الرئيسية » السياحة و التاريخ » حروب الدولة العربية مع إسرائيل (1948-1982)

حروب الدولة العربية مع إسرائيل (1948-1982)

ألبير داغر

 

[هذا المقال مدخل تاريخي إلى بحث للكاتب في سلسلة مقالات يتناول تجربة وسياسات الدول العربية في الصراع مع إسرائيل وسبل النهوض بتنمية القدرات في مواجهة الخطر الإسرائيلي]

 

كانت الدول العظمى قد أرست في نهاية الحرب العالمية الأولى، قبل نشوء دولة إسرائيل بعقود، سلاماً في الشرق الأوسط قال عنه الباحث فرومكين إنه «من النوع الذي يقطع الطريق على أي سلام». وقال باحثون آخرون إن الكيانات العربية التي وُلدت جاءت إلى الحياة وهي بحالة حرب منذ اليوم الأول لولادتها (هينبوش، 2017: 594). ويضعون في رأس قائمة الأسباب عدم اقتناع سكان هذه الكيانات بالحدود التي رُسمت لها، وخصوصاً نزعة التوسّع والاستيلاء على أراضي الغير (irredentism)، وأوّل المتسبّبين بها «دولة إسرائيل». وسوف تشهد حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية نشوب خمسة حروب كبرى بين العرب وإسرائيل. وأفضت الحرب التي خاضتها إسرائيل مع الجيوش العربية عام 1948 إلى قيام «دولة إسرائيل». وكان لدى هذه الأخيرة أكثر من سبب للدخول في حروب أخرى مع العرب لأنها كانت محاصرة ببيئة معادية، ولأنها لم تتمكّن من ضمّ الجزء من أرض إسرائيل التوراتية الممثّل بالضفة الغربية. وتمثّلت الحرب الثانية بين الطرفين بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والذي تشاركت فيه إنكلترا وفرنسا وإسرائيل، وكان الهدف منه معاقبة عبد الناصر على تأميم قناة السويس. وقد أدّى تدخّل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مجتمعين إلى وقف العدوان وفرض الانسحاب على القوى المعتدية. ومنح ذلك عبد الناصر نصراً سياسياً كبيراً. وأدّى ذلك إلى تبوّئه قيادة العالم العربي تحت شعار القومية العربية حتى 1967.

وشكّلت حرب 1967 هزيمة ساحقة للعرب عبر احتلال سيناء العائدة لمصر وهضبة الجولان العائدة لسوريا والضفة الغربية التي كانت موضوعة تحت سلطة ملك الأردن. وجعل النصر الساحق الذي حققته إسرائيل على العرب هؤلاء الأخيرين يتحضّرون لاستعادة أرضهم بالقوة. وهو ما أفضى إلى حرب 1973. وهي لم تجعل العرب يستعيدون بالحرب شبراً واحداً من أرضهم المحتلّة، لكنها أفسحت المجال لتوقّع مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل استعادت بموجبها صحراء سيناء. وجعلت انتصارات إسرائيل المتتالية التيار داخل إسرائيل الذي يرغب باحتلال المزيد من الأراضي العربية يمسك السلطة. وكان من شأن ذلك غزو إسرائيل للبنان عام 1982.

وعام 1948 دخلت ألوية من جيوش مصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان إلى فلسطين. ولم تحصل مواجهة فعلية بينها وبين الميليشيات التي ستصبح جيش إسرائيل. وانتهى الأمر باتفاقية هدنة رسمت الحدود بين دولة إسرائيل التي نشأت للتو على 78 % من الأراضي التي كانت تحت سلطة الانتداب الإنكليزي وبين الضفة الغربية والقدس الشرقية التي أُلحقت بالأردن وقطاع غزة الذي أُلحق بمصر. وطردت إسرائيل 700 ألف فلسطيني من أرضهم.

وعام 1956 لم يتجاوز أمد المواجهة العسكرية بضعة أيام. ولم يوضع الجيش المصري أمام اختبار فعلي لقوته العسكرية. وذلك بسبب تدخّل القوتين العظميين اللتين سارعتا إلى التدخّل وإيقاف الحرب.

وكانت حرب 1967 هزيمة ماحقة للدول العربية. وتصنّف الأدبيات المتخصصة هذه الحرب في خانة الحروب المتعمّدة (wars of choice) من جهة إسرائيل وليس فقط نتيجة شعور هذه الأخيرة بعدم الأمان (wars of vulnerability) (المصدر نفسه: 597). وقد أرادتها إسرائيل لاحتلال مزيد من الأراضي وضمان أمنها الإستراتيجي. ويعزو الباحثون نشوبها إلى المزايدة القومية العربية بين النظام في سوريا آنذاك وبين نظام عبد الناصر حول مَن هو الأكثر التزاماً بقضايا العرب المشتركة وأولها قضية فلسطين. وهي أنظمة لم تكن تمتلك شرعية التفويض الديموقراطي ولا تمتلك شرعية يوفرها التقليد في الأنظمة الملكية، بحيث لم يكن لديها سوى المزايدة في موضوع القومية العربية لاكتساب الشرعية (المصدر نفسه: 595).

وقد اندفع عبد الناصر إلى اتخاذ إجراءات منها الطلب إلى الأمم المتحدة سحب قواتها من سيناء وإقفال مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية. وأعطى ذلك الحجة لإسرائيل لإشراع حرب خاطفة حققت فيها نصراً حاسماً في أيام معدودة. وهناك الآن شبه إجماع لدى الباحثين حول الملابسات التي أدت إلى اندلاع الحرب. ويُقال إن عبد الناصر أراد الاستفادة من حالة التأزيم التي خلقتها إجراءاته من دون أن تكون له أية نيّة بالحرب. أي إنه أراد الحصول على نصر سياسي كما في عام 1956 من دون خوض حرب. وهو كان قد أبلغ الأميركيين بأنه لن يكون البادئ بالحرب (المصدر نفسه: 601). ويضيف المتابعون بأنه استند إلى تأكيدات وزير الدفاع شمس الدين بدران بأن السوفيات سوف يتدخّلون لمساعدته. في حين أن تقارير سفير مصر في الاتحاد السوفياتي، مراد غالب، كانت تقول العكس تماماً. ويقدّم المتابعون سبباً إضافياً لعدم الجهوزية للحرب هو أن ثلث الجيش المصري وقطعاته المتمرّسة كانت موجودة في اليمن. ولعل الأهم من كل ذلك هو حالة الجيش المصري تحت قيادة عبد الحكيم عامر. ولم يكن الجيش يخضع لسلطة عبد الناصر بعد أن استقل بقيادته المشير عامر وضباطه. وأصبح الجيش في ظل تلك القيادة متخلّفاً إلى أبعد الحدود على صعيد التدريب والكفاءة والجهوزية. ولم يمانع عبد الناصر في إطلاق صفة الانكشارية على الضباط المحيطين بعامر (منصور، 2008). ويقدّم الباحثون سبباً رئيسياً للفشل على الجبهة السورية هو عمليات التطهير المتتالية في صفوف الضباط السوريين على امتداد الستينيات التي أفرغت الجيش من كادره العسكري، بالإضافة إلى الضعف الشديد في التدريب والتجهيز (هينبوش، 2023: 100).

شعور إسرائيل بتفوّق عسكري كبير منحتها إياه حرب 1967 جعلها غير موافقة على أي صلح شامل مع العرب

 

ويرى الباحثون أن حرب 1967 كان يمكن أن تؤدي إلى سلام بين العرب وإسرائيل على قاعدة «الأرض مقابل السلام». وهو ما نصّ عليه قرار الأمم المتحدة الرقم 242. وجاء مشروع روجرز بعد ذلك ليؤكّد الشيء ذاته. وقدّم السوفيات مشروعاً مشابهاً عام 1973 (المصدر نفسه: 101). لكن شعور إسرائيل بتفوق عسكري كبير منحتها إياه حرب 1967 جعلها غير موافقة على أي صلح شامل مع العرب. وعلى مدى حقبة 1967-1973 كان العرب يتأكدون كل يوم أكثر أن إسرائيل لا تريد صلحاً. ولعب كسينجر الذي أصبح وزير خارجية أميركا عام 1973 بعد أن كان مستشاراً للأمن القومي دوراً مباشراً في امتناع إسرائيل عن قبول القرار 242، وفي امتناع أميركا عن الضغط عليها لهذه الغاية. ولم يبق للعرب غير الإعداد للحرب لاستعادة أرضهم.

وخلال حقبة 1967-1973 عملت مصر وسوريا على إعادة بناء جيشيهما اللذين تحطما في حرب 1967. وشكّل «المثلّث العربي» الممثّل بمصر وسوريا والسعودية التي قدّمت التمويل، تجربة جديدة في التعاون العربي بهدف التصدي لإسرائيل. وكان الهدف الذي توافقت عليه مصر وسوريا هو استعادة أجزاء استراتيجية من الأراضي التي احتُلّت عام 1967 والحفاظ على الخطوط الجديدة للجبهة بحمايتها بالأسلحة المضادة للدروع من هجمات المدرعات وبصواريخ أرض-جو (سام) من هجمات الطائرات.

وظهر التباين في الأهداف بين مصر وسوريا منذ مطلع الحرب. وقد أعلم السادات كسينجر قبل الحرب أن أهدافها ستكون محدودة. وعبر الجيش المصري إلى شرق القناة وتحصّن في المواقع التي احتلها ولم يعد يتحرّك طوال أسبوع. وأعطى ذلك الإمكانية لإسرائيل لكي تُمضي أياماً عدّة في التصدي للهجوم السوري في الجولان وجعل الجيش السوري ينكفئ قبل أن تعود وتتفرّغ للجبهة المصرية (المصدر نفسه: 103).

وكان الجيش السوري قد حقّق اختراقاً على جبهة الجولان بعمق 35 كلم في مطلع الحرب. واضطر بعد ذلك إلى التراجع والتخلّي عن الأراضي التي كان قد كسبها أمام مدرعات وطيران العدو. ولم تكتف إسرائيل بذلك بل بدأت بتهديد دمشق وتدمير المنشآت الحيوية السورية. وهو ما استدعى أن يهدد الاتحاد السوفياتي بالتدخّل مباشرة على الأرض (المصدر نفسه: 105). وجارته الولايات المتحدة في رفض استمرار الحرب. وصدر القرار 338 عن مجلس الأمن بمضمون هو نفسه مضمون القرار 242.

ويفاجأ الباحث بكمّ الحقد الذي كان يحمله السادات على السوريين والذي كان يعبّر عنه رفضه الأخذ في الحسبان لمطلق اعتراض يبدونه، وبنقضه لأي التزام كان قد سبق الاتفاق معهم عليه (المصدر نفسه: 107-108). وقد قرّر تحريك الجيش المصري المتحصّن شرق القناة مخافة أن تلحق هزيمة بسوريا تجعله وحيداً بعد الحرب وتُضعف موقفه في المفاوضات. وحقق الجيش الإسرائيلي بدوره اختراقاً على جبهة السويس وانتقل إلى الضفة الأخرى للقناة. الأمر الذي جعل الجيش الثالث المصري محاصراً في سيناء. وجاء صدور قرار مجلس الأمن الرقم 338 ليضع خاتمة للمعارك على جبهتي سوريا ومصر ويوقف الحرب.

وقد تولّى كسينجر المفاوضات بين المتحاربين في حرب 1973 وبعدها. وبدل أن يكون موضوع التفاوض هو تطبيق القرار 338، جعل كسينجر موضوع المفاوضات فك الارتباط بين الجيوش المتحاربة والاتفاق على المناطق المنزوعة السلاح. واعتبر نفسه غير معنيٍّ بتطبيق القرارين 242 و 338. وكان همّه جرّ مصر إلى صلح منفرد مقابل التخلي عن سيناء وعدم إيلاء أية أهمية لمطالب السوريين والفلسطينيين. وحصل السوريون على بضعة تنازلات منها استعادة القنيطرة لتسهيل سير المفاوضات مع مصر (المصدر نفسه: 109).

ولعب حصار الجيش الإسرائيلي للجيش الثالث المصري في سيناء دوراً كبيراً في إضعاف موقع مصر كمفاوض. وأمّن توقيع اتفاقية سيناء الثانية للفصل بين الجيشين المصري والإسرائيلي الضمانة لإسرائيل بأن مصر لن تلجأ مجدداً إلى الحرب إذا تعثّرت المفاوضات. وأمّنت الاتفاقية في نهاية المطاف إخراج مصر بالكامل من معادلة توازن القوى بين العرب وإسرائيل.

وبتجاهل الولايات المتحدة لضرورة تحقيق تسوية مقنعة مع سوريا ومع الفلسطينيين، وبتوفيرها أسلحة لإسرائيل جعلتها متفوقة على العرب على هذا الصعيد، وبتحييد الجبهة الجنوبية عبر إخراج مصر من معادلة توازن القوى الشرق أوسطية، كانت توفر الشروط لإشراع إسرائيل حربها الخامسة مع العرب عبر غزوها للبنان عام 1982. وبات السير نحو هذه الحرب حثيثاً مع تبوّؤ «الليكود» سدة الحكم وتشكيل وزارة برئاسة بيغن وعضوية شارون وشامير. وكان الهدف منها تدمير آلة الحرب الفلسطينية وإزالة التهديد الذي تمثّله منظمة التحرير الفلسطينية (المصدر نفسه: 112).

واضطرت إسرائيل إلى الانسحاب من بيروت ومن باقي الأراضي التي احتلتها تحت وطأة العمليات الانتحارية التي قام بها المقاومون في بيروت وفي الجنوب. واضطرت بعد 18 عاماً إلى الانسحاب من الشريط الحدودي الذي كانت قد أوكلت إلى ميليشيات محلية إدارته تحت وطأة ضربات حزب الله. وهي كانت قد حققت مرادها بإخراج منظمة التحرير من لبنان. لكن غزوها للبنان كان السبب في تشكّل المقاومة الممثلة بـحزب الله الذي أجبرها على الخروج بالكامل من لبنان بعد أقل من عقدين.

* أستاذ جامعي

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

موضوعات وقضايا مختلفة ناقشها مجلس ادارة غرفة سياحة طرطوس 

      عقد مجلس ادارة غرفة سياحة طرطوس اجتماعه الدوري ظهر اليوم في مقر الغرفة الكائن حالياً ضمن بناء غرفة تجارة وصناعة طرطوس برئاسة ...