«إس-400» و»إس-300»
على الصعيد السياسي، شهدت التطورات رفع وتيرة الانتقادات المتبادلة بين الأفرقاء المعنيين بالأزمة. فالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لم يصل إلى مبتغاه بأن يكون له دور سياسي على طاولة المفاوضات. على هذه الخلفية، ردّ بالتأكيد على «تحرير» الأراضي الآذربيجانية المحتلّة حتى النهاية، وباستقبال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي زار أنقرة الأسبوع الماضي بحفاوة استثنائية، وتأكيده أن بلاده لم ولن تعترف بضمّ القرم إلى روسيا، لأنه خروج على القانون الدولي، مع الاستمرار في دعم تتار القرم. كذلك، بادر إردوغان من جديد إلى رفع منسوب التوتّر في شرق المتوسط عبر إرسال سفينة «أوروتش رئيس» إلى منطقة جديدة للتنقيب ضمن المنطقة الاقتصادية الحصرية التي تقول اليونان إنها تابعة لها، ما أدى إلى إلغاء وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الذي حرصت بلاده على إبقاء الجسور مع تركيا سابقاً، زيارته لأنقرة. من جهتها، ردّت واشنطن على قيام تركيا بتجربة ميدانية لصواريخ «إس-400» في منطقة سينوب، الأسبوع الماضي، بتصعيد اللهجة إزاء دور أنقرة في تسعير الحرب ضدّ أرمينيا. في الإطار عينه، طالبت مجموعة من النواب في مجلس النواب الأميركي، ومن بينهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية، إليوت إنجل، بفرض المزيد من العقوبات على تركيا بسبب منظومة «إس-400» والحرب في القوقاز. وجاء في الرسالة التي أرسلها النواب إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، أن على واشنطن أن تمارس ضغوطاً أكبر لتكون تركيا أكثر التزاماً بمحور «شمال الأطلسي» وأكثر احتراماً للديموقراطية.
هناك مخطّط عسكري آذربيجاني – تركي من أجل السيطرة على جميع المناطق الأرمينية الواقعة جنوب قره باغ
وكشفت الصحف اليونانية أن أثينا ستردّ على التجربة الصاروخية التركية بالقيام بتجربة ثانية لمنظومة صواريخ «إس-300» التي تملكها اليونان. وكانت التجربة الأولى قد جرت قبل سبع سنوات في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2013 في جزيرة كريت، فيما صرّح مصدر في قيادة «حلف شمالي الأطلسي» لصحيفة «كاتيميريني» اليونانية، بأن «هذا الإجراء عمل سيئ، ومن المهم أن تلجأ تركيا إلى حلفائها الآخرين للبحث عن حلول». وذكّر المصدر بأن الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أبدى أثناء لقائه إردوغان في الخامس من الشهر الجاري، قلق «الناتو» من النتائج المترتبة على صفقة «إس-400». ورأى أن «نظام إس-400 يشكّل خطراً جدياً على نظام طائرات الحلفاء في الحلف. هذا قرار سيادي تركي، لكن تلك المنظومة لا يمكن أن تنسجم مع نظام الدفاع الجوي والصاروخي للناتو». لم يتأخّر إردوغان في الردّ، فاتّهم الولايات المتحدة بتزويد أرمينيا بالأسلحة مثلها مثل روسيا وفرنسا، وهم ثلاثي «مجموعة مينسك» الخاصة بحلّ النزاع بين أرمينيا وآذربيجان.
أرسين تتار
مع استمرار الكباش في القوقاز، يواصل إردوغان تعزيز أوراقه ضدّ خصومه وطمأنة الرأي العام التركي إلى متانة وضع بلاده، على رغم الضغوط الاقتصادية على الليرة التركية، ومنها إعلانه اكتشاف حقول جديدة من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، ودعمه القوي لمرشّحه في انتخابات الرئاسة القبرصية التركية التي جرت يوم الأحد الماضي. وعلى رغم عدم اعتراف أحد بجمهورية شمال قبرص التركية سوى تركيا، إلا أن التطورات تجري فيها كما لو أن الانفصال هو الوضع النهائي لها.
وبمعزل عن المواقف التي يمكن أن يتخذها بعض مسؤولي قبرص التركية، فإنها تبقى مرتبطة بالكامل بأنقرة، كونها منفذها الوحيد جواً وبحراً. مع ذلك، فإن أيّ انتقاد من قِبَل البعض فيها للرئيس التركي لم يكن ليبتلعه الأخير. ومن ذلك، ما كان يقوله الرئيس المنتهية ولايته مصطفى أكنجي عن بعض مواقف إردوغان، مثل وصفه عملية «نبع السلام» في سوريا بعملية «نبع الدماء»، وانتقاده التدخل التركي في شؤون شمال قبرص التركية الداخلية. من هنا، فإن انتخابات الرئاسة التي جرت بين أكنجي المستقلّ ورئيس وزرائه، رئيس حزب «الوحدة الوطني»، أرسين تتار، كانت مصيرية بالنسبة إلى إردوغان الذي عمل جاهداً لإسقاط الرئيس السابق.
وبالفعل، فاز تتار في الدورة الثانية للانتخابات يوم الأحد الماضي بفارق خمسة آلاف صوت فقط، إذ نال 51.69% من الأصوات (67 ألفاً)، فيما حاز أكنجي 48.31% (62 ألفاً). وبلغت نسبة المشاركة 67.29% من مجموع الناخبين المسجّلين والبالغ عددهم 199 ألفاً و29 ناخباً. وأصبح أرسين تتار الرئيس الخامس لقبرص التركية منذ إعلان استقلالها عام 1983، بعد كلّ من رؤوف دنكتاش ومحمد علي طلعت ودرويش إرأوغلو ومصطفى اكنجي وتبلغ مدة الرئاسة خمس سنوات. وفوراً، اتصل إردوغان كما وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو بتتار وهنآه بالانتصار. وبإزاحة أكنجي من طريقه، أمكن إردوغان تحصين وضعه في قبرص التركية في مواجهة خصومه في شرق المتوسط في مرحلة دقيقة تمرّ بها المنطقة.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)