عامر الطيب
قبل أن نودّعَ العام 2022، نقف في “الميادين الثقافية” عند أحوال الساحة الثقافية العراقية.. فكيف كان هذا العام؟
شهدَ العام 2022 أحداثاً ثقافيةً وفعاليات بارزة أعادت إلى العراق حضوره الثقافي المألوف لكن، في الوقت نفسه، خسرَ عدداً من المبدعين الأبرز والأكثر تأثيراً في المشهد، لا سيما ثلاثة من رواده يأتي في صدارتهم الشاعر العراقي مظفر النواب، ذلك المناضل الذي قطعَ رحلةً طويلةً عبر شعره ومنفاه ونضاله ليموت في 20 حزيران/يونيو غريباً في مستشفى في الإمارات عن عمر ناهز88 عاماً.
ألهمت قصائد النواب الأجيال اللاحقة، وظلت ترددُ على ألسنة الشباب؛ تعبيراً عن طموحهم الدائم بالتغيير ورفضهم الواقع السياسي، وليعيد، في جنازته، إلى المشهد، القضايا التي ناضل من أجلها مثل اليسار الوطني وقضية فلسطين.
أما الأغنية العراقية، ففقدت أحد أمهر صنّاعها، الموسيقي محسن فرحان الذي رحل عن عمر ناهز 75 عاماً، وهو الملحن العراقي الرائد الذي شكلت ألحانه ذائقة طربية خاصة، عرفت في ما بعد بـ”ذائقة السبعينيات”.
قدّم فرحان ألحاناً لأبرز الأصوات العراقية مثل حسين نعمة في أغنيتَي “غريب الروح”، و”قوم انتر الهيل”، وسعدون جابر في أغاني “عيني عيني” و”المطار” و”يا نجوى” و”انت العزيز تغيّرت”، بالإضافة إلى مطربين آخرين منهم فؤاد سالم وقحطان العطّار ورضا الخياط وحميد منصور وأنوار عبد الوهاب وكريم حسين وأمل خضير وغيرهم.
كما خسر العراق في العام 2022 الكاتب والمخرج فيصل الياسري، في عمّان، عن عمر ناهز 89 عاماً في 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
والياسري الذي شيّع في بغداد كتب القصة والرواية قبل أن يدخل عالم الفن ويخرج عدداً من الأفلام التسجيلية ونحو 10 أفلام روائية منها: الرأس (1976)، والنهر (1977)، والقناص (1979)، وبابل حبيبتي وغيرها.
“معرض العراق الدولي للكتاب”: بهجة الكتاب وحضوره
على مدار 3 سنوات، تصدّر “معرض العراق الدولي للكتاب” الذي تقيمه “مؤسسة المدى”، أبرز النشاطات الثقافية في بغداد، والذي يصادف عادةً شهر كانون الأول/أكتوبر من كل عام.
واستقطب المعرض هذا العام عدداً كبيراً من القراء والكتّاب والناشرين العراقيين والعرب ليقدمَ صورة لامعة عن العراق الثقافي، ويعيد إلى الأذهان دوره الريادي في الكتابة والقراءة.
في هذا السياق، تقول الصحفية العاملة في “دار المدى” رند الأسود في حديث مع “الميادين الثقافية” قائلة إن: “أهم ما يميز معرض العراق للكتاب هذا الموسم هو دورته التي حملت اسم الباحث والمفكر الكبير هادي العلوي، وكذلك ثيمة العودة إلى زمن الأبيض والأسود من الألوان إلى الديكورات التراثية وصور نجوم الزمن الجميل العراقيين والعرب”.
وتميزَ هذا العرس الثقافي أيضاً بمشاركة أكثر من 350 دار نشر عربية وأجنبية، إضافة إلى الندوات الثقافية التي امتدتْ طوال أيام المعرض باستضافة نخبة من الأدباء والنقاد والمؤرخين مثل محسن الرملي وعلي بدر، والعرب مثل بثينة العيسى وفراس السواح، والأجانب مثل الكاتب والناقد الياباني تسوموا أوكادا والكاتبة الألمانية هانا دوبغن، إضافة إلى “اليوتيوبر” وصانع المحتوى المصري أحمد الغندور (الدحيح).
