الرئيسية » كتاب وآراء » حرب النقاط…

حرب النقاط…

 

باسل علي الخطيب

نعم، هذه الحرب لا تربح بالضربة القاضية، هذه حرب النقاط…
على فكرة هذه هي المدرسة السورية في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني…

ذات نكسة عام 1979، كان أنور السادات يوقع مع مناحيم بيغن إتفاقية السلام بين مصر و الكيان في كامب ديفيد…
تم التوقيع، الرئيس الأمريكي جيمي كارتر يمسك بيدي المذكورين، الجميع يضحك، أشهر مرت، مناحيم بيغن وأنور السادات ينالا جائزة نوبل للسلام مناصفة، بيغن قائد عصابات الأرغون الارهابية صاحب مذبحة دير ياسين، والسادات والذي ذات صبيحة ثورة عام 1952 قام بها الضباط الأحرار في مصر، اشترى تذكرة دخول للسينما، تحسباً أنه في حال فشل الأمر يكون عنده إثبات وجود في مكان آخر…

إذا والاحتفالات تجري في منتجع كامب ديفيد، في ذات الوقت كان صدام حسين يشحذ سكاكينه ليطعن بها العراق قبل أن يطعن بها إيران، سنوات ثلاث كانت قد مضت على توقيع صدام وبخط يده مع الشاه اتفاقية شط العرب في الجزائر، كان يكفي أن تسقط الثورة الإسلامية في إيران علم الكيان عن سفارتها في طهران وتضع مكانه علم فلسطين، حتى نقض صدام الاتفاق، وأعلن الجهاد على ايران، أسمى حربه معركة (القادسية)، أسأل ويحزن: كم من مرة اغتصب ذاك التاريخ، تاريخنا؟؟!!…
صدام لم ينل جائزة نوبل، اعدمه الأمريكيون بذات الحبل الذي مدوه له ليحارب إيران…

في نفس الفترة، هناك في لبنان، كان ياسر عرفات يسوق الكوفية الفلسطينية باتجاه المجهول (طريق القدس يمر عبر جونية)، سنوات تلت، عرفات ياخذ الكوفية إلى سجن السلطة، يوقع اتفاق سلام مع الكيان في اوسلو، عرفات وشمعون بيريز واسحق رابين ينالوا جائزة نوبل للسلام، بيريز صاحب مجزرة قانا، ورابين قائد عصابات البالماخ….
مرت سنوات اخرى، عرفات مات وحيداً مسموماً في مستشفى فرنسي، قبل ذلك كان قد حاصره شارون في دار المقاطعة في رام الله، لا كهرباء، لا ماء، لا طعام، ظني آنذاك أدرك ياسر عرفات وفي ظلام غرفته وحيداً معنى كلام حافظ الأسد عندما قال عن اتفاقية أوسلو: أن كل بند في تلك الاتفاقية يحتاج إلى اتفاقية…..

نعم، وبينما كانت تقرع كؤوس النشوة في منتجع كامب ديفيد، هناك في دمشق في بيت بسيط في الروضة، كان يجلس حافظ الأسد و باكية الحمرا القصيرة على الطاولة، يجلس حافظ الأسد و يتفكر، إنها الباكية الثالثة هذا اليوم، كان يحب أن يستحضر ذاك العقل كل ذاك التاريخ، حسناً، على الحائط خلف سيادته لوحة لمعركة حطين، المعركة عام 1187، بعد 88 عاماً من الغزو الصليبي، التاريخ يقول إن شعوب المنطقة احتاجت 176 عاماً لطرد الصليبيين…

