| محمود الصالح
يبدو أن عنوان الندوة الأولى التي أقامتها جمعية «حقي» أثار الكثير من شجون ليس المواطنين المشاركين في الندوة فقط إنما كذلك الوزراء الذين شاركوا في الندوة، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها ثلاثة وزراء في ندوة تقيمها جمعية أهلية، حيث وافق وزيرا الزراعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك على أهمية موضوع تعزيز ثقافة الشكوى، لأن هناك الكثير من الثغرات المجتمعية والقانونية التي تحد من اعتبار الشكوى ثقافة عامة ومجتمعية يمارسها الجميع.
وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد سيف الدين أشار إلى أهمية تعزيز ثقافة الشكوى، وإلى أهمية توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، لافتاً إلى الدور المهم الذي يمكن أن تقدمه الجمعيات الأهلية في تعزيز هذه الثقافة والإشارة إلى مكامن الخلل والضعف للعمل على تلافيها، مؤكداً على أن هذه الندوة دليل واضح على أن القطاع الأهلي شريك أساسي للقطاع العام في المعالجة.
وأضاف: إننا بحاجة فعلية إلى التشخيص السليم في الشكوى، وأن تطرح من خلال قنوات معينة ومجالس وطنية، ويجب أن تمارس في إطار النقد السليم من دون أن نتبنى أي جهة تدافع عن فكرتها، وأنه من الضروري تحديد حالات الخلل بوضوح تام، ولكن من دون التعميم والعمل على معالجة الشكاوى، وكذلك هناك ضرورة للتفريق بين الشكوى من الشكل القانوني القائم الذي لا يلبي حاجات الناس، حيث تحتاج إلى تعديل وبين الشكوى من الممارسات الخاطئة التي يرتكبها البعض والتي تحتاج إلى معالجة ومحاسبة.
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم قال: إن من يعاني من مشكلة ما فمن حقه أن يرفع السقف، ومن واجبنا كمسؤولين أن نستمع له.
وبين سالم أن عدم وجود ثقافة للشكوى ناجم عن سببين الأول أننا في سورية نعتبر مجتمعاً رحيماً، لا يحب الأذى لأحد، والسبب الثاني الخوف، حيث ورد في مداخلات الحضور أن هناك دورية تموين ذهبت إلى العشاء في مطعم اشتكى عليه المواطن، وأنا أعتقد أن هذا الكلام غير دقيق لأن هذه الدورية كم مرة تتعشى في اليوم؟ وإن كان ذلك صحيحاً فكيف تم تنظيم عشرات آلاف الضبوط وإغلاق آلاف المحال وإيداع المئات في السجن، هذا مؤشر على أننا نتابع الشكاوى.
وأضاف: بالتأكيد هناك فاسدون بين الموظفين وبين المواطنين، ويومياً تصل وزارة التموين عشرات الشكاوى عن موظفي التموين ويتم التحقيق فيها ومتابعتها، لأن من يرتكب المخالفة ويغش في الغذاء ويحتكر هو مواطن فاسد، لكن الأغلبية في المجتمع السوري غير فاسدين.
وأشار سالم إلى أنه طرح في الندوة أن هناك تاجر أعلاف يشتكي من قيام من يشتري بضاعته بتحويلها إلى استخدام في الغذاء مثل البسكويت المطحون أو المعكرونة المعادة، ووعد أن يتم وضع ضوابط في الوزارة تطبق على الجميع لمنع إعادة استخدام مادة لغير غايتها.
وزير الزراعة والإصلاح الزراعي محمد حسان قطنا شدد على أهمية ما تقوم به الجمعية لكن بشرط ألا يكون مصيرها كمصير الجمعيات الأخرى مثل حماية المستهلك وألا يكون هناك تداخل في المهام بين المجتمع الأهلي والحكومي. وأضاف: إن هناك الكثير من الشكاوى في القطاع الزراعي نتيجة نقص مستلزمات الإنتاج الزراعي، وهناك حالات متاجرة وسمسرة بهذه المستلزمات، وترد إلى الوزارة الشكاوى في هذا الجانب من المتضرر الشخصي لذلك وليس ممن يريد مصلحة الدولة.
