يبدو المشهد مريحاً جداً ومشجعاً بالنسبة إلى حزب الله وحلفائه في الانتخابات النيابية المنتظرة.
في خطاب إعلان المرشحين للانتخابات النيابية اللبنانية، قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إنَّ هناك إمكانية لتقسيم “اللوائح إلى لائحتين” في بعض الدوائر. وتشير المعلومات في هذا السياق إلى توجّه شبه نهائي لتشكيل حزب الله وحركة أمل من جهة، والحزب والتيار الوطني الحر من جهة أخرى، لائحتين منفصلتين في دائرة بعبدا ودائرة جزين – صيدا، على غرار تنسيق التيار الوطني الحر و”الطشناق” في المتن الشمالي (وربما دائرة بيروت الأولى) لتشكيل لائحتين بدلاً من اللائحة الواحدة، وهو ما يمكّنهم من الفوز بعدد أكبر من المقاعد النيابية، بموازاة قطع الطريق على من يعدّون العدّة لمهاجمة التيار الوطني الحر في حال تحالفه مع حركة أمل.
وتشير الأرقام إلى امتلاك التيار الوطني الحر في دائرة بعبدا أكثر من 16 ألف صوت، إضافةً إلى 1000 صوت غير “عونيّ” على الأقل للمرشح الماروني الثاني في اللائحة العونية، بموازاة 2000 صوت على الأقل من الطائفة الدرزية لحليف التيار الأرسلانيّ الذي سيترشح إلى جانبه، فيما يستطيع حزب الله تجيير نحو 2000 صوت لهذه اللائحة، وهو ما يعزز حظوظها بالفوز بمقعدين مارونيين، بموازاة فوز لائحة الثنائي بمقعدين شيعيين.
وفي صيدا – جزين، يحتاج التيار إلى ترتيب العلاقات المتوترة جداً في بيته الداخلي أولاً، إذا كان مرشحه الأساسي (زياد أسود أو أمل أبو زيد) يريد الحصول فعلاً على جميع الأصوات العونية التي تقدّر بأكثر من 12 ألف صوت، ثم الالتفات ثانياً إلى الشريك الشيعي في قضاء جزين نفسه، قبل إيجاد حلول ثالثاً مع المرشحين في قضاء صيدا الذين لديهم ملاحظاتهم أيضاً، وهي 3 مهام صعبة محكومة بالوقت الضيّق من جهة، والكبرياء العوني من جهة ثانية.
ومع ذلك، تشير الأرقام إلى قدرة حركة أمل على تشكيل لائحة مع شريك صيداوي مقرب من النائب بهية الحريري تؤمّن – بدعم محدود من حزب الله – حاصلين انتخابيين، وقدرة التيار الوطني الحر على تشكيل لائحة ثانية مع شريكين صيداويين تؤمّن – بدعم من حزب الله – حاصلين انتخابيين.
هذا السيناريو المثاليّ يحتاج إلى جهد كبير في إدارة الماكينة الانتخابية بدقة فائقة من قبل حزب الله، وجهد كبير مماثل من التيار الوطني الحر لتدوير الزوايا الحادة، وجهد كبير ثالث من حركة أمل لضبط إيقاع الخلاف التاريخي مع التيار في هذه الدائرة.
وبموازاة حلّ معضلة حركة أمل والتيار الوطني الحر في هاتين الدائرتين، حسم حزب الله إعطاء التيار الوطني الحر، لا حركة أمل أو الحزب القومي أو غيرهما من حلفائه، المقعد الماروني في دائرة راشيا – البقاع الغربي، والمقعد الكاثوليكي في دائرة بعلبك – الهرمل، والمقعد الإنجيلي في دائرة بيروت الثانية.
والحديث هنا عن تحالف بين أمل والتيار الوطني الحر هو محض نفاق وخداع للناخبين، إذ لا يملك الناخب المسيحي في هذه الدوائر حجماً انتخابياً يسمح له بفرض معادلات انتخابية أو سياسية. وبالتالي، لن يحصل التيار بكل بساطة على المقاعد التي كانت ستذهب إلى حركة أمل والحزب القومي وحزب البعث، لو لم يقرر حزب الله (بموافقة من الرئيس نبيه بري) احترام التمثيل المسيحي، بمعزل عن قدرة المسيحيين الانتخابية، وهو ما يتطلّع التيار إلى شموله مقاعد إضافية مستقبلاً، مثل المقعد الكاثوليكي في الزهراني.
إضافةً إلى ما سبق، يشكّل الحزب والتيار لائحة مشتركة في زحلة، ولائحة مشتركة في جبيل – كسروان، من دون أن يتبين مصير كلّ من رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف والنائب فريد هيكل الخازن بعد، إذ سيمثّل سقوطهما عثرة غير موفقة سياسياً لفريق حزب الله السياسيّ الواسع، رغم مواقفهما التصعيدية الدائمة ضد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وذلك بموازاة أداء الحزب دور الميسّر بين حلفائه في دائرة الشوف – عاليه ودائرة عكار، واستنفار ماكينته لرفد لوائح التيار الوطني الحر بما يمكن تأمينه من أصوات في دائرتي المتن الشمالي والشمال الثالثة.
والواضح مما سبق أنَّ الأولوية عند حزب الله بعد الاتفاق مع حركة أمل كانت تعزيز التيار الوطني الحر ودعمه على حساب الأقربين قبل الأبعدين من حلفائه، فقد ارتضى انتقال المقعد الكاثوليكي شبه المطوّب للحزب القومي في بعلبك الهرمل إلى التيار الوطني الحر، وأبقى المقعد الإنجيلي في بيروت بعهدة التيار، رغم المطالبة القومية به والإصرار الأرسلاني على تجيير فائض الأصوات الشيعية إلى مرشح أرسلانيّ مفترض عن المقعد الدرزي بدل الإنجيلي، وإسقاطه مع الوزير السابق حسن مراد كلّ الطبخات “الفرزلية” لإقصاء العونيين عن التمثيل في البقاع الغربي، مع العلم أنَّ المقاعد المحسومة 100% اليوم بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، هي: مقعد في عكار، مقعد في دائرة الشمال الثالثة، مقعد في جبيل، مقعد في كسروان، مقعدان في المتن، مقعد في بعبدا، مقعد في عاليه، مقعدان في الشوف، مقعد في بيروت الأولى، مقعد في بيروت الثانية، مقعد في جزين، مقعد في البقاع الغربي، مقعد في البقاع الأوسط، مقعد في البقاع الشمالي.
وبذلك، يكون المجموع المضمون 100% هو 16 مقعداً، يضاف إليها مقعد حليف للعلويين في عكار، ومقعدان للطشناق، فيما ينافس التيار بشراسة للفوز بمقعد إضافي في كل من دائرة الشمال الثالثة، وكسروان، والمتن، وبعبدا، والشوف، وجزين.
وتكون النتيجة بعد 3 سنوات من الحرب الإعلامية والسياسية الضروس فوز تكتل لبنان القوي الحتمي بـ19 مقعداً، مع إمكانية ارتفاع العدد ليصل، نتيجة التحالفات الخاصة في كل قضاء، إلى 25. الثابت هو 16 من دون حلفاء، 19 مع الطشناق والعلوي، 25 كأقصى حد، وهو ما يمثل اليوم إحباطاً ما بعده إحباط للسفارات، وهزيمة ما بعدها هزيمة لهؤلاء.
وإذا كان الحزب قد اطمأنّ 100% إلى النتيجة التي سيحققها التيار الوطني الحر بعد كل الحملة الشعواء عليه، فإنه انتقل اليوم ليثبت أمر واقع جديداً على مستوى التمثيل النيابي السني، مستفيداً من ثبات حلفائه ومن الفراغ الذي يخلفه انسحاب تيار المستقبل، إذ تشير المعلومات إلى ترتيب الحزب أولوياته كالتالي: التمثيل الشيعي أولاً، حليفه المسيحي ثانياً، تعزيز تمثيل حلفائه في الطائفة السنية ثالثاً، وتحقيق تقدم محدود على مستوى التمثيل الدرزي رابعاً.
ومن بيروت، حيث تشكل جمعية المشاريع لائحة لوحدها، فيما يشكل حزب الله وحركة أمل لائحة لوحدهما (كما في جزين – صيدا وبعبدا)، إلى عرسال، حيث اختار الحزب مرشحاً قوياً في لائحته لديه تمثيله وحضوره العرسالي، إلى صيدا التي يحظى رئيس بلديتها السابق عبد الرحمن البزري بحظوظ أولى من نوعها هذه المرة، في ظلّ الدعم المطلق من الحزب، إلى الشوف حيث يفترض أن يكون اللواء علي الحاج (نال في الانتخابات السابقة 3375 صوتاً، مقابل 2382 صوتاً لمرشح “التيار” عن المقعد السني طارق الخطيب)، المفاجأة الأهمّ عند إعلان نتائج الانتخابات، إلى عكار، حيث يفترض أن يكون المرشح عن المقعد السني محمد يحيى (نال 8144 صوتاً في انتخابات 2018، رغم كل النفوذ الحريري) أول الفائزين في لائحة التيار الوطني الحر وحلفائه، إلى طرابلس – المنية – الضنية، حيث تراهن جمعية المشاريع على الفوز بمقعدٍ هذه المرة، بعدما أُسقط مرشحها طه ناجي في انتخابات 2018، إضافة إلى النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد.. انطلاقاً من كل ذلك، يبدو المشهد مريحاً جداً ومشجعاً.
(سيرياهوم نيوز-الميادين5-3-2022)