محمد نور الدين
ينعقد في مدينة إسطنبول، اليوم، اجتماع هو الأول من نوعه لوزراء المواصلات في كلّ من: العراق وتركيا وقطر والإمارات، للتباحث في شأن الخطوات التنفيذية لمشروع «طريق التنمية» الذي يُفترض أن يبدأ من ميناء البصرة، وصولاً إلى الحدود التركية، ومنها عبر تركيا إلى أوروبا. ورأى وزير المواصلات التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أن «تنفيذ المشروع يجعل هذه الدول أكثر اندماجاً في نظام المواصلات العالمي، ويقدّم خيارات جديدة بالكامل لنقل البضائع»، مضيفاً أن بلاده «تعمل على شقّ طريق بري سريع جديد، فضلاً عن العمل على إنشاء خطوط سكك حديد من الحدود البلغارية إلى الأناضول عبر جسر السلطان سليم على البوسفور». وكان بروتوكول تنفيذ مشروع «طريق التنمية» قد وُقّع في بغداد، في الـ 22 من نيسان الماضي، بين كلٍّ من: وزراء النقل التركي والعراقي والقطري والإماراتي، وهو يتضمّن إنشاء طريقَين: أحدهما برّي، وآخر سكة حديد، من ميناء الفاو إلى الحدود التركية بطول 1200 كيلومتر، ومنها عبر تركيا إلى أوروبا. ووفق أورال أوغلو، فإن «الطريق سيكون باباً جديداً للتجارة الإقليمية، وسينخفض الوقت عبره بالمقارنة مع قناة السويس بمقدار أسبوعين».ويأتي اجتماع إسطنبول بعد أيام قليلة على الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لآذربيجان، وحديثه من هناك عن العمل على إقامة «طريق شمال – جنوب» من روسيا إلى آذربيجان، ومنها إلى إيران فالشرق الأقصى. ويحيي الاجتماع المرتقب، معطوفاً على كلام بوتين، واتفاق «الممر الهندي» الذي أُعلن عنه العام الماضي، وقبله مشروع «الحزام والطريق» الصيني، الحديث عن «حروب الممرات» التي احتدمت في السنوات الأخيرة، وكلّها تبدأ من الشرق الأقصى في الصين والهند، وتَعبر الشرق الأوسط، وتنتهي في أوروبا.
وفي هذا الجانب، يقول محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييات»، إن «النتيجة الأكثر أهمية لزيارة بوتين هي اتفاقية الممر بين الشمال والجنوب (يمرّ عبر الهند وإيران وآذربيجان وبحر قزوين وروسيا)، والتي تستهدف مواجهة مساعي الولايات المتحدة لمحاصرة سياسة الطاقة الروسية، ونقل الغاز الروسي إلى آذربيجان. وهذا يعني طريقاً جديداً لموسكو لتصدير الغاز بشكل غير مباشر إلى أوروبا. وبطبيعة الحال، فإن حجم خطَّي TAP وTANAP الحاليَّين غير كاف، ولكن الصيغة التالية مدرجة على جدول الأعمال: آذربيجان، التي تنتج ما يقرب من 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي وتستخدم نصفه محليّاً، ستستخدم الغاز الذي ستشتريه من روسيا محليّاً، وتبيع ما تنتجه لأوروبا: هذا مربح للجانبَين!». ويتابع غولر: «كجزء من الاتفاقية، ستقوم الدولتان أيضاً بإنتاج السفن بشكل مشترك. وسيعمل البلدان، اللذان سيبنيان ناقلات النفط الحديثة وسفن الغاز الطبيعي المسال، على زيادة التجارة في كل من البحر الأسود وعلى طريق قزوين – آزوف عبر قناة الفولغا – دون».
ثمّة ما يشير إلى أن باكو وافقت على التخلّي عن إقامة «ممر زنغيزور»
وفي هذا السياق، ظهر، منذ بعض الوقت، ومن أجل تسهيل وصول آذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق سلام، ما يشير إلى أن باكو وافقت على التخلّي عن إقامة «ممر زنغيزور» من نخجوان الآذربيجانية على الحدود التركية، مروراً بأراضي أرمينيا، وصولاً إلى آذربيجان، علماً أن يريفان لا تحبّذ المضيّ في هذا المشروع كونه يمسّ سيادتها. وربّما تكون باكو قد تخلّت عن الفكرة بعدما تعرّضت علاقاتها مع أنقرة لانتكاسة، على خلفية تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عن أنه سيدخل إسرائيل كما دخل قره باغ وليبيا. ويعني هذا أن «الممر التركي» (زنغيزور) الذي تتطلّع إليه أنقرة قد لا يُبصر النور، وخصوصاً أن إيران تعارضه أيضاً بشدة، لأنه يقطع طريقها البرّي مع أرمينيا. كذلك، فإن باكو، وكردّ على تصريحات إردوغان، تريد أن تتعاطى مع يريفان بشكل ثنائي فقط خارج تدخّل أيّ طرف ثالث، والمقصود هنا تركيا.
وممّا يذكره غولر، أن موسكو وباكو وافقتا على إلغاء فكرة «ممر زنغيزور» حتى لا يكون ذريعة لمزيد من التدخلات الأجنبية في القوقاز. ولا شكّ في أن الاتفاق على «ممر شمال – جنوب»، سيعرّض خطط الولايات المتحدة لعرقلة طريق الحزام الصيني عبر الممر التركي – الآذربيجاني، للفشل. ويُعدّ الاتفاق مهمّاً أيضاً لإيران التي سترغم تركيا، في حال مضيّها في طريق بري وسكة حديد إلى آسيا الوسطى، على المرور في الأراضي الإيرانية. ويكتسب الممرّ الروسي – الآذربيجاني أهمية إضافية في ظل الغموض الذي بات يحيط بـ»الممر الهندي» عبر الخليج وإسرائيل، بفعل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى»، علماً أنّ أيّ تراجع في خطط «الممر الهندي» سيصبّ في مصلحة «طريق التنمية».
من هنا، فإن الظروف السياسية والأمنية تمنح «طريق التنمية» امتيازاً جديداً، شرط توفير الأمن له داخل العراق وسوريا وتركيا، وهو أمر لا يمكن الجزم بتوفره، في ظل استمرار المشكلة الكردية والوجود العسكري الأميركي في العراق والقطيعة بين تركيا وسوريا. ومع ذلك، فإنه بعد «طيّ صفحة» «الممر التركي» (زنغيزور)، ستحاول أنقرة التمسّك بفرصة «طريق التنمية»، الممرّ الأخير المتاح نظرياً لها حتى الآن
سيرياهوم نيوز١_الأخبار