| علاء حلبي
على وقع التصعيد الأميركي الميداني والسياسي في سوريا، شهد اجتماع مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، عودة للنبرة التركية المُعادية لدمشق، بعد أشهر من محاولات التقرّب منها في سياق مبادرة روسية – إيرانية للتطبيع بين البلدين، وصلت إلى طريق مسدودة حتى الآن، في ظل إصرار دمشق على جدولة انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري، ومراوغة أنقرة المستمرة وإصرارها على محاولة قطف كل ما يمكن قطفه من ثمار مسار التطبيع، من دون دفع مقابل. وفي هذا السياق، اتّهم مندوب تركيا لدى الأمم المتحدة، سادات أونال، الحكومة السورية باتخاذ «مسار اللجنة الدستورية كرهينة»، معلناً للمرة الأولى عن «قلق بلاده» نتيجة موجة التصعيد التي يشهدها الشمال والشمال الغربي من سوريا على وقع محاولة بعض الفصائل شنّ هجمات على مواقع للجيش السوري، وذلك للتذكير بموقف بلاده الرافض للانسحاب من سوريا «في ظل وجود تهديدات أمنية»، وفق تعبيره.
وفي حين أن دمشق نفّذت بالفعل سلسلة هجمات ضدّ الفصائل، آخرها تلك التي طاولت مقرات تابعة لـ«هيئة تحرير الشام» في محيط مدينة إدلب، وفي محيط جسر الشغور في ريف المدينة، أعاد مندوب سوريا لدى «مجلس الأمن»، بسام الصباغ، تأكيد موقف دمشق الداعي إلى انسحاب القوات الأجنبية غير الشرعية، في إشارة مباشرة إلى تركيا والولايات المتحدة. وإذ أشار إلى أن هذا الوجود «يعيق عملية تحقيق الاستقرار بسبب الدعم المستمر للإرهابيين»، ذكّر الصباغ في الوقت ذاته بالمبادرة العربية التي أعادت إحياء مسار «اللجنة الدستورية» وبما خرج عنها من نتائج «إيجابية»، وهي نقطة أعادت كل من الإمارات وإيران التأكيد عليها.
الجلسة، بطبيعة الحال، لم تخلُ من تصعيد أميركي، إذ شهدت محاولة لاستعادة المشاهد الأولى من الحرب السورية، عبر الإشارة إلى تظاهرات السويداء، التي اعتبرتها السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، من «المناطق التي شهدت بداية الثورة» (برغم نأي السويداء بنفسها عن الأحداث آنذاك)، واتّخذت من ذلك ذريعة للدفاع عن «استمرار العقوبات» على سوريا، على اعتبار أنه «لم تتم تلبية مطالب الثورة السلمية»، على حدِّ قولها. ويأتي التصعيد السياسي الأميركي حول سوريا بالتزامن مع تحركات عسكرية مكثّفة تجريها القوات الأميركية الموجودة في قواعد غير شرعية في الشرق والجنوب الشرقي من البلاد، ضمن محاولات مستمرة للتضييق على الحكومة السورية، ومحاولة عزلها عن العراق، الذي تشهد علاقته بسوريا نمواً وانفتاحاً متزايديْن على مختلف الأصعدة. وبدا لافتاً أيضاً، في كلمة المندوبة الأميركية، التركيز على الملف الإنساني الذي تصر الولايات المتحدة على استثماره إلى أقصى حد ممكن عبر ربطه بـ«ثمن سياسي يجب على دمشق دفعه»، إذ كررّت التصريحات المعتادة لواشنطن حول رفضها فتح الباب أمام العودة الطوعية للاجئين السوريين. ويهدف هذا التركيز، بشكل أساسي، إلى عرقلة المسار الروسي والمبادرة العربية، اللذين تشكّل قضية عودة اللاجئين ركيزة أساسية فيهما، فيما تستثمر واشنطن سياسياً في أحوال اللاجئين السوريين في دول الجوار (لبنان والأردن على وجه الخصوص)، حيث يعيش هؤلاء في الوقت الحالي ظروفاً مأساوية، في ظل تراجع الدعم الأممي إلى أدنى مستوى منذ بداية الحرب السورية، والذي أدّى إلى ضغط اقتصادي كبير على الدول المستضيفة.
