- فاطمة فتوني
تلجأ الدول إلى الحرب السيبرانية كشكلٍ جديد من أشكال الحروب، أو كبديلٍ من الحروب الكلاسيكية. وقد كُشف مؤخراً عن رصد للإعلاميين، ما يدلّ على أهمية الإعلام ودوره وفعاليته في هذا الزمن.
التجسّس بأساليبه المختلفة، ومنها الحرب السيبرانية، شكلٌ جديد من الحرب الحديثة، إذ يتم استخدام التكنولوجيا لأغراض عسكريّة وأمنيّة، بدلاً من استعمالها لخدمة الإنسان وتطوير قدراته وإمكانياته، فهي أمست أداةً للتخريب والإرهاب وقمع الحريات.
تُعتبر “إسرائيل” من المعتمدين الأوائل على هذه الحرب في المنطقة، فهي أولت اهتماماً خاصاً لحرب المعلومات والحرب السّيبرانية التي تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا والعالم الرقمي. وعقب توقيعها اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية، ظهر إلى العلن التعاون السيبراني مع الإمارات والسعودية وغيرهما.
وبحسب ما تشي به التطوّرات، تشير المسارات في العقود الماضية إلى تبدّل أنواع الحروب في المنطقة، وخصوصاً بعد فشل القوى الكبرى في الحروب العسكرية.
ينسحب ذلك على ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي حتّم مثلاً على الحكومتين السعودية والإماراتية اللجوء إلى أسلوب التجسّس، عبر برنامج “بيغاسوس” التابع لشركة “NSO” الإسرائيلية، على سياسيين وإعلاميين، وخصوصاً بعد فشلهما الميداني في اليمن وسوريا وغيرها من دول المنطقة.
ومن نافل الذكر في هذا المجال، أنَّ برمجيات “بيغاسوس” استخدمت بشكلٍ أساسي لاستهداف معارضين سياسيين وصحافيين وحقوقيين ونقابيين وأكاديميين ومسؤولين.
خوف من الدور الوطني للإعلام
في هذا الصّدد، قال الكاتب والمحلّل سركيس أبو زيدللميادين نت إن الحرب الجديدة هي بديل من الحرب الكلاسيكية التي كانت معروفة أو المواجهات الشاملة، وخصوصاً أننا نعيش في عصر لم يعد ممكناً فيه تحديد خسائر الحرب العسكرية الكلاسيكية أو ضبط نتائجها.
وأضاف: “لهذا السبب، تلجأ الدول بشكلٍ عام إلى نوع من الحرب الباردة أو الحرب الذكية، وهي شكل جديد أو بديل من الحروب الكلاسيكية”.
وأشار إلى أن عملية التجسس كشفت عن رصد للإعلاميين، وخصوصاً المدير العالم لشبكة “الميادين” الإخبارية غسان بن جدو ومدير جريدة “الأخبار” إبراهيم الأمين، قائلاً إن “هذا الأسلوب يدل على أن هناك دوراً وفعالية للإعلام الحديث”.
كذلك، رأى أن “هناك خوفاً من بعض وسائل الإعلام، نظراً إلى الدور الوطني الذي تقوم به، ما وضعها على قائمة التجسّس والرصد، لمعرفة تحركاتها وكيفية مواجهة أدائها الذي يفضح تحركات بعض الدول العربية. لهذا السبب، يعتبر الكشف عن اسمي غسان بن جدو وإبراهيم الأمين تهديداً بكلّ ما في الكلمة من معانٍ”.
وفي هذا المضمار، يوضح أبو زيد أنَّ “هذا الأمر تأكيد على الدور الفعّال والجدي الذي تقوم به “الميادين” و”الأخبار” وغيرها من الوسائل الإعلامية. لذلك، وضعت على قائمة التنصّت والتجسّس، لمعرفة هذه التحركات وتطويق فعاليّتها ودورها والحدّ منه”.
الرياض لا تثق بالأصدقاء والحلفاء
وبحسب أبو زيد، إنّ العملية التي كشفتها “لوموند” تؤكّد أن السعودية لا تثق بالأصدقاء والحلفاء، وهي حذرة من تحركات الآخرين، موضحاً “أن هذا يدل أن الساحة اللبنانية هي ساحة أساسية تتم مراقبتها من قبل أنظمة هذه الدول”.
ويضيف: “هذه العملية ليست مقتصرة على لبنان، بل هي نموذج تسعى السعودية إلى تعميمه في المنطقة ككل، لمحاصرة محور المقاومة وكل القوى التي اختلفت معها في اليمن وسوريا والعراق واليمن”.
مواجهة التجسّس في المنطقة
عمليات التجسّس، بحسب أبو زيد، “تشكّل ضربة للتضامن العربي”، معتبراً أن العلاقة مع “إسرائيل أصبحت بالنسبة إلى بعض الدول أمتن وأقوى من العلاقات العربيّة العربيّة، وهو ما سيرسم علامات استفهام وشكّ وعدم ثقة بين الدول العربية”، الأمر الذي يعوّق عملية التعاون العربي، ويفتح المجال أمام التجسّس الإسرائيلي الذي تصبح قدراته أسهل وأكبر لضرب الأمن القومي العربي، ولمراقبة الدول التي تستعين بـ”إسرائيل” أيضاً من أجل عمليات التجسّس، في إشارة إلى أنَّ السعودية والإمارات غير بعيدتين عن التجسّس الإسرائيلي.
يُشار إلى أنَّ الحرب السيبرانية وأدواتها تطرح تحديات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. وبحسب أبو زيد، “المطلوب أن يتمّ الردّ على هذا التهديد الإنساني على المستوى العربي والدولي، من أجل حماية سيادة الأوطان واستقلالها”.
وقال: “لا بدّ من مواجهة هذا المشروع في المنطقة. تبدأ المواجهة بممارسة الضغوط على السعودية والإمارات من أجل وقف أساليب التجسّس”، مشيراً إلى أنَّ “المطلوب أيضاً هو تحرك دولي على المستوى الأممي، من أجل إصدار تشريعات ومحاكمة أي دولة تلجأ إلى هذه الأساليب التجسّسية وتهدد سيادة الدول الأخرى”.
تجدر الإشارة إلى أنَّ موقع “القناة 12” الإسرائيلية قال إنَّ “إسرائيل” اختارت السماح ببيع أداة هجومية سيبرانية يمكن أن ينتهك تشغيلها حقوق الإنسان في أنظمة غير ديمقراطية عن معرفة.
وكشف تحقيق أجرته منظّمة “فوربيدن ستوريز”استمرار نهج استهداف الإمارات هواتفَ معارضين ومعارضات، “من بينهم الإماراتية آلاء الصدّيق التي توفيت في حادث سير في منفاها في لندن، وكذلك المعارض الإماراتي الأشهر أحمد منصور، وعشرات الصّحافيين والأكاديميين الإماراتيين والعرب والغربيين العاملين في المنطقة، إضافةً إلى قادة وزعماء دول”.
(سيرياهوم نيوز-الميادين22-7-2021)