باسل علي الخطيب
من أين اتت المياه التي شكلت مغارة الدلبة؟….
هذا سؤال طرحته على نفسي، بعيد الاتصالات التي وردتني مساء الثلاثاء من الأشخاص الذين دخلوا المغارة، وقد أكد جميعهم أنهم وصلوا إلى نهايتاها في كل المسارات وكل الاتجاهات!!….
اريد أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، أنه وبعيد تلك الاتصالات كان استناجي القطعي أن الشاب ليس في المغارة…
وهذا الاستنتاج قلته للبعض، وقلته لاعلامي شهير تواصل معي…
كان السؤال الاول الذي طرحته على كل من اتصل، هل مدخل المغارة ينحدر باتجاه الخارج أم إلى الداخل؟….
الخميس في الصباح الباكر كنت في المغارة، وقد تأكدت من الكثير من المعلومات التي وردتني عبر الاتصالات، والتي كانت جميعها صحيحة….
حسناً، مالفرق بين النوعين اعلاه؟….
المغارات التي تنحدر باتجاه الخارج تكون مخرجاً للمياه، وبالتالي لايوجد فيها هوات، هذه المغارة من هذا النوع، وكانت مياهها تشكل رافداً للنهر المجاور…..
المغارات التي تنحدر باتجاه الداخل تكون مدخلاً للمياه، أنها كانت طريقاً للمياه الجوفية اطول واكبر مما نلاحظه الآن، عمليات الحت أزالت اغلبه، فكان أن هجرته المياه إلى مستويات ادنى، هذا النوع من المغارات ينتهي إلى هوة أو عدة هوات، وبعض هذه الهوات يكون عظيماً وعميقاً، مثال ذلك (مغارة الشماميس)، وهذا النوع من المغارات يكون خطيراً جداً، واحتمال الضياع أو الاختفاء فيها كبير جداً….
لكن كلا النوعين يمكن أن يحتوي بالوعات…
ماهي البالوعة؟….
البالوعة عبارة عن فتحة في الأرض ليست كبيرة عادةً، هذا لايعني عدم وجود بالوعات كبيرة ذات قطر كبير..
على فكرة يمكن ملاحظة الكثير من البالوعات على سطح الارض، وقد عاينت الكثير منها….
طلبت ممن اتصل بي أن يدخلوا مرة أخرى ويبحثوا عن هكذا بالوعات، علماً أنهم أكدوا لي أنهم لم يلحظوا وجودها في عمليات الدخول السابقة، وهكذا بالوعات من السهل أن تراها في ارضيات المغارات إن كانت لديك إضاءة مناسبة، قد لاتلاحظها على سطح الأرض بسبب التضاريس أو النباتات أو التراب المحيط، لكن في ارضيات المغارات الجرداء تكون ظاهرة وواضحة…..
على فكرة توجد إحداها في المغارة أو النفق الكارستي المتصل بنبع الغمقة….هذه البالوعات تشكل الاماكن التي هربت منها المياه إلى مستوى ادنى، حيث يمكن أن تكون المغارات طابقية، أي أنها تتشكل من أكثر من طابق….
كان تركيزي في اتصالاتي البحث عن هكذا بالوعات، كل من مسح المغارة بعد كلامي هذا، أكد النتيجة السابقة أنه لاتوجد هكذا بالوعات….عدا ذلك لاتوجد فتحات في سقف المغارة، هي أساساً بالوعات إلى طابق أعلى…
مرة اخرى، من اين اتت المياه التي شكلت المغارة؟…
اريد التنويه هنا أن المغارات هي نتيجة عملية (الكرستة)، الكرستة هي فعل المياه في الصخور، سواء كان فعلًا كيميائياً أو ميكانيكياً، حيث تتحرك المياه ضمن الشقوق أو الفواصل الطبقية بين الصخور، وعلى مدى عشرات آلاف السنين تقوم بحت الصخور وأحلالها وتوسيع هذه الشقوق، حتى نحصل على مختلف الأشكال الكارستية ومنها المغاور والكهوف…..
أكد لي بعض المتصلين أنهم حيث وصلوا إلى نهايات المغارة كان يوجد بعض الصخور المنهارة التي أغلقت الطريق، اي أنهم لم يصلوا إلى حائط ما، إنما كومة من الصخور المنهارة….على فكرة، أنا لم اصل الى هناك….
يمكن أن تكون تلك الصخور قد انهارت لأسباب جيوديناميكية عديدة منها الزلزال الاخير والهزات التي تتالت لاحقاً، هذه المعلومة التي أخبروني إياها تجيب على تساؤلي أعلاه: من اين اتت المياه التي شكلت المغارة؟….
ركام الصخور المتساقطة هذا اغلق الطريق، لكن هذا لايعني ان المغارة قد انتهت، من المؤكد أن لها استمرارية خلف ذاك الركام، ولكن قولاً واحداً ليس بإمكان أحد تحريك هذا الركام من مكانه، كما أكد ذلك كل من اتصل، مع خطورة حصول انهيار آخر في حال تحريكها، عدا عن ذلك لن يخطر على بال احد أن هناك استمرارية خلفها…
قد يكون بعضكم لاحظ وجود بعض الركام الصخري في أرضية المغارة من خلال الصور، هذا هو بقايا نوازل لم تكتمل سقطت تحت تأثير ثقلها، أما عن الطين والوحل الموجود في أرضية المغارة، فهو ليس ذو سماكة كبيرة، بضعة سنتيمترات، تشكل نتيجة المياه التي تتساقط قطرات من سقف المغارة وتشكل نوازل جينية ( نوازل في مرحلة التشكل)، هذه المياه تأتي من مستوى مياه جوفية أعلى فوق المغارة، لم تجد مياهه تصريفاً مباشراً إلا عبر هذه الطريقة، أو أن تنضح من خلال الجدار الخارجي عبر الشقوق وسطوح التطبق…..
المغارة من الداخل ليست ذات سوية واحدة، أقصد أنه بعد أن يكون الانحدار باتجاه الاعلى قليلاً عندما تدخل يصير باتجاه الاسفل، وأحياناً يكون شديداً، أي أن هناك صعود وهبوط داخل المغارة، بكلام أخر تضاريس ارض المغارة ليست مستوية وكذلك سقفها، هذا يشير إلى اختلافات كبيرة في مقاومة الصخور داخل المغارة أدت إلى تشكيل حركات دائرية للمياه داخلها، سببت عدم التناسق هذا داخل المغارة، كما أدى اختلاف المقاومة هذا إلى تشكل الكثير من الفتحات والانفاق الجانبية، والدليل على ذلك الأعرج الكبير في مسار المغارة….
المغارة غريبة نوعاً ما، وتختلف عن الكثير من المغارات التي عايناها، ولكنه اختلاف طبيعي له تفسيره، وكل الكلام عن قوى ما خارج سياق الطبيعية أو قوى غيبية ما تتحكم بالمغارات، أو هناك شعوذة ما أو يسكنها الجن ليس إلا من باب الجهل و الاشاعات والخرافات التي تحكم العقول….
أما وجود بعض العظام البشرية أو الحيوانية القديمة، فهذا أمر طبيعي جداً، أن المغاور كانت مسكناً أو ملجأً او مدافناً أو مكاناً لإقامة الطقوس، مع الإشارة أنه لايمكن للحيوانات أن تسكن المغاور العميقة كهذه المغارة بسبب الرطوبة أو البرودة، ويقتصر وجودها إن وجدت على الجزء الاول من المغارة، أي على بعد بضعة أمتار من بابها، والحيوان الوحيد الذي تكيف للعيش داخل المغارة هو حيوان (النيص)، ولكن على عمق لايتجاوز عشرة أمتار داخلها…….
اريد أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، لاحظت على المدخل الخارجي للمغارة وجود شقوق طويلة عميقة وواسعة، هذا ينذر بتساقط بعض الكتل التي تقع على الجدار الخارجي لمدخل لمغارة وخاصة في الجهة الغربية منه، وهذا يشمل خطورة كبيرة…
قد اكون أحصيت خلال عملي في مشاريع المسح الجيوبيئي عشرات المغاور، وقد دخلت بعضها ويوجد غيرها الكثير قولاً واحداً، وكل هذه المغارات غير مستثمرة من قبل الجهات المعنية إلا بعضها، مثل مغارة بيت الوادي أو مغارة نبع بمحصر أو مغارة الضوايات، وعليه ولأن استثمار البقية مستحيل الآن، انصح بإغلاق تلك المغارات ومنع الدخول إليها تحت طائلة المسؤولية، على أن تتولى ذلك في كل مكان هيئات الإدارة المحلية، لحين وضع الخطط المناسبة لاستثمارها….
(سيرياهوم نيوز ٢-صفحة الكاتب)