لقد اتخذ القرار، سوريا أضحت وحيدة، صار ظهرنا إلى الحائط، حسناً، هذا الحائط ان سقط لن يسقط علينا وحدنا، سيسقط علينا و على أعدائنا، تم اتخاذ القرار الإستراتيجي في دمشق، ليس لنا قبل في مواجهة الكيان و من خلفه الولايات المتحدة و الأعراب في حرب مباشرة، لايجب السماح للعدو باستخدام فائض القوة الذي يمتلكه، الخيار دعم كل حركات المقاومة في المنطقة، إنه خيار الصراع الطويل و النفس الطويل، حتى لا نسمح للكيان و من خلفه أمريكا باستعمال أياديهم الطويلة….
هي سياسة حافة الهاوية، صارت دمشق عاصمة المقاومة في المنطقة، حتى حركات المقاومة ذات التوجه الإسلامي الراديكالي بشقيه ضمتها دمشق العلمانية إلى حلف المقاومة، وكان الدعم بكل أشكاله، العسكري واللوجستي والسياسي والاحتضان….

تسألون عن النتيجة؟؟!!..

الجيش الصهيوني تحت ضربات المقاومة اللبنانية ينسحب صاغراً و لأول مرة من جنوب لبنان….
الجيش الصهيوني تحت ضربات المقاومة الفلسطينية ينسحب صاغراً من غزة….
العقيدة الصهيونية تتضعضع…

نعم، كان من أبرز نتائج هذه المدرسة في إدارة الصراع أنها خلقت أزمة بنيوية في كيان قاربت الفوبيا الوجودية:
الكيان إلى أبن؟….

قامت استراتيجية الجيش الصهيوني في الحروب مع العرب على مبدأين أساسيتين:
نقل المعركة إلى أرض العدو…
قصر مدة الحرب…
هذان المبدأن سقطا مع عملية طوفان الأقصى الإعجازية المباركة في 7 تشرين الأول….
في المواجهة بين (الأنظمة) و (المنظمات) لا يكون معيار الربح و الخسارة مقدار الخسائر البشرية أو المادية، إنما مقدار التحمل، هي حرب عض الأصابع، و الخاسر فيها من يصرخ أولاً.

متى تتحول إلى حرب كسر عظام؟….
هذا سنشرحه لاحقاً….

مقدار الأذية الذي تتعرض له في هكذا مواجهة لا يكون حسب الخسائر التي يسببها لك عدوك، إنما حسب تأثير هذه الخسائر عليك….
قامت عقيدة المقاومة على مبدأين:
إما أن ننتصر أو نُستشهد….
خمسون عاماً و المقاومة تربي افرادها و بيئتها الحاضنة على هذه العقلية، و ليس لك أن تصيبهم في مقتل بأن تقتلهم، بل أن القتل لهم في تلك العقيدة عادة و كرامتهم من الله الشهادة، فكيف يمكن أن يهزم هؤلاء؟؟!!…

في المقابل قامت الفكرة الصهيونية على أن فلسطين هي (أرض الميعاد) لليهود، و أن اليهود الذين تعرضوا (للاضطهاد) في كل دول العالم، مع تسويق أسطورة الهولوكوست في هذا السياق، ستكون أرض الميعاد هي أكثر الأماكن آمناً لليهود في العالم….

تلك الاستراتيجية التي وضعها حافظ الأسد مع آخر نفس من رائع سيجارة في باكية الحمرا الثالثة في ذاك اليوم، حولت (أرض الميعاد) إلى أكثر الأماكن خطراً على اليهود في العالم…

سقطت الفكرة الصهيونية…

عدا عن ذلك، الأجيال الأولى من المهاجرين الصهاينة إلى فلسطين، أقصد الجيل الاول و الثاني و بعض الجيل الثالث، كان أمامهم هدف، إنشاء وطن قومي لليهود، كانوا مدفوعين بقوة الفكرة الصهيونية آنذاك، و بالتالي كانوا مستعدين (للتضحية)، و لا تكترث الجبهة الداخلية للخسائر التي كانت تحصل في الحروب و المعارك مع العرب او الفلسطينيين، كان الظن أن الكيان يحتاج خمسين عاماً ليثبت أقدامه في المنطقة، و يصبح مقبولاً من شعوبها و جزءاً منها…