وإلى جانب التحركات العسكرية الأميركية في سوريا، التي شملت استقدام تعزيزات عسكرية ومعدات ثقيلة وتشكيل فصائل من مقاتلين عرب يتبعون لواشنطن في منطقة التنف، والعمل على تشكيل فصائل جديدة في الرقة، زار وزير الدفاع الأميركي السابق، كريستوفر ميللر، مناطق في الشمال الشرقي من البلاد، حيث أجرى سلسلة لقاءات مع مسؤولين من «الإدارة الذاتية» التابعة لـ«قوات سوريا الديموقراطية – قسد»، الأمر الذي أدانته دمشق، التي تعتبر دخول مسؤولين غربيين بشكل غير رسمي وإجراء لقاءات مع فصائل، هادفاً إلى «دعم الحركات الانفصالية».
تتواصل حملة التصعيد الميدانية القائمة في الشمال الغربي من البلاد
وفي وقت حاولت فيه واشنطن تحميل دمشق وموسكو مسؤولية تعطّل المسار الأممي للحل (اللجنة الدستورية)، أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الموافقة على نقل مقر الاجتماعات من جنيف السويسرية، في أول تصريح واضح منذ الإعلان عن المبادرة العربية التي اختارت سلطنة عمان لاستضافة اجتماعات اللجنة، التي يفترض أن تبدأ أعمالها قبل نهاية العام الحالي. وخطوة النقل هذه كانت ترفضها واشنطن سابقاً، وتصر على استكمال اللقاءات في سويسرا، الأمر الذي رفضته دمشق من جهتها، بسبب صعوبة وصول ممثلين عن موسكو إلى سويسرا جراء تخلي الأخيرة عن حياديتها وفرضها عقوبات على روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا.
المبعوث الأممي الذي أفرد مساحة واسعة من كلمته للحديث عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها سوريا، أشار إلى أنه كثّف خلال الأيام الماضية مباحثاته واتصالاته بهدف إزالة العقبات أمام عودة الحياة إلى «اللجنة الدستورية»، علماً أن لقاء «أستانا» الأخير ضمن المسار الروسي للحل في سوريا، والذي استضافته كازاخستان في شهر حزيران الماضي، شهد توافقاً على عودة هذا المسار، كما على تعديل آليات عمل اللجنة بشكل يضمن الخروج بنتائج أكثر واقعية في ظل عجز الآليات السابقة عن الخروج بأي نتائج، وتحوّل اللقاءت القصيرة إلى مناسبة للمناكفات السياسية.
بدورها، أعادت روسيا التذكير بموقفها الأخير حول رفض تحويل «مجلس الأمن» إلى منصة لمهاجمة سوريا، إذ عبّر نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، خلال كلمته، عن أسفه من قيام الولايات المتحدة بتحويل الاجتماعات بشأن سوريا إلى «عرض كوميدي عديم الفائدة مناهض لدمشق». وإذ أشار إلى أن المجلس يعقد عدّة اجتماعات دورية حول سوريا لا تخرج بأي نتائج، دعا إلى تخفيض عددها وتكثيف المواضيع التي تتم مناقشتها. بوليانسكي الذي أعاد دعوة بلاده إلى سحب القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا، ذكّر في كلمته أيضاً بأن «الاحتلال الأميركي الفعلي لمناطق شاسعة في شمال شرقي سوريا، الغني بالموارد، فضلاً عن العقوبات غير المشروعة المستمرة على النظام، كل ذلك يؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ويسهم في تعبئة الجماعات المتطرفة السرية في سوريا».
ميدانياً، تتواصل حملة التصعيد القائمة في الشمال الغربي من البلاد، في ظل استمرار «هيئة تحرير الشام» في شن هجمات بين وقت وآخر على نقاط للجيش السوري، وإطلاق قذائف صاروخية أدّت إحداها إلى اندلاع حريق كبير في ريف اللاذقية. وفيما شنّ الطيران الروسي والسوري سلسلة هجمات جديدة طاولت مواقع تابعة لـ«الهيئة»، يبدو أن هذه الهجمات ستتواصل في ظل استمرار عمليات الرصد للطائرات المُسيرة التي تقوم برسم بنك أهداف محدّد، بالتزامن مع عمليات مشابهة تشهدها البادية السورية تستهدف تحركات مقاتلي تنظيم «داعش»، المدعومين من القوات الأميركية في قاعدة «التنف» عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، لضرب أي حالة استقرار في البلاد، وفق دمشق وموسكو.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار