بقلم د. حسن أحمد حسن
كَتَبْتُ وأكتبُ ولن أملَّ من إعادة الكتابة مرات ومرات عن خطورة الانقياد الأعمى لما يتم ترويجه عبر منصات السوشال ميديا، وبخاصة في الأوقات الحرجة والضاغطة، فمن اخترع هذه التقنيات ما كان له أن يضعها مجانية بين أيدي الجميع إلا لأنه يراهن على أن مردودها المعنوي، والنتائج التي يمكنه تحقيقها عبر هذه المنصات تفوق مردودها المادي بأضعاف مضاعفة عما قد يجنيه من مردوها المادي إذا تم بيعها، وإذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا فعلينا الاعتراف بأن عدونا يسبقنا بأشواط وأشواط في كل ما له علاقة بوسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن أن من لا يريدون لنا إلا الشر يتابعون نشاطاتهم عبر هذه المنصات بشكل منظم ومبرمج وهادف، وليس بشكل مزاجي ومن دون إجهاد النفس في التفكير بمضمون ما ينشر قبل النشر.
الخدمات التي تقدمها شبكة الانترنيت أكبر من أن يتم تعدادها وعلى شتى الصعد والمستويات، وهذا لا يعني انتفاء الجانب السلبي الكامن في انتشار وسائل التواصل بين الجميع في شتى أنحاء المعمورة، فهو يتضمن بشكل تلقائي أخطر ما يواجه الوعي المجتمعي ويهدد باختراقه وتوجيهه وفق ما يريد من يعملون على مصادرة الإرادة واجتياح العقول قبل اجتياح الحدود، فالحرب بشموليتها مكاسرة إرادات، وإذا كسرت إرادة هذا الطرف أو ذاك فالنتيجة الحتمية هي الهزيمة وليست أي مسمى آخر، ومن السذاجة والحماقة والسخف أن يساهم الفرد في تفصيل الهزيمة التي تنتظره من حيث يدري أو لا يدري، وإذا كان هناك من يظنون أن عدونا الصهيوني ومن يدعمونه أو يعملون على خدمته قد يكتفون بالتفرج على هذه التقنيات الحديثة فعلى أولئك أن يعيدوا حساباتهم، فالحرب المفروضة على شعوب المنطقة ودولها حرب هجينة ومركبة، وتحتوي على العديد من الفصول والصيغ والأنواع، فهي حرب عسكرية وسياسية واقتصادية ودبلوماسية وقانونية وثقافية وإعلامية ونفسية ومعنوية بآن معاً، وتبقى الحرب لكيّ الوعي المجتمعي أخطر فصولها، لأنها تمنح العدو ما عجز عن تحقيقه في الميدان.
الأيام القليلة الماضية كانت حبلى بسيل جارف لا يتوقف من مقاطع الفيديو والأخبار الملفقة والكاذبة، والإشاعات والروايات والتخرصات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويبدو أن عناصر وحدة الاستخبارات الإسرائيلية /8200/ وكل المرتبطين بها لا ينامون، بل يتابعون بابتسامات صفراء كيف تتم إعادة نشر ما صدر عنهم من قبل أعداد كبيرة يطيب لها البحث عما تظنه “سبقاً صحفياً وإثباتاً عملياً لسعة الاطلاع والمعلومات عبر ما يعيدون نشره على منصات التواصل الاجتماعي بلا تفكير بالمضمون، وهكذا تتم إعادة قص ولصق وتوزيع آلاف المقاطع والأخبار بشكل ببغائي بعيد كل البعد عن أدنى درجات الإحساس بالمسؤولية، وأبيح لنفسي هنا التساؤل: هل يعقل أن أصدق وأنا مقيم في دمشق خبراً عن تظاهرات تعم هذه الساحة أو تلك، ولا يكلفني الأمر أكثر من اتصال بصديق قريب من تلك المنطقة، وعندها سأكون على يقين بأن ما ينشر أوهام وخزعبلات لا يجوز التفكير بها، وإذا كنتُ من هواة جمع اللايكات فلن يتأذى فضولي، ولن تتأثر رغبتي سلباً إذا أضفت جملة تفيد بأنه بعد التواصل مع المعارف في هذه المنطقة أو تلك تبين أن ما يشاع حول الخبر المرفق كاذب، ولا وجود لكل ما يتم تداوله إلا في عقول من صاغه ونشره وعمل على تعميمه، وفي هذه الحال تتحول المادة التي أنشرها هذه المنصة أو تلك إلى عامل موضوعي لتحصين الوعي المجتمعي، بدلاً من أن تكون منصة متقدمة لتعميم الخوف والذعر والهلع والاضطراب، وما يتركه ذلك من تداعيات لا يمكن التنبؤ بها على السلوك الفردي والجماعي، أي أن الحذر والتفكير بالمضمون يحول ما يتم نشره إلى منصة لتعميم الحقيقة والاطمئنان، وهذا كفيل بتوجيه العقل للتفكير بروية وهدوء ويقين بأن الحقائق ستظهر مهما تكاذب أعداء الحقيقة، فأيهما أكثر جدوى في تحصين النفس والأبناء والأصدقاء والمقربين أن نقوم بعملية القص واللصق وإعادة نشر ما لا نعرف عن حقيقته شيئاً، أم تحري المعلومة من وسائل إعلامنا الوطنية والمصادر الموثوقة؟
التعميم من دون التفكير بالمضمون يعني المساهمة في نشر اليأس والإحباط والخوف والقلق والتوتر، وعندها لن يكون بمقدور من يحشرون في هكذا ظرف أن يفكروا بشكل سليم، فحذار وألف حذار من تقديم خدمات جليلة لأعدائنا الذين يتربصون بنا شراً، فلن يفيد هذا الشخص أو ذاك أي شيء إذا اكتشف بعد فوات الأوان أنه كان مساهماً في تنفيذ ما يعمل العدو على تحقيقه.
كثيرة هي الأمثلة التي يمكن أن نسوقها هنا، لكن لا أرى أن الهدف تسليط الضوء على خبر بعينه، بل تسليط الضوء على هذا السلوك الخطير على الفرد والمجتمع.
(موقع اخبار سورية الوطن-1)