استفاق أبناء الجيل الرابع و بعض الجيل الثالث على واقع أن هذا الأمر لم يحصل، و أنهم لا يشعرون بالأمان، و هذا انعكس على المؤسسة العسكرية، لا يوجد أضعف من جيش غير مستعد للتضحية، لا يوجد أصعف من جيش يخاف من وقوع خسائر في صفوفه، أن يقتل مستوطن واحد في قصف على أحدى المستوطنات الصهيونية، سيجعل مطار بن غوريون يكتظ بالهاربين، أن يقتل بضعة جنود صهاينة في أحد المعارك أو في قصف ما، سيجعل الجيش الصهيوني يعيد ترتيب أوراقه بالكامل، هذا هو الميزان الذي تحدثت عنه أعلاه، عقيدة الخوف و عدم الامان، هذه هي كانت أحد أهم مخرجات تلك المدرسة، مدرسة حافظ الأسد في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني….

المقاومة اللبنانية حالياً تلاعب الصهاينة، تركتهم ينتشون بما حققوه في الأيام الأولى منذ تفجير أجهزة البيجر، وصولاً إلى اغتيال قادة المقاومة، و المجازر التي إرتكبوها في حق المدنيبن، بضعة عشرات من الصواريخ على حيفا، و صاروخ واحد على تل أبيب، جعلت الصهاينة يعيدون حساباتهم، و يفكرون في النزول عن تلك الشجرة ، لاحظوا أن المقاومة لاتقصف حتى تاريخه المواقع والقواعد العسكرية، و لاحظوا أيضاً، المقاومة حتى تاريخه لم تستعمل إلا مخزونها القديم، و الصهاينة قد استعملوا كل ما بيدهم، لم ييق إلا أن يستعملوا الأسلحة النووية التكتيكية….

نعم، أجعل عدوك يرفع من سقف تصريحاته و أهدافه، و بعد ذلك أضربه ضربة تجرده من كل إنجازاته إن كان هناك إنجازات، بعض الصهاينة فكروا في أن ينزلوا عن تلك الشجرة، بعد الصاروخ الذي ضرب مقر الموساد في ضواحي تل أبيب، فكان أن منعهم أصحاب الخيار الانتحاري، خيار (الماسادا) إياه، فالتحدي الذي وضعه سيد المقاومة، يجعل من أي إنجاز أياً كان إذا لم يتم إعادة مستوطني الشمال، يجعله هباء منثوراً…

الكيان لا يستطيع أن يخسر هذه الحرب ، أول هزيمة حقيقية لهذا الكيان هي آخر هزيمة، لم ييق من الفكرة الصهيونية كلها إلا القوة المفرطة للجيش، عادت الأمور إلى جذورها الأولى: (الكيان هو جيش أنشئ لأجله دولة)….

إذاً ما الخيارات أمام الكيان؟؟!!..
الذهاب إلى تصعيد أكبر….
حرب كسر العظم….
خيار يوم القيامة….
حسناً، هل من صدفة أننا اسمينا قوة النخبة لدينا (قوات الرضوان)؟؟..
هل تعرفون من هو رضوان؟….
على فكرة، هؤلاء يحتاجون 24 ساعة ويصلوا الفجر في الاقصى….
سيمهد الطريق لهم إلى هناك تلك الصواريخ…
ترى ماذا سيكون اسمها؟…
الاسد؟؟!!..
الأكيد أن التوقيع سيكون: مركز البحوث العسكرية السورية….

 

(موقع سيرياهوم نيوز-2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قراءةٌ بينَ سطورِ المواقفِ الإيرانيةِ الأخيرة

      الياس المر   صدر عن الرئيس الإيراني مؤخرًا العديد من المواقف التي شكلت انعطافة عن سابقاتها التقليدية التي كانت تصدر عن جميع ...