نبيه البرجي
أنتوني بلينكن لبنيامين نتنياهو: “أرجوك كيهودي أن تصغي اليّ جيداً. أجهزة الاستخبارات عندنا تقول ان الوقت ليس لمصلحة “اسرائيل”، وليس لمصلحتك شخصياً”.
الرد: “اذا اعتبرنا أن ذلك صحيح، أرجو أن تصغي اليّ أنت أيضاً، كلامك يجعلني ازداد اقتناعاً بأن وقف النار في هذه الساعة يعطي الفرصة لكل أعداء “اسرائيل، ليكونوا” أكثر استعداداً وجاهزية لخوض حرب أخرى. من هنا ضرورة أن تقف أميركا الى جانبنا للقيام بعملية جراحية واسعة النطاق في خريطة الشرق الأوسط”.
ليضيف “لم تعد ايران وحدها التي تهددنا. القاعدة الشعبية لحزب “العدالة والتنمية” تضغط على رجب طيب اردوغان ليشارك في القتال ضدنا، حتى اذا لم تأخذوا بوجهة نظرنا، وهي نظرية الأكثرية الساحقة في بلدنا، فلسوف نفعل ذلك بمفردنا، ولا يعنينا أن تعتبروا ذلك انتحاراً. قد يكون هكذا فعلاً، ولكن لا سبيل أمامنا الا أن نذهب في خياراتنا الى حدودها القصوى، كيلا تنشب النيران في ثيابنا”.
مصدر هذه المعلومات، وليس حرفياً بطبيعة الحال، ديبلوماسي مصري سابق على صلة يومية بوزارة الخارجية في الظروف الراهنة، كونه من أصحاب الكفاءات العالية، كما أنه متخصص في الشؤون “الاسرائيلية”، وكثيراً ما تطلب منه الوزارة ابداء رأيه في المسائل ذات الصلة.
لهيئة الأركان رؤية أخرى، نستخلص ذلك من وسائل الاعلام “الاسرائيلية” ومن الخبراء هناك. الجيش الذي قاتل ولا يزال يقاتل على مدى تلك الأشهر الطويلة، استنفد الكثير من طاقته، ولا يستطيع أن يخوض بين ليلة وضحاها حرباً أخرى. واذا كان نتياهو يراهن على سلاح الجو في سحق العدو، فقد أثبتت التجارب أن القاذفات لا تستطيع أن تحسم المعركة. هذا كان واضحاً في غزة الخالية كلياً من أي تضاريس طبيعية، فكيف بلبنان وبعدما بعث حزب الله برسالة واضحة الى زعيم “الليكود” عن الأنفاق التي أقيمت في الجبال، وحيث لا دور يذكر لسلاح الجو أو لأي سلاح آخر.
الوضع داخل الجيش “الاسرائيلي” ببنيته الكلاسيكية، أسوأ بكثير مما نتصور. الفلسفة العسكرية هناك قامت ومنذ الخمسينات من القرن الماضي (حرب السويس) على الضربات الصاعقة، شل قوة العدو بالكامل خلال ايام أو ساعات. أكثر من جنرال نصح غالانت باقناع نتنياهو بعدم الدخول الى غزة، لأن عملية طوفان الأقصى بدقتها، تظهر أن حركة حماس أعدّت وبمؤازرة متعددة الجوانب من ايران، لمجابهة طويلة ومعقدة.
ما حصل قد حصل. ما يستشف من أجواء المقاومة المستوى العالي من الروح المعنوية لدى القيادات ولدى المقاتلين. تقابل ذلك حالة من الانكسار لدى الجيش “الاسرائيلي” الذي كاد يقاتل لولا الامدادات العسكرية، ولولا الاحداثيات الاستخباراتية الأميركية بالعصي والحجارة، كما كتب جدعون ليفي في “هاآرتس”.
الجنرال اسحق بريك ليس من خارج المؤسسة العسكرية التي عاش فيها أكثر من 30 عاماً، وخبر كل نقاط القوة فيها وكل نقاط الضعف. تصريحه الأخير أحدث دوياً صاعقا في الساحة الداخلية: “اذا استمرت حرب الاستنزاف هذه لسنة أخرى فستنهار اسرائيل”.
بالعين المجردة أو بالأذن المجردة، نلاحظ مدى الارتجاج وعلى المستويات كافة في الدولة العبرية، التي قد “تضطر” الى ارتكاب الخطيئة القاتلة باللجوء الى السلاح النووي، الذي لا بد أن يحدث زلزالاً في المنطقة، التي هل يمكن لها بأثقالها الايديولوجية والتاريخية، أن تبقى تحت التراب، وقد مكثت طويلاً تحت الزمن؟
ماذا لو أنهال 10000 صاروخ على “تل أبيب”، صواريخ هائلة بكل ما تعنيه الكلمة. بحسب ما قيل لنا من جهة موثوق بها، أن باستطاعتها احراق المدينة من أدناها الى أقصاها. أما الجليل بكل قواعده وثكناته ومصانعه قد يسقط في غضون ساعات بيد المقاومة، التي لا يستطيع أحد التكهن بما أعدت له لتلك اللحظات التاريخية، مع التأكيد أن عنصر المفاجأة لا يزال نافذ المفعول.
جهات دولية عدة حذرت القيادة “الاسرائيلية” من الانتحار، ولكن من يستطيع اقناع تلك الرؤوس الخشبية بأن “رب الجنود” بات من الماضي، لتغدو الكلمة لمن هم على الأرض. اقرؤوا “التوراة” و “التلمود” بطبيعة الحال، لتبيّنوا أن الانتحار في الليتورجيا اليهودية “خيار مقدس” كمقدمة لظهور “الماشيح المخلص”.
اذا ظهر فعلاً من تراه يخلّص؟ هم من قالوا أنه سيختال فوق الجماجم، لن تكون جماجمنا، جماجمهم…
(سيرياهوم نيوز 1-الديار)