د. مازن سليم خضور:
منذ بدأت الكتابة في سلسلة الحرب الأخرى في صحيفة الثورة لم يكن بدافع الترف الفكري أو سعياً وراء مردود مالي والجميع يعلم ماذا يعني (استكتاب) لكن رأيت أن من واجبي الكتابة في اختصاصي (علم الاجتماع) خاصة أن المشكلات الاجتماعية في فترة الحرب تزداد وتختلف أشكالها، وهو ما دفعني للكتابة عن موضوع الجريمة بأكثر من مقال.. ولكن السؤال هل من يتابع وهل من مجيب لاسيما أنه لم يخلُ مقال من طرح المشكلة دون طرح بعض الحلول.
يقول أحد الفلاسفة إذا كان المجتمع متسامحاً بلا حدود فإن قدرته على التسامح يتم الاستيلاء عليها أو تدميرها في نهاية المطاف من قبل غير المتسامح ومن أجل الحفاظ على مجتمع متسامح، يجب أن يكون المجتمع غير متسامح أو مُتهاون مع عدم التسامح؛ التسامح اللامحدود سيؤدي بنهاية المطاف إلى اختفاء التسامح إذا امتد التسامح اللامحدود إلى المُتعصّبين والمُتطرّفين، وإذا لم نكن مستعدين للدفاع عن مجتمع متسامح ضد هجمة المتعصبين فسيتم تدمير المتسامح والتسامح أيضاً.
وبالتالي لن نمل الحديث عن موضوع الجرائم المختلفة المنتشرة لناحية الأسرة ونوع الجرائم لطالما تحدثنا ونتحدث وسنتحدث عن مشاكل أصبحت تشكل هاجسا يؤرق المعنيين بالوضع الاجتماعي، لاسيما أن هذه الجرائم كما تحدثنا عنها ونتحدث هي مختلفة لناحية الشكل والمضمون، فأصبحنا نرى الأب ضحية ولده والعكس صحيح، فالابن يقتل أباه وأمه والأخ يقتل أخاه ولا أمان للجدة من حفيدها ولا الأخت من أخاها وأمها ولا لجار من جاره، وهو دليل على مشكلة اجتماعية.
موضوع الجريمة الذي تناولناه سابقاً بأكثر من مقال تحدثنا فيهم عن الجريمة كمعضلة اجتماعية حقيقية ، وبالتالي المطلوب العمل لإيجاد خطة عمل متكاملة في مواجهة الجريمة من جهة وأن تبدأ وزارة الشؤون الاجتماعية مع الجهات المعنية بدراسة واسعة “اجتماعية – نفسية” لتقييم واقع المنظومة الاجتماعية والأخلاقية وفق قراءة أكاديمية تلحظ نسبة معدل الجريمة “شكلها، نوعها، أسبابها” وخارطة المرحلة العمرية لمرتكبيها والخروج بخطة عمل متكاملة تتضمن حتى مقترحات تعديل بعض القوانين الحالية وإنشاء مؤسسات وفرق عملية بالاشتراك مع وزارات أخرى بما يتناسب مع الحالات.. فوجهة الحرب الجديدة خطر يطال الأسرة السورية ويهدد المجتمع.
في اليابان عندما تنكسر قطعة من الخزف يقوم بعض الحرفيين بإلصاقه وملء الشقوق بالذهب وكأنهم يقولون أن التعديل ممكن وأن ما يكسر بالإمكان ترميمه وإعادته للحياة واعتباره جميلا.. ونحن كعرب نحطم الأشياء الجميلة لاسيما موضوع الأسرة وهو ما ذكرناه في مقال سابق جاء بعنوان (الفصول الأربعة لم تعد كذلك) وتحدثنا فيه عن اختلاف شكل الأسرة وأدوارها ومشاكلها.
أيضا حمّلت الحرب المرأة السورية هموماً كبيرة أثرت على مناحي حياتها، فأصبحت تعيش تجربة خاصة وتواجه تحدّيات كبيرة إلى جانب التحديات السابقة التي كانت تشهدها قبل الحرب من تمييز جنسي والعادات والتقاليد.
العنف الممارس على النساء أخذ أشكالاً مختلفة ومن أهمها:
الاغتصاب الذي كان سمة بارزة ومقلقة في الحرب في ظل سيطرة فصائل الإرهاب على عدد من المنطاق بالإضافة إلى التزويج القسري، فخلال الحرب ازدياد عدد الفتيات التي تم تزويجهن قسرا بسبب مجموعة من العوامل، من العامل الاقتصادي لاسيما الفقر والحاجة للتخفيف من النفقات المصروفة من جهة، أو لأسباب اجتماعية خوفا من تعرض الفتيات للتحرش والاغتصاب، علما غالبا ما تجبر العائلات السيدات المغتصبات على الزواج لاسيما من أقارب (ستر الفضيحة) وهذا حصل بشكل كبير -التزويج القسري- في مخيمات النزوح في الأردن وتركيا حيث تم استغلال الوضع الاقتصادي من قبل رجال ميسوري الحال
ومن الحلول المقترحة إنشاء برامج توعوية غير روتينية لتوعية الجميع حول موضوع العنف ضد المرأة وتخصيص جلسات نفسية إعلامية وعلى أرض الواقع لمعالجة الجانب النفسي للنساء بعد زيادة العنف والتوعية بخطورة الزواج المبكر.
كذلك حظر أي مسلسل يحرض على العنف بشكل عام وعلى النساء بشكل خاص، وضع دروس في الكتب المدرسية لتوعية العنف وآثاره بشكل عام وإنشاء برامج مدروسة لشرح التعامل مع حالات العنف والإبلاغ عنها وتوعية النساء بضرورة الإفصاح عن حالات العنف إلى جانب فرض عقوبات أشد على مرتكبي حالات العنف ضد النساء للقضاء على هذه الجرائم الصامتة.
مع هذا الواقع الحاصل بتنا نشاهد جرائم جديدة بحق الطفولة وسمعنا عنها بكثرة خلال الفترة السابقة وهي جريمة إلقاء الرضع في الحدائق أو في الشوارع أو على أبواب البيوت والمستشفيات.. كذلك موضوع تعذيب الأطفال واختطافهم وقصة الطفلة جنى استنابولي لازالت شاهدة على الإجرام بحق الطفولة والأطفال والتي وجدت مقتولة بعد خمسة أيام من اختطافها بحمص. وهذه عينة لما نشرته صفحة وزارة الداخلية خلال فترة قصيرة جدا لا تتجاوز الشهر عن جرائم بحق الطفولة:
* القبض على امرأة في حلب تقوم بتعذيب وحرق ابنة زوجها.
* العثور على الطفلة (جوى استانبولي) مقتولة ومرمية في مكب نفايات تل النصر في حمص .
*أقدم على تعـذيب ولده وحـرق جسده ولسانه ومركز شرطة القطيفة يلقي القبض عليه.
*أقدمت على تعنيف ابن زوجها الطفل ذي الثلاثة أعوام و رميه من سطح المنزل.. وتركه بدون علاج حتى فارق الحياة.
هي مجموعة من المشكلات والجرائم التي ترتكب بحق الأسرة والمرأة والطفل.
الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو نشر قصة قصيرة قال فيها: كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكفّ عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي خريطة العالم، ومزقها إلى قطع صغيرة، وقدمها لابنه، وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد لقراءة صحيفته ظنا منه أن الطفل سيبقى مشغولاً بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة، فتساءل الأب مذهولاً: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! رد الطفل قائلاً: لا؛ لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم.
هي عبارة عفوية، ولكنها عميقة ويجب الوقوف عندها كثيراً وهي أنه عندما نعيد بناء الإنسان فالنتيجة ستكون بناء العالم.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة