تتواصل أعمال إعادة تأهيل وصيانة جسر الرستن في ريف حمص الشمالي من قبل فريق الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وبدعم وتمويل من صندوق الأمم المتحدة الإنساني لسوريا (SHF)، وبالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والإسكان.
وتهدف هذه الجهود المشتركة إلى إصلاح الأضرار التي لحقت بالجسر جراء القصف الجوي، وإعادته إلى الخدمة بكامل طاقته وفق المعايير الهندسية والسياسات الوطنية المعتمدة، لضمان استيعاب الحركة المرورية الثقيلة والمسافرين واستعادة انسيابية النقل بين المحافظات.
جسر استراتيجي وممر تجاري حيوي
يُعد جسر الرستن من أهم الجسور الحيوية في البلاد نظراً لموقعه الاستراتيجي الذي يتوسط المنطقة الوسطى، ويربط بين المحافظات الشمالية والجنوبية مروراً بمحافظتي حمص وحماة.
كما يشكّل الجسر شرياناً اقتصادياً أساسياً في منظومة النقل البري، إذ يسهّل حركة الصادرات والواردات، ويؤمّن عبور البضائع من الشمال إلى الجنوب وصولاً إلى الأردن والخليج العربي.
وقد أسهم هذا الموقع في جعله محوراً رئيسياً للنقل التجاري والعبور الداخلي لعقود طويلة، قبل أن يتعرض لأضرار جسيمة نتيجة الاستهدافات الجوية خلال سنوات الحرب.

القصف والتدمير
في الخامس من كانون الأول عام 2024، أي قبل تحرير المنطقة بثلاثة أيام فقط، تعرض الجسر لقصف جوي مكثف بعدة غارات متتالية أدت إلى تضرره بشكل كبير وخروجه عن الخدمة مباشرة، ولم يشفع له موقعه ودوره الاستراتيجي، وخدماته الطويلة ومساهماته في دعم حركة التجارة الوطنية، فطالته يد الدمار شأنه شأن كثير من المنشآت الحيوية في البلاد.
القصف أدى إلى تصدع الأجزاء الإنشائية الأساسية وتضرر الأساسات، ما دفع الجهات المحلية إلى إيقاف حركة المرور بشكل كامل حفاظاً على السلامة العامة، وبقي الجسر بعدها رمزاً لصمود البنية التحتية السورية رغم ما لحق بها من أضرار جسيمة، وشاهداً على حجم الدمار الذي أصاب شبكة الطرق المركزية في البلاد.
تحرك حكومي
عقب تحرير المنطقة وتشكيل الحكومة الوطنية الانتقالية، وضعت الجهات المعنية ملف إعادة تأهيل جسر الرستن على رأس أولوياتها باعتباره حلقة الوصل البرية الأساسية بين المحافظات، وتم تكليف وزارة الأشغال العامة والإسكان بتشكيل لجان فنية متخصصة للكشف الميداني على الجسر، وتحديد مستوى الضرر، وإعداد الدراسات اللازمة للترميم.
المهندس حسن رحمون، المشرف على مشروع إعادة التأهيل، أوضح في حديث لـ«الثورة» أن الوزارة وجهت منذ البداية بتشكيل فريق هندسي مختص لإجراء مسح طبوغرافي شامل لمنطقة الجسر، وتحديد حجم الأضرار الإنشائية التي خلفها العدوان.
وأضاف: إنه تم إعداد دراسة إنشائية متكاملة وإرسالها للوزارة لاعتمادها رسمياً، مشيراً إلى أن الميزانية المخصصة للصيانة بلغت نحو مليوني دولار أميركي بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة الإنساني.
مراحل التنفيذ والتحديات
بحسب التقديرات الأولية للفرق الفنية في الوزارة، فإن أعمال الصيانة وإعادة الإعمار التي ستتولاها الشركة العامة للطرق والجسور تحتاج إلى مدة زمنية تقارب ستة أشهر كمرحلة أولى، نظراً لحجم الأضرار الكبير والتكلفة العالية للمستلزمات الإنشائية.
وتشمل خطة العمل تدعيم الأساسات، وإصلاح الفواصل التمددية، وإعادة تأهيل الأرصفة والجوانب المعدنية، إضافة إلى إعادة تأهيل الطريق العلوي بما يضمن عودة الحركة المرورية الثقيلة بشكل آمن.
ويأمل القائمون على المشروع أن تُسهم هذه الجهود في إعادة الجسر إلى الخدمة في أسرع وقت ممكن، ليعود إلى أداء دوره الحيوي في ربط المدن السورية وتنشيط حركة النقل والتجارة الداخلية والخارجية، وليبقى شاهداً على إرادة البناء وإعادة الإعمار رغم ما خلفته الحرب من دمار.

أضرار جسيمة
وكشف الفريق المكلف بمسح الأضرار الناتجة عن القصف الممنهج للجسر وجود تضرر كبير في الجسر، كتضرر 14 جائزاً، بالإضافة لانهيارات في البلاطات الأساسية الحاملة للجسر، والجوائز مع تشققات جزئية وظهور وانكشاف حديد التسليح في بعضها، وتصدع في الركائز الوسطية والمساند، وفتحات في الأرصفة والجزيرة المتوسطية، وتهالك في فاصل التمدد وأجهزة الاستناد المعدنية.
وهذا يتطابق مع ما أكده عبد الرزاق الخطيب، منسق قسم المشروعات في الدفاع المدني السوري، عن وجود تشوهات في البيتون، وتهشم أجزاء واسعة من السطح الإنشائي، وأضرار متفاوتة في بعض الفتحات تستدعي إما إصلاحاً أو استبدالاً كلياً، بالإضافة لتشققات وثقوب وتقشر في أعمدة الركائز والركائز التحتية، وتلف في الفواصل الإنشائية، والدرابزينات، والحمايات المعدنية، وشبكات الصرف، وأعمدة الإنارة.
ستة أشهر للتنفيذ
بحسب الجهة المنفذة فإن الفترة الزمنية اللازمة للانتهاء من إعادة تأهيل الجسر هي ستة أشهر تنفذها الشركة العامة للطرق والجسور التي قامت بنقل التجهيزات والمعدات اللازمة لأرض الرستن، وأهمها الرافعة المنزلقة إلى موقع الجسر، كما بدأت الفرق بالعمل على أرض الواقع منذ منتصف شهر أيار الماضي.
هذا ما أكده المهندس خضر فطوم المدير العام للمؤسسة العامة للمواصلات الطرقية تكليفاً، الذي بيّن أن خطط إصلاحات الجسر تتضمن تكسير الجوائز المتضررة واستبدالها بأخرى، وتنفيذ مجموعة أعمال إنشائية مرافقة لها، إضافة إلى معالجة البلاطة الوسطية بين المسربين، وتزويد الجسر بالإنارة وعوامل الأمان من درابزينات داخلية وخارجية.
مراحل الترميم
أوضح المهندس الخطيب أن مشروع الترميم بدأ بعد استكمال الترتيبات اللوجستية الفنية والتمويلية، بعد مروره بعدة مراحل رئيسية، أهمها إجراء تقييم هندسي شامل لتحديد مدى الضرر بدقة، تلاها إعداد خطة عمل متكاملة تشمل تأهيل الطرق البديلة أثناء التنفيذ، ثم إزالة الأجزاء المتضررة بالكامل لضمان السلامة الإنشائية، يأتي بعدها تنفيذ أعمال صيانة دقيقة للبنية التحتية والفوقية، باستخدام تقنيات ومواد خاصة، تشمل خلطات بيتونية مخصصة وإصلاح الكابلات مسبقة الإجهاد، تحت إشراف خبراء واستشاريين هندسيين لضمان المتانة والاستدامة.
انطلاق العمل
وقد أعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان منتصف شهر أيار بدء إعادة تأهيل جسر الرستن الحيوي، وأكدت الوزارة في تقريرها أن صيانة الجسر تتضمن إعادة تأهيل المسربين الرئيسيين، الجزيرة الوسطية، والأرصفة الجانبية، بالإضافة إلى أعمال السلامة المرورية مثل تنفيذ دهان تخطيط حراري للطريق، وتركيب حواجز معدنية جانبية، وإشارات مرور إرشادية وتحذيرية بطول 600 متر طولي، وتركيب أعمدة الإنارة، والعواكس الفوسفورية.
أعمال الترميم بدأت فعلياً في 24 أيار 2025، بعد توفر التمويل اللازم، واستكمال الخطط التنفيذية.
المهندس معاذ النجار، المدير الفني لمشروع إعادة تأهيل جسر الرستن أوضح أن الأعمال المنفذة من قبل الدفاع المدني السوري منذ الـ 21 من أيار الماضي، وحتى تاريخه شملت صيانة ثماني ركائز متضررة، وأربعة عشرة جائزة، تم استبدالها باستخدام رافعة سي 640، إضافة إلى تجهيز الكوفراج المعدني للجوائز، وصب الجوائز في الموقع.
مبيناً وجود صعوبات جمة في العمل، متمثلة في ارتفاع الجسر الذي يفرض نوعاً محدداً من الروافع، ناهيك عن الرياح الشديدة في المنطقة التي تعيق العمل، ما يؤثر على عمل الرافعة، وعلى تصنيع وإنشاء كوفراج معدني للجوائز.
تأجيل الانتهاء
وعلى الرغم من أن الزمن المتوقع لانتهاء أعمال تأهيل الجسر لا تتجاوز ستة أشهر، إضافة إلى أن مدة العقد الأساسي تنتهي مع نهاية العام الجاري، كما توقع الخطيب، منسق مشاريع الدفاع المدني، الانتهاء مطلع العام القادم من أعمال إعادة تأهيل جسر الرستن التي ما زالت تسير على قدم وساق.
إلا أن المهندس فطوم مدير عام المواصلات الطرقية كشف وجود حاجة لتنفيذ أعمال إضافية وضرورية لمعالجة بعض الأضرار الناتجة عن زلزال شباط عام 2023، والمتمثلة باستبدال بعض المساند وفواصل التمدد العرضية، ما استدعى تمديد فترة التنفيذ شهرين إضافيين حتى شباط القادم 2026.
وبعدها سيتم تسليم الجسر إلى المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية، التي ستتولى وضع خطة صيانة دورية ومنتظمة للجسر بعد إعادة تشغيله.
وأكد فطوم أن ورشات الدفاع المدني تواصل عملها في جميع الظروف ودون توقف، متحدية جميع الصعوبات والظروف الطارئة التي تواجهها أثناء تنفيذ أعمال الصيانة، بهدف وضع الجسر في الخدمة في أقرب وقت لتخفيف مشقة تحويل الطريق عن المواطنين، وتسهيل الحركة التجارية بين المحافظات.
اهتمام ومتابعة دولية
وبهدف متابعة أعمال الصيانة والتأهيل في سد الرستن، فقد زار وفد من المديرية العامة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج (DG MENA)، يرافقه وفد من منظمة HEKS EPER، سد الرستن في محافظة حماة، بحضور المهندس “رياض العبيد” مدير الموارد المائية بالمحافظة.
واطلع الوفدان خلال الجولة على أعمال الصيانة التي نُفذت في السد خلال الفترة الماضية، والتي شملت ترميم جسم السد، وإعادة تأهيل اللوحات الكهربائية، وصيانة أجزاء حيوية عدة، بدعم من منظمة HEKS EPER.
وأكد المهندس “رياض العبيد” أن الهدف من الزيارة هو متابعة تقدم الأعمال الجارية في سد الرستن، والوقوف على الاحتياجات المرتبطة بإدارة المياه في محافظة حماه، مشدداً على الأهمية الاستراتيجية لإعادة تأهيل السدود في المنطقة لضمان استدامة الموارد المائية وخدمة القطاعين الزراعي والسكاني.
يعتبر جسر الرستن الكبير شرياناً حيوياً على الطريق الدولي M5، ويتوسط المسافة بين مدينتي حماة وحمص يبلغ ارتفاعه 100 متر فوق نهر العاصي ويصل طوله 600 متر وعرضه 16 متراً، وهو ليس مجرد هيكل إسمنتي بل هو شريان حياة يربط محافظات الشمال السوري بمحافظات الجنوب.
وهو واحد من 88 جسراً في البلاد، من بين 850 جسراً وعبارة منفردة في سوريا.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة
syriahomenews أخبار سورية الوطن
