| حسين ابراهيم
على رغم الرسائل الواضحة التي حملها الترحيب الفاخر بالرئيس الصيني، شي جين بينغ، في الرياض، والذي أُعدّ خصّيصاً، ومنذ وقت طويل، ليناقِض الاستقبال الباهت الذي لَقِيه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في جدة، في تموز الماضي، إلّا أن أيّ نقلة كبرى في العلاقات الصينية – السعودية، من النوع الذي يُخرج الأميركيين عن طورهم، لم يَجرِ تسجيلها واقعاً، على رغم ثبوت تنامي تلك العلاقات، وسلوكها مساراً تصاعدياً. ومع ذلك، فإن تأرجح أسعار النفط في منطقة مريحة نسبياً لواشنطن، ربّما يؤشّر إلى استمرار سريان الاتفاق الذي قيل إنه جرى التوصّل إليه سرّاً، ويقضي بمنح وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، حصانة قضائية في الولايات المتحدة، مقابل خفْض سعر الخام
للصين وتيرتها الخاصة في توسيع النفوذ يحدّدها تنافسها مع الولايات المتحدة، وليس الرغبات السعودية
بالتأكيد، يسعى السعوديون إلى تعظيم المردود السياسي لهذه الزيارة التي طبّلوا وزمّروا لها طويلاً، لتوجيه رسالة مباشرة إلى الأميركيين في زمن الخلاف الكبير معهم، وتحديداً مع الإدارة الديموقراطية الحالية، بأن التحالفات البديلة موجودة إن هم قرّروا سحْب الضمانة الأمنية التي ما زالوا يوفّرونها للنظام السعودي وإخوته في الخليج. لكن المشكلة الحقيقية بالنسبة إلى السعودية، بَعد الزيارة كما قَبلها، تبقى في تراجع مكانتها ومكانة الشرق الأوسط عموماً في التفكير الاستراتيجي الأميركي، لأسباب عدّة، من بين أبرزها اثنان: أوّلهما، انتهاء الحرب الباردة، والدليل الإضافي على ذلك هو تراجع أهمية تركيا أيضاً بالنسبة إلى الأميركيين؛ وثانيهما، هو تطوّر صناعة النفط الأميركية التي جعلت من الولايات المتحدة مصدّراً صافياً للسلعة، بحيث لم يَعُد خوفها يتمثّل في فقدانها، وإنّما في تقلّب أسعارها واحتمال تعرقل تدفّقها إلى الأسواق العالمية، نظراً إلى الترابط بين الاقتصادات العالمية، وفق الصيغة التي تناسب الهيمنة الأميركية.
وفي المقابل، للصين وتيرتها الخاصة في توسيع النفوذ، يحدّدها تنافسها مع الولايات المتحدة، أكثر ممّا هو الرغبات السعودية أو الخليجية. ولعلّ هذه الحقيقة هي ما يدفع إلى الظنّ بوجود مردود صيني اقتصادي وسياسي مضمون للزيارة، التي دقّقت بكين في كلّ تفاصيل ترتيباتها، ولم تعلن عنها إلّا قبل ساعات قليلة على موعد وصول شي، بعد أن تجاهلت على مدى أشهر تصريحات كبار المسؤولين السعوديين المباشرة حولها، أو التسريبات إلى صحف أميركية وبريطانية، ولولا ذلك المردود لاستمرّ التردّد الصيني أو لأُلغيت الزيارة من أساسها. وبالتالي، فالحديث الرئيس، هنا، يدور حول صراع صيني – أميركي، يمثّل ابن سلمان أحد أحصنته الذي يمكنه أن «يحرَن» من هذا الطرف أو ذاك، ويشوّش حساباته، وفق ما أظهره الدور الراهن للمملكة في أسواق النفط العالمية، والذي استطاعت من خلاله اغتنام التناقضات بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، في ضوء حرب أوكرانيا التي أعاقت إمدادات النفط إلى أوروبا، ودفعت بالأسعار إلى مستويات مرتفعة.
وعليه، يمكن تلخيص نتائج الزيارة بأنها تحمل مكاسب كبيرة للصين، كما لاقتصادات الخليج، إنّما ضمن الوتيرة الصينية التي تبتعد، أقلّه راهناً، عن إحداث صدمات كبرى في التوازنات العالمية، والتي لم تصل بعد إلى مرحلة قلْب الطاولات، فضلاً عن أن للصين علاقات متوازنة في هذه المنطقة، تشمل دولاً مِثل إيران التي تقترب علاقتها معها من التحالف، وهذا أيضاً يفسّر جانباً من التحفّظ الصيني الذي رافق ترتيبات الزيارة إلى الرياض.