آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » حذرُ الإنكليز مع تحوّلات الصهيونية من أوروبا إلى أميركا

حذرُ الإنكليز مع تحوّلات الصهيونية من أوروبا إلى أميركا

| أحمد بعلبكي

شكّلت الحرب العالمية الأولى منطلقاً للدول المنتصرة (بريطانيا وروسيا وفرنسا) لتقاسم الدول الخاسرة، ومنها خاصة الدولة العثمانية في الشرق الأوسط، وتوافقت على تخصيص اليهود بإقامة وطن قومي في فلسطين يضمن ولاءه لهم، ولا سيما أنها دول قادرة على التحكم بالفساد الشائع في البلاد العربية خاصة. ووافقت الدول المنتصرة على توزع حصصها من الدول التي كانت تحت حكم العثمانيين، فكانت حصة الفرنسيين في سوريا ولبنان، وحصة الإنكليز في بلدان أخرى متجاورة في الشرق الأوسط، ومنها سالونيك التي كانت تحت حكم «جمعية الاتحاد والترقي» التركية وتشتهر بكثافة الحضور اليهودي والماسوني اللاتينيين.

وكان فيتزمورس، في السفارة البريطانية، قد اعتبر أن تأييد اليهود لا يكون ممكناً إلّا بشرط حصولهم على «وعدٍ بإنشاء وطن قومي يهودي لهم في فلسطين». وترافقت هذه الشروط مع الشائعات الواردة والمضلّلة للإنكليز حول أن الحكومة العثمانية ستؤيد الصهيونية، فجعلت مجلس الوزراء البريطاني يعتقد بأنه كان عليه أن يُصدر تأييده للصهيونية. وكان ماكس سايكس، الحاكم البريطاني، قد كشف ما سمعه وما كُتب عن «جبن العرب وأشرارهم» فسارع إلى نفي ما نُقل عنه وتحوّل إلى «نصير لهم ولشعوب الشرق الأوسط». كان يخاف من اليهود وقد أصبح قلقاً تجاه مؤامراتهم المعروفة في دول العالم، ولا سيما بعدما سمع في بتروغراد من مُضيفيه بأن الصهاينة يشكلون حركة معادية كبيرة داخل روسيا. وقد اقتنع بقدرة اليهود على تخريب نظام الحلفاء، وقد أُشيع بأن «الباب العالي في قبضة اليهود»، علماً أن أغلب العائدين منهم إلى فلسطين كانوا يميلون إلى أفكارهم الاشتراكية والتعاون في المستوطنات التي توزعوا فيها. وكان اهتمامهم الأوّل يُركّز على تحسين اللغة العبرية القديمة، والعمل في الأراضي المهملة وإقامة المستوطنات التي سبق أن دمرها أحياناً المسؤول العثماني المُعادي لهم، قبل تدخل طلعت وأنور، المسؤولين العاملين لترسيخ الحكم الجديد في تركيا مع السفير الأميركي. وقد تعاون هذان المسؤولان أيضاً مع السفير الألماني لمواجهة الأعمال التخريبية المُعادية في بلدهما. وقد اتصلا وبادرا للطلب من الجالية اليهودية، وكان على رأسها اثنان من كبار الحركة العمّالية وهما: دايفيد بن غوريون وإسحاق بن زافي اللذان لم يتأخرا في التوجه إلى الولايات المتحدة لدعم وتأسيس جيش يهودي.

في المقابل، كان كثيرون من قادة البلشفيك من اليهود، في وقت كان فيه البريطانيون يعتبرون أن حزب «تركيا الفتاة» أصبح تحت تأثير الماسونيين اليهود، وأن اليهودي يكره روسيا التي هاجر منها «أكثر من كرهه الجحيم… وله عين كعين الحية ذات الأجراس». ولم يعد البريطانيون ينظرون للبلشفيك بعد اشتداد علاقات المنظمات اليهودية مع الأميركان بأنهم عقائديون، بل تحولت النظرة إليهم كعملاء سريين للألمان، وظلّوا يعتقدون بأن البلشفيك ليسوا طرفاً مستقلاً، بل إنهم يرتبطون مع اليهود من برلين. ويخلص دافيد فرومكين إلى خلاصة طريفة ذات أبعاد متعددة ورغبات مختلفة، إلا أن الأمر الذي لا يقبل الشك هو أن خروج روسيا من الحرب عام 1917، وتحوّلها إلى الاشتراكية، كان ضربة قوية لبريطانيا ومن معها من حلفاء لاعتبار خاص بأن هذا التحوّل يمثّل نصراً هائلاً ليس لألمانيا فحسب، بل لتركيا العثمانية أيضاً (كما لو أن الله لا يُغيّر في وعوده؟).
وفي سياق آخر، جاهر لويد جورج في إنكلترا بضرورة استيلاء بريطانيا على فلسطين تشجيعاً لإقامة الوطن القومي لليهود واعتراضاً على تقسيم فلسطين وفق اتفاقية سايكس بيكو، لأن في ذلك تشويهاً لها «يحطمها إلى أجزاء أمام الرب» لأن الأمّة الإنكليزية ستكون من الأوائل المستعدة «لنقل أبناء وبنات إسرائيل في سفنهم إلى الأرض التي وعدوا بها أجدادهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب لتكون ميراثاً أبدياً… وإن مجيء المسيح المُخلِّص سيكون بعد عودة اليهود إلى وطنهم الأصلي…».
وبرز في عام 1914 وصول هربرت صامويل، زعيم حزب الأحرار البريطاني اليهودي المنشأ، ليكون عضواً في مجلس الوزراء ويؤكد فوائد تشجيع الاستيطان اليهودي ويحرِّم السماح بسقوط الأماكن المقدسة المسيحية في يد فرنسا الملحدة العلمانية. هذا في مقابل حداثة عهد الحركة الصهيونية المتمسكة بديانتها وعاداتها؛ في وقت كان فيه هرتزل من مؤسسي إسرائيل قبل ذلك لا يعرف الكثير عن اليهود، وفي وقت كان فيه بلفور قد جعل المسألة اليهودية تتطلب حلاً قومياً، وفي وقت كانت فيه القيادة الصهيونية تختلف مع الجالية اليهودية البريطانية «العريقة». لويد جورج، حاكم إنكلترا، أشار بحماسة إلى أنه «قد يتمكن اليهود من مساعدتنا أكثر من العرب في فلسطين». وقد التقى بيكو الفرنسي مع سوكولوف البريطاني وأشار إليه أن «حكومته لا تتخلّى عن مطلبها في فلسطين» قائلاً إن «95% من الشعب الفرنسي يريد من فرنسا أن تُضمّ فلسطين إليها». هذا في وقت سبق وكان فيه بن غوريون اشتراكياً، قبل أن يتعرّف إلى الصهيونية المُتأمركة، وادّعى بأن لليهود والعرب، على قدم المساواة، حق العيش والعمل في فلسطين، وقد سبق وادّعى أن للعمّال والفلاحين العرب واليهود مصالح مشتركة في مواجهة ملاكي الأراضي، وكان يرى أن «فلسطين بلد يمكن أن يتمتع فيه العرب واليهود بحكم ذاتي».

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار
x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...