تستمر السعودية في صرف مئات ملايين الدولارات على كرة القدم، وترتفع معها التساؤلات حول أهداف هذه الاستثمارات الحقيقية. مبالغ طائلة تنفق يومياً، قد لا تجعل الدوري السعودي بين الأفضل عالمياً، لكنها بالتأكيد صوّبت الأضواء على المملكة المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان في أكثر من ملف، وليس آخرها قتل الصحافي جمال خاشقجي في سفارتها في إسطنبول
أصبح من الواضح أن السعودية قادرة على شراء أي رياضة تريدها. ظهر ذلك في أكثر من حقل، آخرها كرة القدم. اشترت السعودية في بادئ الأمر نادي نيوكاسل الإنكليزي، ثم استقدمت كوكبة من النجوم إلى الدوري المحلي مقابل رواتب فلكية، أبرزهم البرتغالي كريستيانو رونالدو (200 مليون يورو سنوياً) والفرنسيان كريم بنزيما الذي سيتقاضى 55 مليون دولار سنوياً (165 مليوناً خلال 3 سنوات) وأنغولو كانتي الذي سيحصل على 100 مليون يورو في 3 سنوات. حاولت بعدها إغراء الأرجنتيني ليونيل ميسي للسير على خطى أسلافه، لكن صاحب الـ 7 كرات ذهبية (رقم قياسي) فضّل الانتقال إلى إنتر ميامي الأميركي.
وفي محاولةٍ لتعويض إخفاق استقدام البرغوث الأرجنتيني، قدّمت المملكة عرضاً لزميله السابق في باريس سان جيرمان، الفرنسي كيليان مبابيه، يفوق الـ 700 مليون دولار مقابل عقد لمدة عام واحد تبعاً للشائع في الوسط الرياضي، غير أن الفرنسي رفض ذلك أيضاً.
اللافت في محاولة التوقيع مع مبابيه هو حجم العقد الهائل، الذي يعود على قائد منتخب فرنسا بأجرٍ يلامس الـ 80 ألف دولار في الساعة الواحدة، وهو ما أثار سخط وتهكّم الرياضيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل الجماهير، وسط اتهامات بأن السعودية تريد استغلال اللعبة بكل ما تملكه من تأثيرٍ واسع النطاق من أجل تلميع صورتها.
بالطبع، سوف يرفع لاعبو النخبة من نسق الدوري السعودي ويزيدون تباعاً قوة المنتخب إثر احتكاك اللاعبين المحليين بآخرين أصحاب خبرات كبيرة، لكن ذلك ليس الهدف الأساسي وراء الاستثمارات المستجدة رغم ادعاءات القيّمين. في النهاية، لا أحد يستحق العرض الذي قُدّم لمبابيه أو حتى لبعض اللاعبين الآخرين، لأنه من منظور رياضي، لا يتساوى أجر أي لاعب حطّ رحاله في السعودية، مع القيمة أو الزيادة الفنية التي قد يقدمها.
تريد السعودية استغلال كرة القدم من أجل تلميع الصورة
أغلب الذين جاؤوا إلى المملكة في الأشهر الماضية هم رياضيون في خريف عمرهم الكروي، أو لم يحققوا النجاح المأمول في مسيرتهم الأوروبية، فرضخوا للغة المال. لا يقتصر الأمر على اللاعبين فقط، حيث بدأ المديرون الفنيّون يتهافتون إلى المملكة أيضاً، ومن خلفهم معلّقون بارزون في كرة القدم الأوروبية وكوادر رياضية مختلفة.
مع ذلك، لا يوجد ضمانات لنجاح واستمرار البذخ، حيث إن «حفلة العلاقات العامة» قد تنهار في أي لحظة. يتوقف نجاح كرة القدم السعودية على قدرة بناء نماذج أندية سليمة مالياً وتطوير الدوري تباعاً، إذ إن مجرد منح عقود كبيرة للاعبين هو أمر غير مستدام. ظهر ذلك جلياً في النموذج الصيني قبل بضع سنوات، وبعدها في الدوري القطري وغيره من الدوريات.
يبقى الهدف الأبرز من نشاط وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان هو تغيير الطريقة التي يُنظر بها إلى السعودية فما يتعلّق بسجلات انتهاكات حقوق الإنسان المدانة بها، بحيث يمكن أن تكون كرة القدم وسيلة لتحسين سمعة السعودية، وخاصة بين الشباب في الدول الغربية.
الأمر لا يتعلق بالجودة على أرض الملعب، هي دعاية ضخمة لمركز الدولة في قلب نظام عالمي جديد. يكفي الإشارة إلى زيادة متابعة الأندية الأربعة الكبرى في السعودية أخيراً (مموّلة من صندوق الثروة السيادية للبلاد)، وهي: النصر والأهلي والهلال والاتحاد، بنسب أعلى من بعض أندية الدوريات الكبرى حتى. ومع استضافة المملكة كأس آسيا لكرة القدم 2027، إضافةً إلى سعيها لاستضافة مونديال 2030، سوف تزيد السعودية من قوتها الناعمة محاولةً تلميع صورتها بالدرجة الأولى وتعزيز مكانتها الدولية تباعاً.