ورأى قطنا أن مجتمعنا السوري مجتمع «رحماني»، حيث إن المواطن لا يشتكي على أي مخالفة ترتكب في قريته أو من أقاربه في محيطه الاجتماعي نتيجة العلاقات الحميمية بين الناس، لكن الجميع يشتكون على الدولة، ونوه بوجود بعض حالات الشكوى التي تكون وراءها مصلحة شخصية وليس بسبب تضرر المصلحة العامة. وقال: لكن الأكيد أن الشكاوى التي تردنا ليست بالحجم الذي يجب أن يكون، والسبب في ذلك وجود الدعم الحكومي لبعض المواد، والذي يؤدي إلى انتشار الفساد، لذلك لا يشتكي شخص على آخر بسبب وجود ثقافتين تحدثنا عنهما وتضاف إليهما ثقافة الخوف من المشكو منه، إضافة إلى فكر آخر بوجود قناعة بعدم وجود جهات حكومية قادرة على تحصيل حق المشتكي.
وأضاف: تصلنا يومياً مئات الشكاوى المكتوبة والمسموعة و«الهمسية» ولا يمكن أن تكون هناك شكوى من دون وجود مصلحة شخصية خلفها. ولدينا في الدولة مؤسسات كثيرة متخصصة في معالجة كل أنواع الشكاوى سواء أجهزة التفتيش أو المنصات الحكومية في جميع وزارات الدولة.
وبين وزير الزراعة أن الوزارة لا تعالج الشكاوى في إطار فردي إنما يتم اعتبار أي شكوى أو مشكلة هي موجودة في كل مكان وبالتالي تتم معالجتها في الإطار العام، وإن كانت بسبب قانوني يتم تعديل السبب ليصبح مطبقاً على الجميع.
رئيس مجلس إدارة جمعية «حقي» ماهر ريا بين أن الجمعية تهدف من خلال الندوة إلى «تجسير» العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وفق الأصول القانونية، حيث تعمل على نقل ونشر الشكاوى، والمطالبة بحقوق المواطنين، وفق ما نص عليه القانون، من خلال القنوات المنسجمة مع الأنظمة والقوانين المرعية، بحيث يشمل نشاطها كل ما له علاقة بحياة الناس المعيشية والصحية والتعليمية والإنسانية والتاريخية، وكذلك الحال الدفاع عن سيادة القانون واحترام الدولة ومؤسساتها، ومحاربة الفساد بكل أشكاله وعناوينه القديمة منها والجديدة.
وجاءت هذه الندوة بعنوان «تعزيز ثقافة الشكوى» لأن الجمعية لمست ومن خلال معايشتها للواقع أن مجتمعنا ما زال غير متفاعل مع مسألة الشكوى كأحد أشكال مطالبته بحقه، خصوصاً في ضوء وجود قوانين وأنظمة يتوقف بموجبها اتخاذ أي إجراء حيال أي قضية على تقديم الشكوى، ونحن نؤمن بأن الشكوى هي حق من حقوق الناس، ولذلك على كل الجهات قبولها والتفاعل معها وإبلاغ المواطن بنتيجتها مهما كانت، لأن الحقيقة أن أجهزة الدولة والجهات المعنية إما أنها غير قادرة على الوصول إلى كل خلل أو مشكلة لأسباب إدارية، وهذا حال أغلب دول العالم وليس سورية، أو أن وجود شكل من أشكال الفساد يمنع وضع اليد على أي تقصير أو خلل، ومن هنا يأتي دور الجمعية.
وكانت مداخلات الحضور قد ركزت على ضرورة محاسبة الجهات المكلفة معالجة الشكاوى ولا تقوم بذلك، إضافة إلى اعتماد طرق قانونية وفنية تلغي الحاجة إلى جعل المشتكي في حالة مواجهة مباشرة مع المشتكى عليه، ما سيعزز حالة الشكوى ويجعلها أكثر فاعلية، وشدد البعض على أن يتم تعديل الكثير من القوانين التي لا تشجع على الشكوى، وأن يتم الاعتماد على أجهزة الدولة في معالجة أي مخالفة.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن