لا يبدو الهُجوم الذي طالَ قاعدة “حميميم” الجوية الروسية في ريف اللاذقية، أنه صنيعة عمل فردي “إرهابي”، بل إنه نتاج عمل جرى التخطيط له، ونتج عنه مقتل جنديين روسيين.
وتبنّب فعليًّا جماعة تُطلق على نفسها اسم “بركان الفرات” الهُجوم، وأعلنت مسؤوليّتها عنه، بل وغاصت الجماعة في تفصيل عمليّتها، وقالت في بيان، إن الهجوم الذي وصفته بـ”الانغماسي” قُتل فيه عنصران من عناصرها، أحدهما مصري الجنسية (أبو جهاد المصري)، وهو مدرّب سابق في مجموعة “العصائب الحمراء” القوة الخاصة لهيئة تحرير الشام قبل حلّها والآخر يُدعى “أبو بكر الأنصاري” (سوري الجنسية).
لافت في هذا الهُجوم، أنّ مُعضلة “المُقاتلين الأجانب” في سورية تُسلّط الأضواء على نفسها بنفسها، فهذا الهجوم تم من قبل أحد العناصر التي تحمل الجنسية المصرية، والأكثر لفتًا، أنّ هذا أي (أبو جهاد المصري) هو مدرب سابق في العصائب الحمراء التي تتبع “العصائب الحمراء” في هيئة تحرير الشام، أي أنّ هؤلاء المُقاتلين أخذوا الإذن المُباشر من قياداتهم الأكبر لتنفيذ هذا الهُجوم، أو أنّ قياداتهم القابعة في دمشق لا تستطيع السيطرة عليهم، وبالتالي منعهم من تنفيذ هجمات مُماثلة.
تجدر الإشارة إلى أنّ “بركان الفرات” قد أعلنت عداءها الصّريح للشرع، ورفضت الاندماج في وزارة الدفاع.
ويبدو أن هذه الجماعة مُنظّمة ولها قائد، حيث وفي بيان لاحق بثّته، أعلنت الجماعة التي يقودها شخص يُطلق على نفسه اسم “محمد الشامي” عزمها الاستمرار في مُهاجمة المصالح الروسية في سوريا، وقالت إنّ أمام الروس شهرًا واحدًا للخروج من سوريا، قبل استمرار الهجمات.
المُثير للانتباه، أن مثل هذه الجماعة وغيرها، لم تتحرّك ضد التواجد الإسرائيلي في الجنوب السوري، ولم يصدر عنها بيانات تُمهل جيش الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب من الأراضي السورية، فيما تساؤل آخر مطروح حول رأي حكّام دمشق الجدد بنشاط هذه الجماعة ضد روسيا، خاصة أنه لم يصدر عنها توضيح بخُصوص هذا الهُجوم حتى كتابة هذه السطور.
التساؤل الآخر المطروح، حول الموقف الروسي من هذا الهجوم، وهل سيدفعها التهديد المذكور ومُهلة الشهر لمُغادرة سورية، والتنازل عن قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية في سوريا، آخر نفوذ موسكو في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، كما أنهما تُشكّلان عنصرين استراتيجيين حيويين لتعزيز حضور روسيا العسكري والسياسي في المنطقة.
وشاركت “سرايا بركان الفرات” في معركة “ردع العدوان” التي انطلقت لإسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ونفّذت العديد من العمليات ضمنها، وسيطرت على بعض المناطق قبل وصول مُقاتلي “هيئة تحرير الشام” إليها.
يحدث كُل هذا، فيما يتقارب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع من الأمريكيين، والإسرائييلين، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات حول إذا تراجع “الجولاني” عن تفاوضه مع “الروس”، وقرّر إعلان “الجهاد” عليهم حصرًا، مع ثقته بحُصوله على الدعم الأمريكي، وانفتاح دول الخليج وأموالها عليه، ومُساهمتها في رفع العقوبات عنه، وعن سورية، ما يعني عدم الحاجة مُطلقًا لموسكو.
وحمل البيان التهديدي لروسيا عبارة دموية: “الخُروج من أرضنا، وإلا سنُرسلكم إلى روسيا جثثًا هامدة من دون رؤوس”.
المُثير للاستغراب بأن الحكومة الروسية تجنّبت التعليق على الهجوم، لكن موقع ستارغراد المُقرّب من المؤسسة العسكرية نقل معلومات عن المراسل الحربي أوليغ بلوخين، الذي قال إنّ مجهولين نفّذوا هُجومًا مُسلّحًا على القاعدة الجوية أوقع قتلى بين العسكريين الروس من دون أن يحدد عددهم.
العُقوبات المُخفّفة عن سورية، مرهونة بقُدرة حكومة الشرع على ضبط أو مُحاربة المُقاتلين الأجانب، ومن بينهم بطبيعة الحال “بركان الفرات”، لكن هذه الأخيرة تصدّرت المشهد بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع السورية الانتهاء من دمج جميع الفصائل، وتهديد ما تبقّى من مجموعات لم تلتحق بعد بهيكليتها (تساؤلات عن الكيفية)، بالإضافة إلى عودة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق خارجة عن دائرة نشاطه المعتاد، في البادية السورية.
ومن غير المعلوم إلى أي مدى قد تُشكّل جماعة “بركان الفرات” خطرًا على قوات الشرع، وسط تضارب التقارير حول قدراتها العسكرية وعدد رجالها، ولكن هذه المجموعة يبدو أنها عازمة على الضرب بمركزية دمشق عرض الحائط، وتهديد حياة السوريين علنًا، فهذه المجموعة ذاتها هدّدت صراحةً الفنان السوري باسم ياخور في بيان، وأمهلته 48 ساعة لمُغادرة سورية، كونه يُوالي النظام السابق.
وقالت في بيان: حول المجرم الفنان باسم ياخور الذي كان يدافع عن نظام الأسد المجرم البائد ومليشيات الاحتلال الإيراني في أرضنا حكومة دمشق وجهاز الاستخبارات السوري، نؤكد أن عليه أن يُحاسب كأحد مجرمي الحرب الطائفية الذين شاركوا في قتل الشعب السوري وتشريده”.
وحذّر البيان ياخور من البقاء في سوريا، مُحدّدًا له مهلة 48 ساعة منذ صدور البيان لمغادرة البلاد، تحت طائلة “اتخاذ إجراءات ثانية”، دون توضيح طبيعة تلك الإجراءات.
هذا الاستعراض السياسي للشرع، والذي تتراقص حوله قنوات الإعلام العربي والخليجي تحديدًا، لا يُلغي بكُل حال حقيقة المُعضلة الأكبر في تثبيت وثبات حُكم الشرع، فالمجتمع الدولي أمهل “الجولاني” شهرين لحل مشكلة المُقاتلين الأجانب، ليبقى السُّؤال هل تكفي العروض العسكرية “المُلثّمة” التي تُقيمها قوات الشرع بعد كل واقعة تمرّد واشتباك، مثل الذي حصل في اللاذقية بعد الهُجوم على قاعدة حميميم، في أن تفرض “الدولة الجديدة” سيادتها وهيبتها على الجميع، فيما يُنادي تنظيم الدولة “داعش” مُقاتلي الشرع للعودة إلى صُفوفه، فالأخير (الشرع) كافر وفق أدبيات التنظيم، ويبتغي مرضاة الأمريكي، والإسرائيلي!
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم