- وليد شرارة
- الخميس 12 تشرين الثاني 2020
يبدو واضحاً أن النواة الأيديولوجية ــــ العقائدية النافذة في إدارة دونالد ترامب، تسعى إلى دفع الأخيرة إلى ما لم تستطع دفعه إليه خلال السنوات الأربع الماضية. محاوِلةً استغلال الرغبة في الانتقام، واستثارة الميل إلى دخول التاريخ بخطوة مزلزلة، تجهد تلك النواة في دفع ترامب إلى إجراءات غير محسوبة ضدّ إيران. على أن الطموحات السياسية للرئيس المنتهية ولايته، فضلاً عن عوامل أخرى في مقدّمها علاقة «الحلفاء» بالإدارة الجديدة، تجعل من الصعب إلى الآن، نظرياً، الخوض في معترك من هذا النوع
التقدير الدقيق لميزان القوى يحدّ من حماسة إسرائيل لـ «المعركة الفاصلة» في الظروف السائدة حالياً
أول الاعتبارات التي ستحكم قرارات ترامب حيال إيران في الفترة المتبقية له في البيت الأبيض، هي تلك الانتخابية التي طغت دائماً على أيّ حسابات أخرى، قبل وجوده في السلطة وخلاله. إذا كان ينوي الترشّح مجدّداً للرئاسة عام 2024، حسب المعلومات الواردة من الولايات المتحدة، فمِن غير المرجّح أن يقدِم عن سابق تصوّر وتصميم على الاندفاع نحو مغامرة مرتفعة المخاطر والأكلاف ضدّ إيران. فالقسم الأغلب من الـ 71 مليون أميركي الذي صَوّتوا لمصلحته في الانتخابات الأخيرة، على رغم قناعاته العنصرية وكراهيته المنقطعة النظير للمسلمين ولإيران وانحيازه العقائدي إلى إسرائيل، لا يرغب في رؤية الجيش الأميركي يدخل حرباً جديدة باهظة الأثمان بعيداً عن الديار. المفارقة التي يأخذها ترامب بعين الاعتبار هي أن أميركا العنصرية والمتغطرسة الموالية له، هي إياها التي تريد عودة الجنود الى البلاد من مسارح كأفغانستان والعراق وسوريا وعدم الغرق في نزاعات إضافية. فتح معركة مع إيران، وما قد يترتب عليها من نتائج وخيمة، سيفضيان إلى تقويض فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية بعد 4 سنوات، لأنه سيَحمل مسؤولية هذه النتائج. علاوة على ذلك، فإن ترامب مدرك أن أجندته الشخصية تختلف جذرياً عن الأجندة الأيديولوجية والعقائدية لـ”حزب الحرب”، كما أشار جون بولتون في كتابه الأخير، وأن هذا الحزب لا يأبه لمستقبله السياسي بقدر تمسّكه بتحقيق غايات يراها بعض أقطابه صناعة للتاريخ، وبعضه الآخر إنفاذاً لتكليف ربّاني. سيستمرّ أقطابه في الدفع نحو تشدّد أعلى مع إيران، وسيتجاوب ترامب مع “نصائحهم” وتوصياتهم طالما تَعلّق الأمر بإجراءات عقابية جديدة، تؤدي إلى تعقيد مهمة الإدارة الديموقراطية في سياستها تجاه طهران، وتُشبع رغبته في الانتقام من الأخيرة التي لم تقبل عروضه لـ”صفقة” معها حسب شروطه. لكن، إن هو عَدَل عن مخطّطاته المستقبلية بشكل مفاجئ خلال الشهرين المقبلين، وغَضّ النظر عن الترشّح في المستقبل، وهو ليس بالاحتمال المستحيل مع شخصية غير مستقرّة مثل ترامب، يصبح خطر المبادرة إلى الحرب، أو الانزلاق إليها بسبب خطوة غير محسوبة، كبيراً. في حالة العزوف عن طموحاته الانتخابية، سيصغي على الأغلب إلى مَن يقول له إن التاريخ سيحفظ اسمه على أنه الرئيس الأميركي الذي أنقذ إسرائيل عبر تدمير ألدّ أعدائها.
طرف آخر ينبغي الالتفات إلى دوره في هذه المرحلة الحساسة، وهو رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، صاحب التأثير الهائل على ترامب وفريقه. لا شكّ في أنه، والقيادة العسكرية والسياسية الصهيونية، في حالة هلع حقيقية أمام عملية تطوير القدرات العسكرية والصاروخية لأطراف محور المقاومة، وفي القلب منه إيران. حالةٌ ضاعفها عجزهم عن وقف تلك العملية بـ”عمليات ما دون الحرب” وسياسة “الضغوط القصوى” التي استلهمها “حزب الحرب” الأميركي منهم. هم طبعاً يَتمنّون أن تُحوِّل القوة النارية الأميركية محور المقاومة إلى ركام، غير أن التقدير الدقيق لميزان القوى ولقدرات محور المقاومة على التصدّي للعدوان، وافتقادهم إمكانية تأمين حماية فعّالة للعمق الإسرائيلي من الصواريخ الدقيقة والمُوجّهة، هي عوامل قد تحدّ من حماستهم لـ”المعركة الفاصلة” في الظروف السائدة حالياً. الأمر نفسه ينسحب على المشيخات والممالك الخليجية الهشّة، التي لن تحوّل صفقات طائرات “إف – 35” دون صيرورة مرافقها وبناها التحتية رماداً في حال “فَتْح أبواب جهنم”. علاوة على ذلك، فإن مشاركة الإسرائيليين وبعض الأنظمة الخليجية في التحريض على ضرب إيران خلال الفترة الممتدّة إلى العشرين من كانون الثاني المقبل ستكون له انعكاسات غاية في السلبية على علاقاتهم مع إدارة جو بايدن، التي تَعتبر أن أيّ تصعيد يصل إلى الحرب مع إيران هدفه الأول، من منظورها، السعي إلى إدخالها في مآزق، والعمل على إفشال سياساتها منذ اليوم الأول من وصولها إلى سدّة القرار. انحاز هؤلاء لترامب علناً خلال الحملة الانتخابية، لكن مشاركتهم في استراتيجية تخريبية ضدّ الإدارة الجديدة ستكون لها أكلاف بالنسبة إليهم لا يستطيعون تجاهلها مع دولة كالولايات المتحدة. جميع هذه المعطيات تسهم في تعقيد المشهد، وكذلك محاولات استشراف الخيارات التي سيأخذ بها ترامب، لكن الأكيد هو أن المؤشر الأهم الذي قد يتيح إدراكها هو معرفة إذا كان مصرّاً على الترشّح مستقبلاً أو مستعدّاً للعزوف عن ذلك.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)