ولم تخلُ أيام المعرض من الموسيقى إذ أقيمت حفلات غنائية للمطرب حميد منصور ومطربة المقام الأولى فريدة وبعض الفرق الأخرى.
وتضيف الأسود “كان التنظيم عالي الدقة، وهو ما أسعدَ زوّار المعرض الذين جاؤوا من جميع محافظات العراق لحضور هذا المحفل الثقافي الكبير في بغداد العلم والمعرفة”.
“نخيل عراقي” وأسبوع للسيّاب
مع مرورِ ما يربو على نصف قرن على غيابه، وبالتزامن مع ذكرى رحيله، خصصت “منظمة نخيل عراقي الثقافية”، وهي منظمة ثقافية وإعلامية مستقلة، خصصت أسبوعاً ثقافياً للشاعر بدر شاكر السيّاب، أحد أهم رواد الشعر العربي (19 – 24 كانون الأول/ديسمبر).
وتهدف هذه المبادرة إلى التشديد على الدور البارز للسيّاب في الثقافة العراقية، وتتضمن نشر نتاج السيّاب الشعري في جميع منصات “نخيل عراقي” لمدة أسبوع كامل، وأيضاً إعداد فيلم وثائقي قصير عن حياته، إضافة إلى نشر القصائد التي ترجمها السيّاب لشعراء عالميين، فضلاً عن عرض رسائل له تنشر لأول مرة حصلت عليها “نخيل عراقي”.
ويصرّح الشاعر غسان إسماعيل، وهو أحد محرري وكالة “نخيل عراقي” الإخبارية، إحدى منصات المنظمة: “إننا في نخيل مستمرون بتلك الفعاليات حتى يوم وفاة السيّاب في 24 كانون الأول/ديسمبر، وسيتضمن هذا الأسبوع جلسات للشعر الفصيح والشعبي وجلسات نقدية أيضاً. الأمر الذي تسعى عبره نخيل عراقي لإنعاش الثقافة العراقية بعد الركود الذي طالها”.
الشباب يصنعون مسرحهم
المسرح مرآة الشعوب التي تعكس تصوراتهم لا همومهم فحسب. ضمن هذه الرؤية، عرف جمهور المسرح العراقي عرض عدد من الأعمال الشبابية، وإقامة مهرجانات مسرحية استضافت عروضاً عربية وأجنبية.
ولعلّ من أبرز ما تم عرضه، ما قدمه المخرج العراقي تحرير الأسدي من تجربة مسرحية مغايرة بعنوان “تعويض”، وهي من تأليف الشاعر إيهاب شغيدل وتمثيل بهاء خيون وشاهندا وأمير إحسان.
واستمر عرض المسرحية على خشبة مسرح الرافدين لثلاثة أيام بدءاً من 3 كانون الأول/ديسمبر. وحاول العمل تسليط الضوء على الحياة العراقية عبر ثيمة تعويض السنوات التي لم تعش.
ويؤكدُ مؤلف العمل إيهاب شغيدل في تصريح لــــ “الميادين الثقافية” أننا “أردنا من خلال مسرحية تعويض البحث عن عمر العراقيّ المهدور، واستعادة العمر الذي ضاع من بين أيدينا من دون أن نحقق أدنى مستوى من العيش لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية”.
وأضاف “أعتقد أن المسرحية حققتْ مبتغاها كعملٍ فنيٍ، لقد بذل المخرج تحرير الأسدي كل ما بوسعه لتقديم عملٍ يليق بالجمهور العراقي. كما بذل الممثلون كل الطاقة والجهد من أجل إنجاح ذلك”.
سيرياهوم نيوز1-الميادين