كمال خلف
اثار الدور السوري وموقف سورية مما يجري في غزة تساؤلات عديدة، البعض وصفه بالنأي السوري عن المعركة، والبعض الاخر وجد لسورية عذرا في ان البلاد خاضت اشرس حرب مصيرية في تاريخها المعاصر على مدار اكثر من عشر سنوات، اسفرت عن حجم دمار هائل ليس في البنية التحتية فحسب، بل امتدت الى الاقتصاد والنسيج الاجتماعي، ومازالت سورية الى اليوم في اتون معاناة مركبة جراء تلك الحرب. الحياة المعيشية والاقتصاد المدمر بفعل الحصار الأمريكي، والمناطق التي مازالت تشكل بؤر خارجة عن سيطرة الدولة المركزية تتجمع فيها فصائل عسكرية متعددة الولاءات الخارجية والادوار التي تعكس نفوذ دول لها اطماعها وأهدافها في الجغرافية والسياسية.
رغم ذلك يظل الدور السوري محط انظار في المعركة القائمة في المنطقة، وان كان مركزها الأساس هو غزة، الا ان انها امتدت لتشمل جنوب لبنان والبحر الأحمر والقواعد الامريكية في العراق وسورية وصولا الى المتوسط. والسبب وراء الإلتفات الدائم الان للموقف السوري هو الارث التاريخي للدور السوري في القضية الفلسطينية، وكون قضية فلسطين كانت ولعقود طويلة محدد أساسي في السياسات الخارجية السورية. فضلا عن كون سورية واسطة القعد ودولة مؤسسة في محور المقاومة، وُيرجع كثير من السوريين أسباب الحرب التي خاضتها البلاد طوال اكثر من عقد، لهذا الدور وهذا التموضع الجيوسياسي. خاصة ان الحرب وان حملت أوجه النزاع الداخلي او ما يشابه الحرب الاهلية، او ما سمي انتفاضة شعبية الا ان محركها الأساسي والجهات الفاعلة فيها كانت جلها خارجية وبشقيها العسكري والسياسي.
لا يمكن اغفال ان حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة الجهاد في فلسطين، وبعد انطلاقتهما داخل فلسطين المحتلة، ومع اول شروعهما بتأسيس الجناح السياسي خارج حدود الوطن، وجدتا في سورية المقر الدائم والآمن ليس لتشكيل الجسم السياسي الخارجي فحسب، بل تأسيس حراك عسكري داعم ومتكامل مع الاجنحة العسكرية في غزة. لتنفرد سورية باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التي اخذت على عاتقها استضافة فصائل المقاومة الفلسطينية على اختلاف تياراتها.
لم يقتصر هذا الدور على تأمين الجغرافيا كملاذ امن، بل امتد الى تقديم السلاح والعتاد والتدريب والمشاركة مع الحلفاء الاخرين في تأمين نقل الخبرات الى داخل فلسطين لتطوير عمل المقاومة، وفي الشق السياسي تشكيل غطاء وشرعية داخل جسم النظام الرسمي العربي المنقسم على خيار المقاومة المسلحة.
ومن المعروف ان الحرب على سورية وداخلها باعدت بين حماس وسورية، وغادرت الحركة سورية، والتفاصيل و الأسباب معروفة وقد عبرت عنها الأطراف في حينها ولاحقا اثر حصول تقارب مجددا دون ان يصل الى مرحلة العودة الى ما كان قائما سابقا. وانشغلت سورية بمخاطر الحرب على وحدة الجغرافية والهوية كأولوية، ولاحقا بأثار الحرب على السكان والبنية التحتية والاقتصاد وما بقي خارجا عن السيطرة من مناطق بعضها رزح تنحت احتلال امريكي مباشر، وطموحات انفصالية كردية، وبعضها الاخر بات تجمعا لفصائل متشددة تحت الحماية التركية مازالت تمني نفسها بتغير الظروف الإقليمية والدولية لانقضاض مجددا وتوسيع رقعة سيطرتها.
