| نوار هيفا
كيف يدار الاقتصاد السوري؟ سؤال صار يردده حتى غير المختصين، بسبب الأوضاع الخانقة حالياً وارتفاع الأسعار وانخفاض سعر الصرف وكل ما يتعلق بمعيشة المواطن التي يضع اللوم فيها على السياسات الاقتصادية.
أما الخبراء، فيؤكد الكثير منهم ضياع الهوية الاقتصادية السورية، وعدم إمكانية تحديد شكله أو نهجه، ويشتكون في كل مناسبة من عدم إنصات الفريق الاقتصادي لأي مشورة.
هذه الأسئلة جمعتها «الوطن»، وطرحتها على مجموعة من العارفين والعاملين في الشأن الاقتصادي، وعلى رأسهم وزير الاقتصاد الدكتور سامر خليل الذي أكد بداية أن اتخاذ القرار بشأن القضايا الاقتصادية وصنع السياسات العامة في خضم التحوُّلات الاقتصادية الراهنة والمنظورة المحلية والإقليمية والدولية، ليس بالأمر السهل، لأنه أمر متعدد الأبعاد، مبيناً أنه وقبل الحديث عن آلية اتخاذ القرار الاقتصادي، لا بدّ من التطرق إلى موجبات اتخاذه، فهناك قرارات اقتصادية تُتخذ بناء على أداء الدور الطبيعي للوزارة أو الجهة التي تقوم باقتراحها وفقاً لنتائج عملها وفي سياق متابعتها للمهام والواجبات المكّلفة بها وفقاً لصك إحداثها، وهناك قرارات تتُخذ بناء على مقترحات قد ترد من بعض الجهات، إمّا بناء على مبادرة تتضمن طرح أفكار على الجهات المعنية بالقرار الاقتصادي، أو بناءً على ظهور مستجدات تستدعي المشاركة في عملية اتخاذ القرار.
وشدد خليل على أن عملية اتخاذ القرار من أهم الأدوار التي تقوم بها المؤسسة الاقتصادية، إلا أن متخذ القرار لا يستطيع القيام بعمله إذا لم تكن هناك معلومات رسمية دقيقة يستخدمها لاتخاذ القرار داخل المؤسسة أو خارجها، ولعل المتغيرات المذكورة آنفاً تؤثر في عملية صنع القرار، لأن المعلومات الدقيقة عرضة للتغير في ظل العقوبات المفروضة على البلاد.
وضمن الحديث عن آلية اتخاذ القرار الاقتصادي، أوضح خليل أن فريق اللجنة الاقتصادية يتبنى النهج المُتعدد التخصصات؛ فيقوم على تحليل القضايا ذات الصلة من زوايا مختلفة تتكامل فيما بينها، ولا شك أن هذا النهج يُسهم في التعاطي مع هذه القضايا بدرجة أعلى من الكفاءة والفعالية، الأمر الذي يساهم بابتكار حلول جديدة، ويثري مسارات النقاش، وبالتالي فإن منهجية العمل التي تمّ ترسيخها تقوم على الاستئناس بآراء جميع الجهات المعنية سواء الحكومية أم غير الحكومية ذات العلاقة، وبالتالي توسيع نطاق المشاركة واستمزاج الآراء لتشمل القطاع الخاص، وحتى الجهات العلمية والبحثية، عندما يتطلّب الأمر، مشيراً إلى أنه وفي معظم الأحيان يسبق أي اجتماع مخصص للبت بأي مقترح واتخاذ أي قرار طلب دراسات خاصة تتضمن رأي الجهات المعنية ومقترحاتها، بهدف ضمان التوصّل إلى كل الحيثيات ذات الصلة.
وعن الجهات الداخلة في عملية صنع القرار الاقتصادي وعملها، بين خليل أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وغيرها من الوزارات والجهات المعنية بالشأن الاقتصادي كوزارات المالية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والصناعة والزراعة والإصلاح الزراعي ومصرف سورية المركزي وهيئة التخطيط والتعاون الدولي، تعمل وفق المنهجية المذكورة للوصول إلى أفضل قرار ممكن في مجال عملها، وبما يضمن الاتساق والتناغم بين السياسات التنموية التجارية والمالية والنقدية، مبيناً أن هذا الأمر ينسحب على آلية عمل اللجنة الاقتصادية، حيث تتم دعوة ممثلين عن الجهات المعنية لمشاركة اللجنة في مناقشة المواضيع المدرجة على جدول أعمالها، بما في ذلك ممثلو فعاليات الأعمال عندما يتعلق الأمر بمقترح يخص عملهم، وذلك في إطار عمل اللجنة على تحديد المسارات والخطط وتقديم المقترحات التي تكفل تطوير التجارة والصناعة والزراعة وكل ما من شأنه دعم وتنشيط الاقتصاد الوطني.
وأضاف وزير الاقتصاد: إن هذه الآلية تتم أيضاً عند إعداد الدراسات حول التوجهات والقضايا العامة والطارئة وقضايا الساعة في مجال اختصاصها ولاسيما تلك المتعلقة بالتدخل الإيجابي للمؤسسات الحكومية بما يسهم في تخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين وتقديم المقترحات والحلول، كما أن اللجنة الاقتصادية معنية بدراسة ما يحال إليها من مجلس الوزراء، بما يساعد على اتخاذ القرارات الاقتصادية.
وعن عوائق اتخاذ القرار الاقتصادي أشار وزير الاقتصاد إلى أن الأطراف المتأثرة بالقرارات الاقتصادية المتخذة قد لا تكون مدركة جميعها للموقف الذي خلق المشكلة، ودرجة أهمية المشكلة، وقد يكون في بعض الأحيان خلط بين أعراضها وأسبابها ما يسبب اللغط في فهم سبب إصدار القرار، وبالتأكيد فإن اتخاذ القرارات الصعبة أفضل من عدم اتخاذها وخاصة في الأمور التي لا بد فيها من اتخاذ قرار.
وختم الوزير خليل قائلاً: «اتخاذ القرار ليس نهاية المطاف بل في الحقيقة هو بدايته، لأنه بعد اتخاذ القرار ووضعه موضع التنفيذ تتم عملية المتابعة والتقويم وربما يتم إجراء تعديلات على تلك القرارات، فليس المهم هو اتخاذه وإنما أهم من ذلك متابعة ما بعد اتخاذه».
ومن وزير الاقتصاد إلى رئيس غرفة تجارة دمشق محمد أبو الهدى اللحام الذي أكد لـ«الوطن» أن لغرفة التجارة دوراً في صناعة القرار الاقتصادي عن طريق المشاركة بكثير من الاجتماعات قبل اتخاذ القرار، فضلاً عن تقديم المقترحات اللازمة بعد اتخاذ بعض القرارات التي تكون فيها الوزارة المعنية تحت ظرف ما اتخذ القرار دون مشاركة الغرفة به، وتتم دراسة هذا المقترح بكل شفافية.
وبين أنه في السياسة العامة يجب أن يكون القرار الاقتصادي متوازناً من الجانب المعني الأكبر ألا وهو وزارة الاقتصاد، ويكون القرار الاقتصادي خلاصة لمجموعة آراء تتدخل لاستخلاص هذا القرار النهائي الذي يخضع لتوفر القطع وتوافر الإمكانيات والاعتمادات.
وأشار إلى وجود عدة اعتراضات وكتب مقدمة لوزارة الاقتصاد حول بعض التشريعات الاقتصادية المتخذة اليوم في عمل التاجر فهم الغرفة الأول هو تأمين السلع والخدمات وكل ما يحتاجه الاقتصاد الداخلي للبلد، والتاجر شريك حقيقي في اتخاذ القرار، وهو ملازم للصناعي لا بل هو صناعي قبل أن يكون تاجراً، فالتاجر حتى لو كانت غايته ربحية فهو يقوم بدوره في بناء الاقتصاد وتوفير مستلزماته، وهدفنا اليوم تسهيل عمليات الاستيراد وعمليات الدفع.
من جهته رئيس غرفة صناعة دمشق محمد غزوان المصري شدد على دور الصناعي في صناعة القرار الاقتصادي، معتبراً أنه أساس الاقتصاد اليوم، موضحاً أن اللجنة الاقتصادية تدرك دور الصناعي اليوم في صناعة هذا القرار، والتنسيق يتم بين الجهتين حول أي قرار اقتصادي، مؤكداً أنه اليوم لا يصدر أي قرار من اللجنة الاقتصادية دون مشاورة اتحاد غرف الصناعة، واليوم الصناعي غير مهمش، وهناك دعم الحكومي حقيقي للصناعة.
أما عن الصعوبات التي تواجه الصناعي، فقال المصري: لا يخلو العمل اليوم من الصعوبات، وخاصة العمل الصناعي، بما فيها تأمين لوازم الإنتاج والمحروقات وموضوع المنصة والعقوبات المفروضة على سورية، لكن يتم السعي دوماً بتذليل هذه الصعوبات عبر إرسال كتب للجنة الاقتصادية وتتم المناقشة بكل شفافية لتخطي هذه الصعوبات.
رئيس قسم الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عبد القادر عزوز فرق بين عمليتي صناعة القرار واتخاذ القرار الاقتصادي، فصناعته هي مطبخ هذا القرار، واليوم نحن بسبب غلبة طابع عدم استكمال صياغة هذا القرار، فإدارة القرار الاقتصادي والأزمة الاقتصادية أحياناً تتطلب سرعة باتخاذ القرار خاصة مع تتالي الأزمات لذلك نجد هذا القرار غير مكتمل النضوج.
وأشار عزوز إلى ضرورة تكريس آلية آفاق اتخاذ القرار الاقتصادي لخدمة الاقتصاد أكثر عبر وضع خطط قصيرة الأجل ومتوسطة لنصل لوضع خطط الإستراتيجية وبعيدة الأجل، آخذين بعين الاعتبار وجود هامش لخروقات معينة فهي شأن حياتي اقتصادي يومي، وهو مختلف عن طرح فكرة إدارة قرار اقتصاد كلي، ومرحلة إعادة الإعمار تفرض علينا هذا الجانب، لذلك عينا طرح تصور حول آلية تكريس صناعة قرار اقتصادي رشيد.
وطالب عزوز بأن تكون صناعة القرار الاقتصادي منصفة أكثر مع القطاع الزراعي والصناعي، فالمزارع مازال رغم كل الصعوبات يزرع، والصناعي يحمل على كاهله العقوبات ويدير منشأته ويعمل على رفد الاقتصاد بتوفير فرص عمل، أما التاجر فلا يملك إلا مخزناً ونجده عند أول ضائقة اقتصادية يهرب خارج البلد مع ما يملكه من عوائد نقدية، فالتاجر شريك مصالحه فقط.
وأكد أن البلاد لا يمكنها اليوم النهوض دون القطاع الصناعي والزراعي، وعلى القرار الاقتصادي أن يبنى عليهما ليكون ناجحاً ويجب أن يكونوا شركاء بصناعة القرار الاقتصادي، الذي عليه تقديم كل التسهيلات لهذا الشريك وخاصة التسويقية منها، وإخراجهم من رحمة التجار والوسطاء والسعي لإطلاق العملية الإنتاجية للنهوض بهذا الاقتصاد.
سيرياهوم نيوز-الوطن1