الدكتور خيام الزعبي
نتطلع مستبشرين إلى تركيز سورية وتركيا على تحقيق أكبر منافع اقتصادية ممكنة تعود مباشرة على المواطن السوري والتركي، والجميع يتطلع لزيارة وفد تركي للدولة السورية قريباً لتزداد أطر التعاون أكثر وأكثر، بما يؤدي لتلاحم الدولتين بالصورة التي يترقبها محبي الاستقرار والنهضة في المنطقة.
تتجه دمشق وأنقرة بخطى متسارعة نحو ترسيخ العلاقات و دفع مسار التقارب إلى الأمام بين البلدين، عقب سنوات من القطيعة، لتشهد علاقاتهما اتجاهاً نحو التسكين والتهدئة، ثم السعي لأجل إعادة ترميم العلاقات وبناء الشراكة، في ظل مرحلة جديدة قد تشهد إعادة التأسيس الاستراتيجي للعلاقات، من المؤكد أنه وقف خلف كل ذلك جهود كبيرة بذلت بهدوء خلف الأبواب المغلقة، خاصة أن موسكو تلمّست رغبة تركية في تعزيز التنسيق بشأن سورية، واستنتجت هذه الرغبة من خلال زيارة فيدان إلى موسكو، وقبلها المرونة التي أبدتها أنقرة تجاه الوساطة العراقية.
الطرح الروسي الحالي يقوم على إعطاء زخم جديد لمسار أستانا وتفعيل الآلية من أجل معالجة مخاوف تركيا الأمنية، والعمل على تطبيق مذكرات التفاهم السابقة التي تتضمن إبعاد التنظيمات الإرهابية من المناطق الحدودية التركية مثل تل رفعت ومحيطها، ومنبج. بالمقابل، يتم العمل على حل الخلافات العالقة في إدلب وتنفيذ الاتفاقيات بخصوصها وتسهيل عمل مؤسسات الدولة فيها، وفتح الطرقات الدولية.
خطوط الإتصالات الروسية التركية تُوّجت بإعادة فتح معبر أبو الزندين كـ “معبر تجاري” الذي يعد من أهم الممرات الحيوية في ريف حلب الشمالي الشرقي ، حيث أن هذا الممر سيُستخدم لأغراض تجارية بالدرجة الأولى، و يتمكن التجار وأصحاب الأعمال من استخدامه لنقل البضائع والسلع والسيارات، مما سيسهم في تنشيط الحركة التجارية وتعزيز الوضع الاقتصادي وبالتالي تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، إلى جانب السماح بمرور الحالات الإنسانية والصحية من وإلى مناطق الدولة السورية، كما إن فتح المعبر يهدف إلى “قطع الشريان الاقتصادي” بين مناطق انتشار “المعارضة المسلحة ” ومناطق انتشار قوات “قسد” الكردية، حيث تحرص تركيا “على عدم تحقيق قسد أي مكاسب اقتصادية”، مما سيحرمها من تحصيل الضرائب التي كانت تفرضها على دخول المواد وخروجها من المعابر بينها وبين الجيش الحر.
وعلى الرغم من أن أنقرة تركز جهودها على تقويض سيطرة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، فإنها تبدو مستعدة للخيار العسكري في سورية، لأنها ترى في الانتخابات التي تريد قسد إجراءها خطوة لفرض أمر واقع جديد مما ستكون له تبعاته الخطيرة على وضع الأكراد داخل تركيا، وهذا يدفع بطبيعة الحال إلى تمتين علاقتها بسورية وتفعيل التفاهمات مع الدول الفاعلة في الملف السوري، خاصة الجانب الروسي.
انطلاقاً من ذلك يبدو أن قطار العلاقات السورية التركية قد انطلق في الاتجاه الصحيح، ولم يبق له إلا الوصول للمحطة الأساسية والأخيرة وهى التزام تركيا بشروط دمشق، ولا شك إن تركيا تدرك تماماً أن الدخول الى المرحلة القادمة يتطلب المرونة وتقديم بعض التنازلات ويبدو أن هذه القناعة هي التي عبر عنها الرئيس التركي، إن أنقرة تتوقع حدوث تطورات “في غاية الأهمية” خلال المرحلة المقبلة بشأن العلاقات مع دمشق.
مجملاً…كنت قد أكدت في مقالي السابق، أن أهم السيناريوهات المستقبلية للعلاقات السورية – التركية، سيناريو التعاون والتوافق عن طريق تعزيز العلاقات بينهما وإيجاد حلول واقعية لكل الخلافات والمشاكل الواقعة بينهما، وأن لغة المصالح هي التي ستحسم في النهاية الأزمة القائمة بينهما، وأن حالة التوترات السياسية لن تطول وهو ما من شأنه أن يصب في مصلحة مسار العلاقات بينهما، فلا شك أن هناك مصالح مشتركة واضحة لكل من سورية وتركيا في إعادة بناء علاقة على أساس توازن المصالح.
وأختم بالقول…. إن الإستدارة التركية الجديدة نحو سورية، تحمل في طياتها مشروع تحالف جديد يقتصر على القوى الإقليمية الكبرى “إيران وروسيا وتركيا” لإدارة شؤون المنطقة وضمان أمنهما الإقليمي، هذا سيؤدي الى قلب الطاولة على أعداء سورية، فالقراءات السياسية تقول أن اردوغان يتخبط ويغرق في المستنقع السوري، وان إقترابه من المعسكر الإيراني السوري الروسي، سيؤدي الى حل مشاكل كثيرة في بلاده، وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان، وفي تقديري أن الأسابيع القادمة ستشهد تدويراً للكثير من الزوايا والقضايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم