عبد المنعم علي عيسى
يجهد المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسون لبث الروح من جديد في مسار «اللجنة الدستورية» التي ينظر إليها، كما العديدون، كمدخل لا بديل منه لإيجاد تسوية سياسية لصراع كان قد دخل، منتصف الشهر المنصرم، عامه الرابع عشر فيما لا تلوح في الأفق القريب علائم دالة على احتمال أن يحط هذا الأخير رحاله عما قريب.
جهود المبعوث الأممي راحت تتكثف منذ أن سرى الحديث عن احتمال أن تكون الرياض بديلاً لجنيف كنوع من تجاوز لـ«عقدة المكان» التي قادت لتوقف المسار برمته منذ شهر حزيران 2022، وعلى الرغم من أن «الاحتمال» يحظى بمشروعية وازنة قياساً لمعطيات عدة أبرزها العلاقة الجيدة التي تقيمها الرياض مع الحكومة والمعارضة السوريتين على حد سواء، إضافة للقبول الذي يحظى به الدور السعودي من شتى الأطراف الفاعلة في الصراع السوري وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة، إلا أن ثمة عوائق تظهر من بين شقوق المواقف والتصريحات الصادرة من هنا وهناك، وهي من شأنها أن تبقي احتمالية «فشل» الخطوة قائماً، أو على الأقل تأجيل موعدها المقرر ريثما تستطيع «الجرافات» إزالة تلك العوائق.
أجرى المبعوث الأممي يوم الإثنين الـ25 من آذار المنصرم اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ووفقاً للبيان الصادر عن «وكالة الأنباء السعودية – واس» فإن الطرفين بحثا في «آخر المستجدات في ما يخص القضية السورية، والجهود التي يتم بذلها إزاء حل الأزمة السورية»، ومن الواضح أن «العمومية» التي يتسم بها هذا التصريح الرسمي تشير إلى وجود بعض العقبات التي لا تزال قائمة خصوصاً أن بيان «واس» لم يتطرق على الإطلاق لمسألة استضافة الرياض المحتملة لاجتماعات «اللجنة الدستورية» المقبلة، رغم أن هذا الموضوع شكل، من دون شك، المحور الأساس في الاتصال سابق الذكر.
يمارس الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ضغوطاً متزايدة في وتيرتها على النسيجين الاقتصادي والمجتمعي السوري بغرض أن تؤدي تلك الضغوط مراميها بالضغط على الحكومة السورية لتقديم تنازلات قد لا يعرف تماماً حجمها والمدى الذي يجب أن تصل إليه تبعاً للمتوافر من المعلومات، لكنها بالتأكيد تمس قضايا سيادية ما يفسر تمنع هذه الأخيرة عن الاستجابة لها رغم تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي راحت ترمي بحمولاتها على واقع سوري بات مثقلاً بالكثير، والشاهد هو أن بعض الممسكين بالمفاصل التي تديرها الولايات المتحدة لممارسة ذلك الضغط كانوا قد أظهروا «تململاً» لربما كان ناجماً عن دوافع إنسانية، الأمر الذي يمكن لحظه من خلال إعلان منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة «أوتشا» مارتن غريفيث يوم الإثنين الماضي عن تنحيه من منصبه، وعلى الرغم من أن الأخير كان قد ذكر في رسالته الموجهة للأمين العام بأن الدوافع التي تقف وراء هذا القرار هي «صحية بحتة»، إلا أن الوثيقة التي كشفت عنها الأمم المتحدة في الـ10من آذار المنصرم من شأنها أن تثير الشكوك إزاء وجود دوافع أخرى لقرار غريفيث بالتنحي عن منصبه.
نشرت الأمم المتحدة في هذا اليوم الأخير وثيقة استراتيجية تتحدث عن فكرة إنشاء «صندوق للإنعاش المبكر»، حيث يشير تعريف الوثيقة بهذا الأخير الذي خرج من بنات أفكار غريفيث، إلى أنه صندوق مالي مقره دمشق وهو يدار بشكل مباشر من منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، والهدف منه جمع مبلغ 500 مليون دولار لتغطية مشاريع «التعافي المبكر» خلال المرحلة ما بين 2024 – 2028، والجدير ذكره هنا أن غريفيث كان قد زار دمشق يوم الـ22 من آذار من العام المنصرم والتقى فيها الرئيس بشار الأسد، وكشف حينها عن خطة لدى الأمم المتحدة تهدف من خلالها الاستجابة للتحديات التي فرضها زلزال الـ6 من شباط 2023، كما تحدث عن ضرورة تعزيز عمليات «الإنعاش المبكر»، وقد كان لافتاً استخدامه كلمة «إنعاش» وليس «تعافي» وللأمر دلالاته عند دبلوماسي عريق شغل مناصب أممية عديدة على مدى يقرب من ثلاثة عقود، هنا من الراجح أن تكون الضغوط الأميركية لإفشال تلك الخطط هي التي قادت بغريفيث للذهاب نحو ما ذهب إليه.
المنسق الأممي للشؤون الإنسانية المقيم بدمشق، آدم عبد المولى، ناشد المجتمع الدولي يوم الـ15 من آذار المنصرم بضرورة توفير أكثر من 4 مليارات دولار لإنقاذ 10 ملايين سوري باتت حياتهم مهددة، وأضاف في بيان أن «الوضع في سورية اليوم بات غير مسبوق، وهو وضع لا يمكن لنا تجاهله»، وأضاف عبد المولى في بيانه آنف الذكر أن «عدد المحتاجين في سورية اليوم 16.7 مليون سوري» أي بزيادة 1.4 مليون عن العام الماضي، والراجح هنا هو أن الأرقام الفعلية الآن قد تفوق الأرقام التي ذكرها «منسق الشؤون الإنسانية»، قبل نحو نصف شهر، تبعاً لمعطى يقول إن متغيرات حركة السوق الصاعدة بخط صاروخي من شأنها أن تضيف، لحظياً، أعداداً أخرى إلى هؤلاء.
المؤكد هو أن هذا تَحَدٍّ مهم أمام الأمم المتحدة، بل وأمام مبعوثها لحل الأزمة السورية أيضاً، فالصمت عن حصار وعقوبات هي الأعتى مما تعرضت له دولة بحجم وقدرات سورية، هو نوع من «العجز» في مواجهة السطوة التي تمارسها واشنطن بغرض قولبة مجتمع وكيان تعتبره الوحيد الذي لا يدور في فلكها بالمنطقة، وإذا ما كان ذلك هو المشروع الأميركي، فأين هو المشروع الأممي الذي ما انفكت منظمته الأعتى تقول إنها الراعية للأمن والسلم والاستقرار الدولي؟
كاتب سوري
سيرياهوم نيوز1-الوطن