بقلم د. حسن أحمد حسن
ألسنة اللهب والنار التي لفحت عشرات المواقع في محافظة اللاذقية وقبلها في محافظة حمص لا تقتصر على استلاب الخضرة والنضرة من هذه المنطقة أو تلك، بل تكوي قلوب السوريين وضمائرهم، وتترك في الأعماق غصة وحشرجة في الصدور… هذه غاباتنا وأشجارنا وجمال بلادنا وأحد عوامل الطقس الجميل الذي منَّ الله به على سوريتنا الحبيبة… هي ليست مجرد غابات وأحراج وأشجار مثمرة، بل شاهد حي على تاريخنا منذ مئات السنين، وَلَكَمْ هو مؤلم أن يغمض المرء عينيه ويسافر مع روحه برحلة لاشعورية توقف الزمان الذي لا يتوقف عادة، بل تعيده إلى الوراء مع تنشيط الذاكرة لاستحضار بعض تلك المناظر التي اعتاد السوري على أن يمتع بصره وروحه وجوارحه برؤيتها، وإذا بها اكتست حلة سوداء داكنة بفعل الحرائق المتكررة، وما يزيد الجرح نزفاً والألم تأثيراً أن بعض تلك الحرائق كانت في جغرافية قاسية ومعقدة، وتتميز بوعورة كبيرة وجروف صخرية تحول دون وصول الآليات، وتؤخر إمكانية محاصرة ألسنة اللهب وهي تمتد كمنجل الموت لتحصد أرواح الآلاف من الأشجار كما تحصد آلة القتل والتدمير والموت والإبادة أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء في فلسطين ولبنان على وجه الخصوص….
لا أرى ثمة فارقاً كبيراً بين الحرائق التي تودي بحياة الأشجار وبين ما خلفة الإرهاب التكفيري المدعوم من أعداء الله والإنسانية الذين أرادوا القضاء على سورية، إلا أنها بقيت، وها هي تستعيد عافيتها بالتزامن مع انهيار أحلام الأبالسة وداعميهم على امتداد ثلاثة عشر عاماً ونيف… بقيت سورية الوطن… سورية الأم… سورية الدولة والمجتمع …سورية أم الأبجدية ومهد الحضارة الإنسانية… سورية عمود النور الذي تكفل الله جل جلاله بحمايته، وتوعد من يريد بها سوءاً أن يرميه بسهم من كنانة الحق سبحانه وتعالى… سورية درة هذا المشرق الذي يسعى فراعنة العصر وجلاوزته لنحره بمن فيه وهيهات لهم أن ينالوا مآربهم الشريرة التي ما إن يتم دفن أحدها حتى يتم التلويح بالآخر، وهذا يعني أنه عندما فشلوا في طي الصفحة السورية المشرقة اللامعة أرادوا الانتقام من السوريين جميعاً شعباً وجيشاً وقائداً مفدى، وفي كل يوم تثبت سورية الأسد أنها على طريق التعافي، ويتضح لكل ذي بصر وبصيرة أن كل من أراد شراً بهذا البلد الجميل الوادع سينال جزاؤه، وسيرتد كيده إلى نحره…
بالعودة إلى الحرائق المتعددة والمتنقلة ليس أمام أي سوري محب لوطنه إلا أن يشكر لطف السماء وعفو رب العالمين على الأمطار التي ساهمت في إخماد ما تبقى من الحرائق، وبخاصة في المناطق الي لا تستطيع الآليات الوصول إليها، فالحمد لله على لطفه وتوفيقه، وكل الشكر والامتنان لأولئك الأوفياء الذين جسدوا وفاءهم عملاً لا أ روع ولا أبدع، وقد تحولت المحافظة بكل مؤسساتها إلى خلية نحل تكاملت أدوار مؤسساتها وجهاتها المختصة مع بقية أبناء الشعب، ومع الجهود الجبارة التي بذلها أبطال الجيش العربي السوري الذين سارعوا لمؤازرة بقية أ الجهود عبر الحوامات لإخماد الحرائق في المناطق الصعبة.
من حق كل مواطن سوري أن يضع في حساباته أن بعض تلك الحرائق إن لم تكن كلها أو جلها مفتعل، أي بفعل فاعل، وعن سابق قصد وتصميم، وبعيداً عن الغوص في التفاصيل من المهم التفكير بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بهذا الأمر، ومن المهم التيقن من الأسباب التي دفعت الجناة لارتكاب هكذا جريمة بحق المجتمع والدولة والمواطنين، وهنا يصبح لزاما إسقاط كل الأعذار التبريرية التي يمكن أن تساق وتحت أي عنوان كان، وإذا كانت بعض تلك الأسباب متعلقة بعامل خارجي ــ وهذا ليس مستبعد ـــ فعندها تتجاوز سلبيات ما حدث التوصيف الجرمي وتدخل في باب الخيانة الوطنية، وأمثال هؤلاء لا يمكن أن يؤتمنوا لا اليوم ولا مستقبلاً على كل ما له علاقة بالشأن العام بهويته الوطنية.
بقي أن أشير إلى أن سنوات الحرب المفروضة على الدولة السورية تظهر انعكاساتها السلبية في مثل هذه الحالات، حيث يتضح أن السنوات الطوال من الحصار والعقوبات الشديدة والظالمة على الدولة السورية قد أثرت بشكل سلبي على قدرة السلطات المعنية وإمكانياتها للتعامل الآني مع الكوارث الطبيعية، فالحصار يمنع استيراد الآليات والمعدات المناسبة والمصممة للتعامل مع مثل هذه الظروف الاستثنائية، وهنا يأتي دور جميع أبناء الوطن، ولا أرى ضيراً أن يبادر السكان والأهالي في جميع البلدات والقرى والأحياء التي سبق وأن عانت من حرائق مشابهة إلى تشكيل فرق أهلية من أبناء تلك القرى والبلدات بالتعاون مع الجهات المختصة وتحت إشرافها، ومن واجب كل مواطن أن يتحول إلى عين ترصد كل حركة تثير الشبهات.
حمى الله وطننا الغالي والمفدى سوريتنا الحبيبة.
(موقع سيرياهوم نيوز-1)