آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » حرب أميركا على «الناركو»: جبهة مزدوجة ضدّ فنزويلا وكولومبيا

حرب أميركا على «الناركو»: جبهة مزدوجة ضدّ فنزويلا وكولومبيا

 

سعيد محمد

 

في تصعيد قد يكون الأخطر منذ عقود، لم تَعُد سياسة إدارة دونالد ترامب، في أميركا اللاتينية، تقتصر على ملف «الأعمال غير المنجزة» في فنزويلا؛ إذ شهدت المنطقة، في أثناء الأيام القليلة الماضية، تحوُّلاً استراتيجياً ينذر بخطر شديد: فبينما بلغ الحشد العسكري الأميركي قبالة سواحل فنزويلا ذروته، بهدف بات واضحاً وهو إسقاط النظام البوليفاري، أدارت واشنطن، فوّهة نيرانها السياسية والاقتصادية فجأةً نحو كولومبيا، حليفها التاريخي الأوثق في القارة.

 

ويكشف هذا الاستهداف المزدوج والمتزامن، لكاراكاس وبوغوتا معاً، تحت الذريعة نفسها – «الحرب على المخدرات» – عن تبلور عقيدة أميركية جديدة أكثر عدوانية تجاه الإقليم، هي بمثابة نسخة محدّثة من منطق الغطاء الإمبريالي، الموسوم بـ«الحرب على الإرهاب»، تهدّد بجرّ منطقة الأنديز، بأكملها إلى صراع واسع النطاق.

 

هكذا، أوقف ترامب، بقرار مفاجئ، المساعدات عن كولومبيا، واصفاً رئيسها المنتخب، غوستافو بيترو، بأنه «زعيم مخدرات غير شرعي»، في ما بدا تحوّلاً دراماتيكيّاً أطاح عقوداً من التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وبوغوتا، التي تلقّت نحو 14 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية، منذ بداية القرن الحالي، لمحاربة القوى الثورية اليسارية، وشكليّاً، كارتيلات مهرّبي المخدرات. وكان بيترو – أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا -، أثار استياء الولايات المتحدة في غير ملفّ، لا سيّما في ما يتعلّق بحرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين.

 

لكنّ القشّة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين الجانبين، كانت ردّ فعله على مقتل صياد كولومبي، في إحدى الضربات البحرية الأميركية الأخيرة (التي استهدفت قارباً تابعاً لمنظمة «جيش التحرير الوطني اليسارية» الكولومبية). وبيترو، على عكس أسلافه، لم يلتزم الصمت، بل اتّهم الولايات المتحدة علناً بارتكاب «جريمة قتل» وانتهاك لسيادة بلاده، ليردّ ترامب – عبر منصّته «تروث سوشال» -، بصلف، واصفاً الرئيس الكولومبي، بأنه «زعيم مخدرات غير شرعي يشجّع بقوّة على الإنتاج الضخم للمخدرات»، معلناً قطع جميع المساعدات والإعانات الأميركية عن بوغوتا. لكنّ الأخطر من ذلك، كان التهديد المباشر الذي تبع الإعلان: «من الأفضل لبيترو، أن يغلق حقول القتل هذه على الفور، أو ستغلقها الولايات المتحدة من أجله، ولن يتمّ ذلك بلطف».

 

وبدا ردّ الفعل هذا، مبيّتاً، وفق مراقبين لاحظوا أنّ واشنطن، كانت ألغت في أيلول الماضي، تصنيف بوغوتا، كحليف في مكافحة المخدرات، للمرّة الأولى منذ عام 1997. ويبدو أنّ ترامب، بتهديده بالتدخّل المباشر الذي «لن يتمّ بلطف»، يكشف عن اتّساع دائرة الاستهداف في أميركا اللاتينية، لتتجاوز شخص نيكولاس مادورو والنظام البوليفاري في فنزويلا.

 

ويأتي ذلك في وقت يتحوّل فيه أكبر انتشار بحري أميركي في الكاريبي، منذ غزو بنما عام 1989، بذريعة «مكافحة تهريب المخدرات»، إلى عملية نفسية وعسكرية واستخبارية تهدف مباشرة إلى «تغيير النظام» في كاراكاس، بعدما تخلّت واشنطن، عن كل غطاء ديبلوماسي وتمويه قانوني في حملتها لإقناع مادورو، ودائرته المقرّبة بأنّ كلفة البقاء في السلطة ستكون باهظة، وأنّ خيار الرحيل هو الوحيد المتاح للنجاة.

 

فالحشد البحري، الذي يضمّ مدمّرات وغوّاصات وطائرات مقاتلة، يرافقه استعراض قوّة متعمد، إذ تمّ رصد قاذفات «B-52» الاستراتيجية، وهي تحلّق قبالة الساحل الفنزويلي، فيما أجهزة إرسالها واستقبالها قيد التشغيل للإعلان عن وجودها. كما انتشرت صور لسفن «شبح» تابعة للقوات الخاصة، ومقاطع فيديو لتدريبات على طائرات «بلاك هوك» و«ليتل بيرد» قبالة السواحل الفنزويلية.

 

ويبدو أنّ ترامب، يريد الاستفادة من «العصا الغليظة» المرفوعة على فنزويلا، لتأديب كل من تسوّل له نفسه التشويش على الهيمنة الأميركية المطلقة، على «حديقة واشنطن الخلفية»، لا سيّما في ظلّ حاجة موسكو الماسّة، إلى تسوية تنهي نزيفها المفتوح في أوكرانيا، وانكفاء بكين، وعزلة طهران، وهم الحلفاء التقليديون للأنظمة ذات الميول اليسارية في أميركا اللاتينية.

 

لكنّ خبراء يقولون إنّ إقدام الأميركيين، على فتح جبهة مزدوجة ضدّ فنزويلا وكولومبيا معاً، يُعدّ مقامرة بالغة الخطورة بأمن الإقليم برمّته. فالدولتان تشتركان في حدود يبلغ طولها أكثر من 2200 كيلومتر، وهي واحدة من أكثر الحدود اضطراباً في العالم، وتنشط على جانبَيها جماعات ثورية يسارية. لذا، فإنّ أيّ ضربة أميركية داخل فنزويلا، من شأنها أن تثير فوضى يمكن أن تمتدّ بسهولة إلى الأراضي الكولومبية.

 

كما أنّ أيّ عمل عسكري أميركي في كولومبيا، سيقابَل برفض شعبي وسياسي عارم، يدفع بيترو إلى تحالف أوثق مع البوليفاريين، في كاراكاس. ومن غير المستبعد أن تنتهي الأمور إلى سيناريوات كارثية شبيهة بما حدث في ليبيا والعراق وسوريا، لا سيّما أنّ الجيوش النظامية في كل من فنزويلا وكولومبيا، ليست في وضع يسمح لها بمقارعة عدوان أميركي واسع النطاق، ما سيفتح الباب أمام دخول ملايين المسلحين في المنظمات الشعبية، في حروب عصابات وربّما صراعات أهلية قد لا تنتهي قبل عقود طويلة.

 

والواقع أنّ «الحرب على الناركو»، ليست سوى استنساخ مباشر لاستراتيجية «الحرب على الإرهاب»، التي طبّقتها واشنطن، طيلة الربع الأول من هذا القرن، وذلك لتبرير غزو وتدمير دول ذات سيادة من مثل أفغانستان والعراق، ولاحقاً التدخّل لتفكيك ليبيا وسوريا. وكما الأمر في الشرق الأوسط عندما وُظّفت شعارات «نشر الديموقراطية» ونزع «أسلحة الدمار الشامل» لتحقيق أهداف الهيمنة الأميركية وإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية وتأمين السيطرة على موارد الطاقة، تُستخدم «الحرب على المخدرات»، اليوم، كذريعة لإسقاط الأنظمة المستقلّة في أميركا اللاتينية والاستيلاء على مواردها.

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ملايين المتظاهرين ضدّ ترامب… و”الملك” يقصفهم بفضلات الذّكاء الاصطناعي

  “لا ملوك في أميركا”. تحت هذا الشعار كان اليوم المشهود في الولايات المتحدة السبت. نحو سبعة ملايين متظاهر ضد الرئيس دونالد ترامب تجمعوا بمئات ...