محمد خواجوئي
كما في جولته على الدول العربية، إبّان فترة ولايته الأولى، عام 2017، تشكّل إيران، إلى جانب التعاون الاقتصادي، أحد محاور المحادثات التي يجريها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع قادة السعودية والإمارات وقطر، خلال زيارته القائمة؛، مع فارق أن علاقات تلك الدول، ولا سيما السعودية والإمارات، بإيران قد تغيّرت تماماً خلال السنوات الماضية، حيث باتتا تعتمدان سياسة الانفراج إزاءها، وتؤيدان المسار الدبلوماسي القائم بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة.
وفي هذه الأجواء، توجّه وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، عشية جولة ترامب الشرق أوسطية، إلى كل من جدة وأبو ظبي للإفادة من طاقاتهما للتأثير في الموقف الأميركي، ورفد المفاوضات الجارية حالياً بين طهران وواشنطن، والتي ترمي إلى تقييد برنامج إيران النووي، في مقابل رفع العقوبات عنها، علماً أن الجولة الرابعة من هذه المفاوضات عُقدت، الأحد، في مسقط، ووُصفت بأنها «إيجابية» لكن «صعبة».
وفي هذا الوقت، أثارت مواقف بعض المسؤولين الأميركيين حول ضرورة الوقف الكامل لبرنامج تخصيب اليورانيوم في إيران، وتفكيك منشآتها ذات الصلة، قلق السلطات الإيرانية من أن يؤدّي التشدّد الأميركي إلى إفشال المحادثات، وهو ما شكّل دافعاً لـ»الدبلوماسية الإقليمية» لعراقجي، الذي أجرى، السبت، محادثات مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، في جدة، أي قبل يوم واحد من محادثاته مع ممثّل ترامب، ستيف ويتكوف، فيما توجّه، الإثنين، في اليوم التالي لجولة التفاوض الرابعة، إلى الإمارات، حيث التقى وزير خارجيتها، عبدالله بن زايد.
وقال مصدر دبلوماسي مطّلع، في حديث إلى «الأخبار»: «نظراً إلى حاجة أميركا إلى الرساميل السعودية، فإن إيران طلبت إلى سلطات المملكة، السعي للتأثير على مواقف البيت الأبيض ليمتنع عن رفع سقف مطالبه ومواقفه، عسى أن يُسهم ذلك في التوصل إلى اتفاق الرابح – رابح مع إيران». وبحسب المصدر ذاته، فإن «عراقجي قال للمسؤولين السعوديين إن الاتفاق النووي يبقى صامداً إذا كان ذا جدوى وفائدة بالنسبة إلى إيران أيضاً.
ولذلك، فإن توجّهات من قَبيل الوقف الكامل للتخصيب وتفكيك المنشآت النووية، ستؤدي إلى أن تعتبر إيران نفسها خاسراً، ما يعني عدم تبنّيها اتفاقاً» مع الأميركيين. وأضاف المصدر أن طهران أبدت، في سياق إجراءاتها الرامية إلى بناء الثقة في مجال البرنامج النووي، استعدادها لتنفيذ بعض المشاريع النووية بصورة مشتركة مع الدول العربية. ويبدو أن طهران، وعلى النقيض من المسار الذي أفضى إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ونُحّيت دول المنطقة عنه، اتّجهت هذه المرّة نحو التعاون وتكثيف المشاورات مع هذه الدول حتى لا تشعر بالخطر، فضلاً عن اضطلاعها بدور الداعم للاتفاق وتسهيل التوصّل إليه.
طلبت إيران إلى السلطات السعودية، السعي للتأثير على مواقف البيت الأبيض ليمتنع عن رفع سقف مطالبه ومواقفه
وعلى صعيد متصل، أعلن الرئيس الأميركي، في تصريحات سبقت توجّهه إلی المنطقة، أن إيران تتصرّف «بعقلانية» في المحادثات النووية الجارية مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن «المفاوضات تسير على نحو جيد». وفي هذا المجال، قال إن طهران «تصرّفت بذكاء وعقلانية خلالها. أعتقد بأنهم يدرون أنّني جادّ»، مضيفاً أن «هناك أشياء جيدة للغاية تحدث بخصوص إيران».
وتصدّر موضوع مشاورات عراقجي مع البلدان العربية عشية جولة ترامب، وتقييم المحادثات بين إيران وأميركا، اهتمام الصحف الإيرانية؛ إذ تطرّقت صحيفة «إيران» الحكومية، نقلاً عن الدبلوماسي الإيراني السابق محمد كشاورز زاده، إلى دور بلدان المنطقة في توفير الأجواء المناسبة للمحادثات بين طهران وواشنطن، بالقول إن «مشاورات عراقجي مع اللاعبين العرب المهمّين، بمن فيهم السعودية وقطر والإمارات، كانت إجراء ذكيّاً، استطاع على الأقلّ التمهيد لإجراء محادثات هادئة وبمنأى عن التصعيد». وأضافت: «في هذه الظروف التي استطاعت فيها إيران ضمّ بلدان المنطقة إلى المسار الدبلوماسي، والاحتفاظ بشركائها الآسيويين، بمن فيهم الصين وروسيا، على مقربة من هذا المسار، آن الأوان لأن تُظهر واشنطن إرادتها لتسوية الخلافات الرئيسة، ولا سيما في موضوعات من مثل التخصيب».
أمّا صحيفة «اعتماد»، فأشارت، في مقال لعلي ودايع، إلى زيارة ترامب إلى السعودية وتحوّل نظرة الأخيرة تجاه إيران خلال السنوات الخمس الأخيرة من «العداء الشديد» إلى «الاتفاق النسبي»، لتقول: «هذه الاستدارة، سجّلت تبايناً خاصّاً تمثّل في الانتقال من المعارضة الصارمة للاتفاق النووي لعام 2015، إلى المطالبة بإجراء مفاوضات بين إيران وأميركا عام 2025.
إن دول المنطقة تعمل على منع هجوم إسرائيلي أحادي على إيران. والقصة تصبح أكثر طرافةً عندما نرى أن أميركا اتّفقت مع اليمن بصورة مباشرة على وقف إطلاق النار، في ظلّ ابتسامات سعودية ووساطة عمانية وعلى الأرجح موافقة إيرانية؛ وبالضبط في الظروف التي يستمرّ فيها الإسرائيليون في الاشتباك مع صنعاء».
من جهتها، ألقت صحيفة «أرمان ملي»، في مقال لحسين كنعاني مقدم، نظرة مختلفة وسلبية على جولة ترامب على المنطقة، إذ رأت أن «أهدافها الرئيسية لا تتمثّل في إرساء السلام، بل المزيد من بيع السلاح إلى الدول العربية؛ وهي في الحقيقة إجراء يصبّ في خانة تمويل المشروعات العسكرية الأميركية الضخمة.
إن ترامب، وفي ضوء اعتماد سياسة التخويف من إيران، يسعى إلى الإبقاء على أجواء المنطقة ملتهبة، لكي تلجأ الدول التي تشعر بالخطر المحدق بها، إلى شراء المزيد من السلاح». وتابعت: «ترامب يسعى إلى تمويل نفقات حرب عالمية محتملة من خزائن دول المنطقة؛ وهي الحرب التي قد تكون فعّالة في المرحلة الباردة وبالوكالة، بيد أنه ليس مستبعداً أن تشبّ نيرانها فعلاً. إن موضوع تغيير اسم الخليج الفارسي المثير للجدل، يمكن تحليله في هذا السياق. وإثارة هكذا مزاعم من قِبَل إدارة ترامب، ليست ناجمة عن زلة لسان أو عدم معرفة بالتاريخ، بل هي جزء من أحجية تقديم التنازلات للدول العربية لكسب دعمها».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار