رضا صوايا
نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية أخيراً، مقالاً بعنوان «عندما تغادر إسرائيل وتدخل غزّة، فأنت الله: عقول جنود جيش الدفاع الإسرائيلي الذين يرتكبون جرائم حرب»، بقلم البروفيسور يوئيل إليزور من الجامعة العبرية في القدس المحتلة. إليزور، الذي شغل بين عامَي 2010 و2013 منصب رئيس مجلس علماء النفس في الكيان العبري وضابط احتياط للصحة العقلية، كان مشرفاً على مركز إعادة التأهيل التابع للقوات الإسرائيلية، ما أتاح له الاطلاع عن كثب على الحالة النفسية للجنود.
في مقاله، عبّر إليزور عن شعوره بالرعب إزاء عمليات القتل الجماعي للمدنيين في غزّة، لكنه ركّز على التأثير النفسي لهذه الجرائم على الجنود الإسرائيليين، قائلاً: «أريد حماية من يخاطر بجسده وعقله أثناء الخدمة العسكرية. يجب أن يدركوا مدى صعوبة مقاومة قادة قساة وضغوط الأقران التي تشجع على الوحشية». واستند المقال إلى دراسة أشرفت عليها الباحثة نوفار إيشاي كرين، التي وثّقت شهادات جنود خدموا في جنوب قطاع غزّة خلال الانتفاضة الأولى (1987-1993). نُشرت هذه الدراسة في كتاب بعنوان «بقعة من ضوء: الجنود الإسرائيليون والجيش والمجتمع في الانتفاضة» عام 2012، وشارك فيه علماء من مجالات متعددة.
يخلص البروفيسور إلى أنّهم حددوا خمس مجموعات من الجنود على أساس سماتهم الشخصية. المجموعة الأولى تتألف من جنود قساة، اعترف بعضهم بالعنف قبل التجنيد. وقد ارتكب هؤلاء الجنود معظم الفظائع الشديدة. نظر هؤلاء الجنود إلى أنفسهم على أنّهم «آلهة» منذ اللحظة التي يدخلون فيها إلى غزّة. ويُنقل عنهم بعض ممارساتهم وكيف أنّ أحدهم تفاخر بأنّه «ليس لدي مشكلة مع النساء. لقد ألقت إحداهن عليّ بحذاء، فركلتها (…) لم يعد بإمكانها إنجاب الأطفال». مجرم آخر روى كيف أعدم فلسطينياً بإطلاق النار عليه من الخلف من مسافة عشرة أمتار، وكيف نجا من فعلته بحجة الدفاع عن النفس! وينقل عنه قوله «جريمة قتل بدم بارد. كنا نفعل أشياء كهذه كل يوم». وينقل رواية أخرى عن «عربي يسير في الشارع، يبلغ حوالى خمسة وعشرين عاماً، ولم يرمِ حجراً، ولم يفعل شيئاً. فجأة، أطلقوا عليه رصاصة في بطنه، وكان يموت على الرصيف، وابتعدنا بلا مبالاة».
المجموعة الثانية تضم جنوداً عنيفين أيديولوجياً يؤمنون بتفوّق اليهود، ولكنهم لم يشتركوا في أفعال وحشية. مع العلم أن الكاتب لا يعطي تفسيراً واضحاً لمعنى الوحشية، بل اكتفى بالقول في مطلع نصّه إنّ «الإصابة الأخلاقية تحدث عندما يتصرف الجنود بما يخالف قيمهم الأخلاقية ومعتقداتهم أو يشاركون كمتفرجين». أمّا المجموعة الثالثة فتضم جنوداً رفضوا كل أشكال الوحشية وأبلغوا القيادة عن فظائع شاهدوها.
المجموعة الرابعة تتألف من جنود لم يكن لديهم ميل سابق إلى العنف، لكنهم تأثروا بسلوكيات الضباط الأصغر رتبة. وعبّر أحدهم ممّن شارك في الفظائع، قائلاً: «شعرت وكأنني نازي … بدا الأمر وكأننا في الواقع النازيون وكانوا هم اليهود». أمّا المجموعة الخامسة فتضم جنوداً لم يرتكبوا فظائع وردوا بشكل «متوازن ومبرر قانوناً على العنف» الفلسطيني، ولكنه لم يقدّم أي شرح عن معنى التوازن والمبررات القانونية.
يكشف إليزور عن ثقافة داخلية للوحدات العسكرية شكّلها القادة الصغار والجنود «الكاريزماتيون»، حيث أصبح العنف معياراً. يروي أحد الجنود: «جاء إلينا قائد جديد، وفي أول دورية له، أمسك بطفل صغير وكسر ذراعه وداس على بطنه ثلاث مرات. عندما يفعل القائد ذلك، يصبح الأمر شرعياً».
وفي ما يتعلق بالوضع الحالي، يشير إليزور إلى أنّ المجموعات القاسية والعنيفة أيديولوجياً أصبحت أكثر عدداً وتطرفاً، ما يعكس تصعيداً خطيراً في السلوكيات داخل القوات الإسرائيلية. في كل الأحوال، تبقى هذه وجهة نظر إسرائيلية في كيان العدو دائماً ما روّج عن نفسه بأنّه يملك «الجيش الأكثر أخلاقيةً في العالم».
أخبار سورية الوطن١_الأخبار