وفق هذا المشهد السوري المعقد، تقف سورية امام معركة “طوفان الأقصى” المصيرية للشعب الفلسطيني ولمحور تعتبر نفسها جزء اصيلا منه. فماهي محددات الدور السوري فيما يجري في غزة والمنطقة ؟ وكيف يدير صانع القرار السوري التوازن بين الإرث التاريخي والمصلحة العليا الاستراتيجية في مواجهة عدو مشترك يحتل جزء من الأرض السورية كما الفلسطينية واللبنانية وبين متطلبات الأولويات الداخلية في مرحلة ما بعد الحرب بشكلها المصيري واثارها التي ما زالت ماثلة ؟
تدرك القيادة السياسية والعسكرية السورية ان أي انخراط سوري عسكري مباشر وبأي شكل من الاشكال يتطلب نقل المجهود العسكري وقطاعات الجيش من الشمال والشرق الى الجبهة الجنوبية مع إسرائيل تحسبا لأي ردود فعل إسرائيلية على الحدود، وهذا سوف يكون فرصة سانحة للفصائل العسكرية المسلحة للانقضاض على المدن، واحتمالات خسارة حلب واللاذقية وربما دمشق ودخول المسلحين اليها مجددا، مستغلين الفراغ العسكري على الجبهات، وانشغال الجيش بالتمركز بالجنوب لصد ردود الفعل الإسرائيلية. وهو ما يعني العودة الى المربع الأول من الحرب، مع ما يحمله ذلك من مخاطر. ولكن في ذات الوقت لا يمثل هذا خروجا سوريا كاملا من معركة الطوفان، فمن الواضع ان القيادة في سورية اتاحت الجغرافيا بشكل اكثر فعالية للحلفاء سواء لنقل الامداد والسلاح، او تنفيذ ردود عسكرية على إسرائيل من وقت لاخر، وتحمل ردود الفعل الإسرائيلية الانتقامية داخل سورية والتصدي لها. وهذا ما أشار اليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احد اطلالته، عندما أشار الى حدود الدور السوري، وما يمكن ان يطلب من سورية الان في ظل الظروف الغير طبيعة التي تمر فيها. ولم يكن كلام السيد نصر الله التماسا لعذر بقدر ما هو اداك من الحلفاء لضرورة التوازن الذي تعمل عليه سورية بين متطلبات الظروف الداخلية والاهداف الاستراتيجية.
تصريحات القيادي في حركة حماس “أسامة حمدان” الأخيرة حول سورية كانت لافته وتختصر المشهد، وهي تصب في نفس سياق حديث السيد نصر الله الذي اشرنا اليه في السطور السابقة. ويقول حمدان “”ان موقف سورية داعم للشعب الفلسطيني ومقاومته وهو موقف واضح وعبرت عنه سورية، ولا يمكن ان ننسى الموقف السوري طوال العقود الماضية، وكيف سندت وتحملت في دعم المقاومة، ويضيف حمدان ” في هذا المقطع الزمني وما تعرضت له سورية ربما لا يسمح بقيام سورية ذات الدور، ولكن من خلال اتصال مباشر مع الاشقاء في سورية ندرك حقيقة الموقف، وكشف حمدان عن اتصالات ولقاءات مع الجانب السوري، وانه زار سورية خلال معركة طوفان الأقصى وبحث معهم تفاصيل الحرب بعمق. ولا نعتقد ان مصطلح تفهم الحلفاء لطريقة إدارة سورية لسياستها الخارجية والداخلية من الحلفاء هو المصطلح الدقيق، انما هناك معرفة وادارك ان ما تقوم به سورية بقدر ما يخدم سورية داخليا فهو يصب في المصلحة الاستراتيجية الأكبر في الصراع القائم حاليا مع إسرائيل
المتابع للشأن السوري يلمس نوعا من العمل الجاد حاليا لترتيب الأوراق المحلية داخل بنية النظام والدولة، واحداث تغييرات استعدادا لنقل البلاد لمرحلة جديدة تستعيد فيها عافيتها رغم التحديات الكبيرة والصعبة. وهذا يحتاج الى حديث اكثر تفصيلا
من غير الممكن ان تفقد سورية ارثها التاريخي وموقعها الطبيعي في قيادة الصراع، وحمل عبء القضايا القومية العربية، هذا هو قدر السوريين، وهذه هي مهمتهم التاريخية.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم