آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » حرارة الدولار أشدّ من حرارة الطقس!! معالجة الواقع تتطلب تعزيز الإنتاج المحلي وإعادة هيكلة السياسة النقدية 

حرارة الدولار أشدّ من حرارة الطقس!! معالجة الواقع تتطلب تعزيز الإنتاج المحلي وإعادة هيكلة السياسة النقدية 

 

 

د. سلمان ريا

 

لم يعد المواطن السوري يواجه حرارة الصيف ببرودة الماء أو ظلّ الشجر، بل يواجه حرارة أخرى أكثر قسوة: حرارة الدولار. ففي الأسابيع الأخيرة ارتفعت الأسعار بوتيرة متسارعة، إذ اجتمع عاملان ضاغطان: المناخ والعملة. فقد تسببت موجة الحرّ الشديدة بتراجع الإنتاج الزراعي وزيادة تكاليف التخزين والنقل، بينما أدى صعود الدولار أمام الليرة إلى رفع كلفة الاستيراد والمواد الأولية والطاقة. وهكذا وجد السوق السوري نفسه في مواجهة معادلة معقدة: ندرة في العرض المحلي، وتضخم مستورد من الخارج.

 

لكن لفهم هذه الموجة التضخمية لا بد من تجاوز التفسيرات السطحية والبحث في البنية الاقتصادية والنقدية. فالاقتصاد السوري يعتمد منذ سنوات على الاستيراد لتغطية فجوات الغذاء والطاقة والدواء، وهو ما يجعل أسعار السلع مرتبطة مباشرة بتقلبات الأسواق العالمية. ومع اضطراب سلاسل التوريد نتيجة الحروب والأزمات الجيوسياسية، وارتفاع كلفة الشحن والتأمين، أصبح استقرار السوق الداخلية رهناً بظروف دولية لا تملك البلاد التحكم بها.

 

على الصعيد النقدي، يُظهر المشهد هشاشة أكبر. فالسياسة النقدية القائمة ما زالت محصورة في الأدوات الإدارية: تحديد أسعار صرف شكلية، وضخ متقطع للقطع الأجنبي، وتشديد القيود على الحوالات. هذه الإجراءات تبدو في ظاهرها محاولة للسيطرة، لكنها في العمق تغذّي السوق السوداء وتزيد من معدلات المضاربة. والنتيجة أن سعر الصرف يواصل انفلاته، ما يعني تضخماً مزمناً ينهك الدخول الحقيقية للمواطنين.

 

ولعل المقارنة مع تجارب إقليمية تكشف بوضوح حجم التحدي. ففي مصر، مثلاً، أدى تحرير تدريجي للجنيه وتبني سياسات دعم مشروطة من صندوق النقد إلى ضبط نسبي لسعر الصرف، ولو بثمن اجتماعي باهظ. أما في لبنان، حيث غابت المعالجات الجدية وتفككت المؤسسات، فقد تحولت الليرة إلى أداة متآكلة فقدت معظم قيمتها، وانزلق الاقتصاد إلى تضخم مفرط “Hyperinflation”. الحالة السورية تقف بين هذين المثالين: فهناك إدارة نقدية ترفض الاعتراف بضرورة الإصلاح العميق، لكنها أيضاً غير قادرة على كبح الانهيار بالوسائل الإدارية وحدها.

 

الاقتصاد النقدي يعلّمنا أن التضخم ليس مجرد ارتفاع في الأسعار، بل هو فقدان العملة لوظيفتها كمخزن للقيمة ووسيط للتبادل. ومع تراجع الثقة بالليرة، يتجه التجار والمستهلكون معاً إلى تسعير سلعهم بالدولار أو بما يعادله، ما يخلق حلقة تضخمية يصعب كسرها عبر التدخل الإداري وحده. الحلّ لا يكمن في مطاردة السوق السوداء، بل في إعادة التوازن بين العرض والطلب على النقد الأجنبي من خلال سياسات إنتاجية وتجارية واقعية.

 

إن الخروج من هذه الدوامة يتطلب استراتيجية مزدوجة:

1. تعزيز الإنتاج المحلي وخاصة في الزراعة والصناعة الخفيفة، بما يقلل من الاعتماد على المستوردات ويخفف أثر الصدمات العالمية.

2. إعادة هيكلة السياسة النقدية بحيث تنتقل من النهج الإداري إلى الأدوات الاقتصادية العلمية: تحرير تدريجي للسعر، ضبط السيولة بما ينسجم مع حجم الاقتصاد الحقيقي، وتوفير بيئة تشجع على إعادة الثقة بالعملة الوطنية.

 

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

برنية: الأولوية في إنفاق موازنة سوريا القادمة للتربية والتعليم

أعلن وزير المالية السوري محمد يسر برنية، أن قطاع التربية والتعليم سيكون في صدارة أولويات الإنفاق في موازنة سوريا القادمة. وأشار برنية في منشور له ...