- وليد شرارة
- السبت 15 آب 2020
سعي الجيل الجديد من النخب الحاكمة في الإمارات والسعودية والبحرين وعمان في الانتقال، بعلاقات أنظمتها بإسرائيل، من التقاطع إلى التحالف، السرّي ومن ثم العلني، تعزّزَ بقوة بعد موجة الانتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية سنة 2011، وما نجم عنها من شعور بالتهديد الوجودي لدى هذه الأنظمة. قبل هذا التاريخ، منذ بداية ستينيات القرن الماضي، تعاونت هذه الأخيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل للتصدي لصعود أي قوة إقليمية مستقلة، مرشحة لأن تتحول قطباً جاذباً لقسم من دوله وشعوبه، ولأن تعدّل موازين القوى فيه باتجاه متناقض مع الهيمنة الأميركية ووكلائها المحليين. الأسباب نفسها دفعت المشيخات والإمارات والممالك الخليجية إلى محاربة مصر الناصرية في الستينيات، والعراق في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، وإيران منذ انتصار ثورتها، ولكن بشراسة أكبر منذ بداية الألفية الثانية. قيام هذه الانظمة وبقاؤها ارتبطا بالهيمنة الغربية والأميركية، وهي لم تتورع عن الاندراج في مخططاتها، جنباً إلى جنب مع إسرائيل، لمواجهة أي مشروع استقلالي ذي أفق إقليمي، عربياً كان أو إسلامياً. هذا سرّ عدائها اليوم لإيران وحتى لتركيا إردوغان. لكن مشهد هروب الرئيس التونسي بن علي وسقوط نظيره مبارك وانتشار موجة الانتفاضات الشعبية في طول المنطقة وعرضها في ظل تخبط أميركي وغربي، وعجز عن دعم «الحلفاء» هو الذي أصابها بالذعر. في هذه اللحظة المفصلية بالذات تفتقت عبقرية الجيل الجديد من حكامها عن خيار «ورقة الأمان الإسرائيلية».
الفرضية الرئيسية التي تأسّس عليها هذا الخيار هي أن إسرائيل تمتلك في الولايات المتحدة منظومة مؤيدة
الفرضية الرئيسية التي تأسس عليها هذا الخيار هي أن إسرائيل تمتلك في الولايات المتحدة منظومة مؤيدة لها، وليس مجرد لوبي، وأن قدرتها على التأثير على سياستها الشرق أوسطية هائلة بكل ما للكلمة من معنى. إضافة إلى ذلك، فإن هذا الجيل الجديد مقتنع بأن إيران وحلفاءها في الدرجة الأولى، تليها في الدرجة الثانية تركيا وحلفاؤها، هم أعداء وجوديون مشتركون لهم ولإسرائيل. أخيراً، فإن هذا الجيل المعولم الذي ينظر إلى روابط العروبة والدين على أنها من مخلفات ماض بائد يرى في الشراكة مع إسرائيل، القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، فرصة لتعظيم قدرات نظمه. عمل هؤلاء على توثيق أواصر الصلة مع الكيان الصهيوني ونخبه لتأكيد أنهم «كنز استراتيجي» لإسرائيل، كما وصف الوزير الصهيوني الأسبق بنيامين بن اليعازر الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بعد أيام من سقوطه. ومن الواضح أنهم نجحوا في هذا الأمر. وحتى دونالد ترامب اعترف لهم بهذا «الجميل» عندما رد على منتقديه على دعمه لمحمد بن سلمانـ بعد فضيحة قتل الصحافي جمال خاشقجي، مذكّراً بدور الأوّل في الوقوف إلى جانب إسرائيل ضد الذين يريدون إزالتها.
التحالف الأميركي-الإسرائيلي-الإماراتي-
ترامب، الذي يرى فرص إعادة انتخابه تذوي، والعاجز عن القيام بأي إنجاز داخلي يحول دون ذلك، يبحث بدلاً منها عن إنجازات خارجية لعلها تساعد في وقف انحدار شعبيته المتسارع. نتنياهو، المتهم بالفساد، والذي يواجه احتجاجات لم يسبق أن واجه رئيس وزراء صهيوني مثيلاً لها منذ إنشاء الكيان، إلى درجة دفعت البعض إلى الحديث عن احتمالات حرب أهلية، يأمل أن يخفف من حدتها عبر إبراز نجاح ما في الخارج. الإمارات امتثلت لطلبات الراعي الأميركي والحليف الإسرائيلي، لكنها بدورها متورطة في نزاع مفتوح مع تركيا وحلفائها، وليبيا أبرز ساحاته حالياً، وهي طرف في المحور المعادي لإيران على رغم محاولاتها لتطبيع خجول معها صدّته الولايات المتحدة. هي تنصاع للطلبات الأميركية والإسرائيلية في مقابل حمايتها من خصومها الأقوياء. أطراف مأزومون، لم يتمكنوا من الانتصار في معركة الصواريخ المركزية ضد محور المقاومة، يحتفون بالجهر بما كان معلوماً. أما محمد بن زايد، فعليه التوقف والتفكير ملياً في ما قد يترتب على تصنيفه خائناً في باحات الأقصى، في القدس، عاصمة الأمّة.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)