة تاريخ الجسور، أما في الرواية العالمية التي كان الجسر محورها الرئيس؛ عنواناً ومضموناً لاستخلاص مقولاتها منها: (جسر التنهدات) للفرنسي ميشال زيفاكو (1860 – 1918م)، وهي من أقدم الروايات التي تناولت موضوع الجسر حيث كتبت في بداية القرن العشرين، وجسر التنهدات؛ هو جسر في فينيسيا (البندقية) يمتد فوق إحدى قنواتها ما بين قصر الدوق وسجون المدينة أنشئ حوالى سنة 1600م، وقد دُعي بهذا الاسم لكثرة التنهدات التي كان يطلقها عابروه من المساجين من السجن إلى المحكمة وبالعكس.. وهناك رواية (جسر سان لويس راي) للأمريكي ثورنتن وايلدر (1897 – 1975م) التي صدرت سنة 1927، فقد انهار أجمل جسر في “بيرو” وألقى بخمسة مسافرين في الخليج، لكن الراهب ونيبر الذي شهد الحادثة اشتغل في ذهنه السؤال الذي سيحكم أحداث الرواية ومفاده: لماذا حصل هذا لهؤلاء الخمسة دون غيرهم؟؟ وأما الجسر الدرامي والتاريخ كذريعة لسبر أغوار النفس البشرية، فهو ما يبرز في رواية (جسر على نهر درينا) لليوغسلافي إيفو اندرتش (1892 – 1975م) الصادرة سنة 1949م، وهو الجسر الحجري الذي أقيم على نهر درينا بمدينة فيشيغراد، وكان الغرض من إقامته الربط بين البوسنة وصربيا، هذا الجسر هو الشخصالرئيسية في الرواية التي تحكي تاريخ البلاد من القرن السادس عشر حتى سنة 1914م.. كما تُمثّل رواية “الجسر” للكاتب الألباني إسماعيل كاداريه (1936 -) هذه الدلالة خير تمثيل، وقد كُتبت سنة 1978م، وتأتي أهمية الرواية من جانبين، جانب تقني مُتعلق بتكنيك الكتابة، وجانب رمزي تشفيري للجسر ليصبح أسطورة لنضال الشعب الألباني.. كما قدمت الروائية الدنماركية بيا بيترسن (1966) في روايتها (اجتياز الجسر) الصادرة سنة 2007 عمق المجتمع الذي سيطرت عليه النزعة المادية المتوحشة، فسلبته إنسانيته..
في العالم العربي؛ يُفصّل الناقد هايل الطالب ويستفيض بالروايات التي كتبها روائيون عرب والتي تناولت موضوعة الجسر، ويبدو إنها كانت وفيرة، فهو يبحث في عشرات الروايات، منها: رواية (جسر بنات يعقوب) لحسن حميد، إذ يوجز الناقد المآلات الدلالية في الرواية بالآتي: صك الحراسة للجسر لاحتلال المكان، شخصية سليمان عطارة – الشيخ العفن هو جسر ليعقوب اليهودي لتحقيق السيطرة الاقتصادية.. بنات يعقوب أجساد تُشكّل جسراً انتهازياً للسيطرة على المكان\الجسر، وللسيطرة على الناس، وهناك الشعوذة كجسر لبطل الرواية يعقوب للسيطرة على أفكار الناس.. وغير ذلك الكثير من المآلات الدلالية.. ومن مآلات الجسر في رواية (حين تركنا الجسر) للراحل عبد الرحمن مُنيف؛ هو وقوف الرواية أمام حدثين: حدث آني هو فعل الصيد، وحدث استدعائي، هو هزيمة الجسر، الحدث الأول هو تقنية روائية لاستعادة الحدث المُضمر (هزيمة الجسر)، وبالتالي فالرواية تجعل الصيد عملاً موضوعياً للجسر، ومُعادلاً موضوعياً للهزيمة، ففعل الصيد؛ هو عمل تعويضي لتجاوز جراح الهزيمة التي تُنكأ في كل سطر من سطور الرواية، ليصبح فضاء الهزيمة أكبر من أن تُحيط به الكلمات، فالجسر هو مأساتنا جميعاً، صوتنا الداخلي الذي يجيشُ بالبكاء والصراخ..
ثمة دلالات كثيرة يرصدها الناقد في رواية (الزلزال) للطاهر وطار، وذلك في تحولات اللفظة “الجسر” في سرد الرواية.. حيث استطاع الروائي استخدام تكنيك عالي المستوى في خلق التوتر الروائي، ويُبرز دلالاته عبر فصول سبعة، هي جسور المدينة الجزائرية “قُسنطينة” السبعة التي تصوّر المكان بأبعاده وتشظياته، واستطاع بأسلوب مُخاتل أن يُمشينا على تلك الجسور لإيصال تلك الدلالات إلى مآلاتها، ولينقل لنا صورة الصراع الجديد في الجزائر عبر زمن مُتخيل للمستغلين جميعاً، دلالات كثيرة يرصدها الباحث في لعبة الجسور للكثير من الروايات الأخرى كما في تعدد رموز الجسر في رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي، وهناك التشظي الدلالي للفظة الجسر في رواية “همس الجسور” لعلي المعمري، وكذلك رواية (الجسر) لصُهيب عنجريني وغيرها..

(سيرياهوم نيوز-تشرين)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المؤسسة العامة للسينما تعيد تأهيل صالات الكندي

تماشياً مع رغبة المؤسسة العامة للسينما في تقديم أفضل ما يمكن من أساليب العمل السينمائي، وتأكيداً لضرورة تأمين حالة عرض متقدمة ومتميزة لجمهورها، فإنها عملت ...