فراس عزيز ديب
قِيلَ في السابق: أن تعيشَ الثورة أفضلَ منَ الكتابةِ عنها.
تُنسب هذه العبارة للرفيق فلاديمير لينين، لكني على المستوى الشخصي لم ألتق بهِ قبلَ مئةِ عامٍ لأسأله عن الأسباب التي دفعتهُ لقولِ ذلك، لربما ما كان يجول في ذهنِهِ ليسَ مجردَ مُفاضِلَةٍ بين الانخراط المباشر بالثورة أو الاكتفاء بالكتابةِ عنها، قد يكون استفزازاً للشعب كي يكون جزءاً من الطليعةِ الثورية التي ستحملُ الوطن من مكانٍ إلى آخر، لعلهُ كذلكَ الأمر رأى بالانكفاء نحو الكتابةِ عن الثورة نوعاً من الحيادية المقيتة تجاه الفعل الثوري، خيانة مبطَّنة يحدِّد وجهتها النهائية مآل الثورة.
في ذكراها الحادية عشرة، أثبتت ثورة شذَّاذِ الآفاق في سورية أنَّ هذهِ المقولة مجردَ كلام عاطفي لا معنى لهُ، يفتقر أساساً لقراءةِ المستقبل بطريقةٍ دقيقة عبرَ تمييزها بين المشاركةِ في الثورة أو الكتابةِ عنها، ولو أنه عاشَ ما عايشناه من ثوراتِ ربيع الدم العربي من دون استثناء لعرفَ أن هذه المفاضلة فاشلة، حيث حولت كل من عاشَ زمنَ هذهِ الثورات إلى كاتبٍ يكتب عن المآسي التي جلبتها.
في هذا الشرق البائس، جعلتنا تلكَ الثورات كُتَّاباً بالفطرة، نستطيع الاستغناء عن لحظاتِ الإلهام التي يبحث عنها أيَّ كاتبٍ ليبدأَ بالتفكيرِ على الورق، هذا الإلهام سيأتيكَ مع بكاءِ الأطفال والعجائِز الذين شردتهم الحرب ودُمِّرت تلك الجدران التي كانت تسترهم وخذلَتهم جدران الوطن، من قصصِ الشبابِ الذي قضى على طموحهِ فسادٌ هنا أو بيروقراطية هناك، فلم تعُد تتسع لأحلامهم جدران الوطن، هذا الإلهام سيأتيكَ في غصةِ كل أمٍّ أو صبية انتظرت ولدها أو حبيبها فعادَ إليها شهيداً أو نعية على جدرانِ الوطن، هذا الإلهام سيأتيكَ مع كل طابورٍ يقف خلفهُ حوتٌ بهيئةِ تاجرِ أزمة، أو مسيلمة بهيئةِ مسؤولٍ كاذب قادر ببساطة على أن يعقد المناقصة تلوَ الثانية ليبيعَ حتى ما تبقى من جدران في هذا الوطن، هذا الإلهام سينسكبُ كانسكاب الحنين في قِدرِ الاشتياق كلما رأيتَ صورة ليلية لدمشق أو حلب قبل الثورة المأفونة، كلما عبرتَ حاجزاً وأنت الذي كنت تعبر من «عين ديوار» حتى القنيطرة من دون أن تشعر بأنكَ خرجت من جدران هذا الوطن. في الخلاصة: من الجميل أننا لم نكن جزءاً من ثورة كهذه، لكننا وللأسف كتبنا عنها حتى ملَّت المآسي من مآسينا، حتى تساقطت جدران الوطن الواحد تلوَ الآخر وباتت معركةَ البحثِ عن جدرانٍ في الوطن أصعبَ من البحث عن وطن، صدقَ من قال: إن الجبناء لا يكتبون التاريخ، لكن شذَّاذ الآفاق بخسَّتهم ونذالتهم لا يكتبونَ التاريخ فحسب، بل يجعلون من جدرانِ وطنهم معرضاً مفتوحاً لكل المآسي التي عرفَها التاريخ، كل تلك الجدران سقطت ولم يبقَ أمامنا إلا الجدار الوحيد الذي لم يخذلنا عندما خذلنا العالم أجمع، الجدار الأخير الذي ما زال قادراً على حملِ أمنياتنا، الذي يبتسم لك وهو يرد عنكَ رصاص الإرهاب والجوع والبرد، جدارٌ ما خاب من تمسكَ به.. الجيش العربي السوري.
(سيرياهوم نيوز3-الوطن ١٧-٣-٢٠٢٢)