حسن حردان
حماية مستوى معيشة الناس بعودة الدولة للاتجار بالمحروقاتوالقمح والدواء ووضع حدّ للاحتكار.. والسير في عملية التدقيقالمالي في حسابات مصرف لبنان وإدارات الدولة بعد قرارمجلس النواب بالأمس في هذا الصدد، مطالب باتت مُلحّة جداًولا تحتمل التأخير إطلاقاً للخروج من نفق الأزمة المظلم..
وإذا كان موضوع التدقيق يحتاج إلى وقت حتى يتمّ إنجازه منقبل شركة التدقيق، فإنّ حماية الوضع المعيشي للبنانيينيتطلب تحركاً سريعاً من قبل حكومة تصريف الأعمال لسببين:
السبب الأول، تجنّب تداعيات عدم قدرة مصرف لبنان علىمواصلة تأمين الدولارات المطلوبة لاستمرار دعم السلع والموادالحيوية من ناحية، والحفاظ على أموال المودعين المتبقية فيمصرف لبنان من أن يجري المسّ بها، والتي جرى إهدار قسمكبير منها، ولم يتبقّ سوى 17,1 مليار دولار على ما يقول حاكممصرف لبنان رياض سلامة من ناحية ثانية..
السبب الثاني، منع الانهيار يقتضي مغادرة سياسات انتظارمجيء الفرج من الخارج، والعمل على إحداث تغيير في سياساتالدولة بدءاً باستعادة موارد أساسية، تسهم في تغذية الخزينةالعامة من جهة، والحفاظ على أسعار السلع الحيوية الأساسيةلمنع حصول تدهور خطير في قدرة الناس الشرائية من جهةثانية.. فمن المعروف بأنه في حال حرّرت أسعار المحروقاتوالقمح والدواء، سوف تلتهب معها أسعار كلّ السلع ويصبحالوضع المعيشي للطبقات الاجتماعية المحدودة الدخل جحيماًلا يُطاق… لأنها ستفقد القدرة على تأمين الحدّ الأدنى منضرورات العيش..
لكن هل الحلول متاحة أمام حكومة تصريف الأعمال، بالحدّالأدنى، وأن ما ستقدم عليه لا يتعارض مع حدود دورها في هذهالحالة؟
1 – من واجب حكومة تصريف الأعمال القيام بهذه المهمةالملحّة والضرورية والتي لا تحتمل التأجيل وانتظار تشكيلحكومة جديدة، وذلك يعود إلى عاملين أساسيين:
العامل الأول، وجود الظرف الاستثنائي الذي ينطلق من ضرورةحماية المصلحة العامة التي توجب الإسراع في اتخاذ مثل هذهإجراءات من قبل حكومة تصريف الأعمال لاستيراد الموادالأساسية بما يكفي حاجة السوق المحلية..
العامل الثاني، الحاجة لاتخاذ قرار استيراد هذه المواد والسلعمن دول أبدت الاستعداد لدعم لبنان، انْ كان عبر قبول العملةاللبنانية بدلاً من الدولار، أو عبر المقايضة بمنتجات لبنانيةزراعية وصناعية…
2 – يستطيع رئيسا الجمهورية والحكومة بالاتفاق بينهما تفعيلعمل حكومة تصريف الأعمال وأخذ المبادرة لتحمّل المسؤوليةفي هذا المضمار وعدم انتظار تشكيل حكومة جديدة، في حينانّ لبنان بأمسّ الحاجة لاتخاذ إجراءات تحمي البلاد من الانهيارالشامل وتوفر الأساس لعودة دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي،أقله الآن، في هذه المجالات الحيوية التي كانت أصلاً بيد الدولةقبل أن يجري التخلي عنها للشركات الخاصة التي تتاجر بهاوتحقق الأرباح الطائلة..
وما يزيد من إلحاحية ذلك ما كشفته المعلومات عن أنّ أحدالشروط التي طلبتها السفيرة الأميركية دوروثي شيا، من رئيسالتيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، هو عدم توجّه لبنانصوب الشرق وإقامة علاقات تعاون اقتصادي مع الصين وإيرانوروسيا وسورية والعراق، في مقابل عدم فرض العقوبات عليه،والواضح انّ الهدف من ذلك منع لبنان من ان يصبح متحرّراً منالارتهان والتبعية للولايات المتحدة والدول الغربية والضغوطالتي تمارسها على لبنان لإخضاعه لشروطها وإملاءاتها…
وهذا يوضح لنا حقيقة الارتباط بين تصاعد وتسعير حدة الأزمةالاقتصادية والمالية والاجتماعية المعيشية التي بات يعاني منهالبنان واللبنانيون، والضغوط الأميركية الغربية.. فهذا الارتباطشديد الصلة ولا يمكن فصله عن تفاقم الأزمة وتعطيل الحلوللها، ويتطلب مواجهته، لتدارك المزيد من الانهيار، الخروج مندائرة الضغوط الأميركية، أو الخوف من تداعياتها في حالالإقدام على قبول المساعدات من دول الشرق، يتعمّد الغربحجبها عن لبنان..
إذن عودة الدولة لاستيراد المواد والسلع الحيوية، وقبولالمساعدات في هذه المجالات من دول الشرق، تمثلان المفتاحالمتاح راهناً لمنع الانزلاق الى مستنقع الانهيار الشامل.. وهذايظهر مجدّداً كم أضعنا من الوقت عندما تردّد فريق الأغلبية فيعدم دعم وتغطية حكومة الرئيس حسان دياب، قبل دفعهاللاستقالة، بالتوجه شرقاً في إطار خطة لتنويع علاقات لبنانالاقتصادية وقبول عروض المساعدات، التي لو تمّ قبولها لما كنااليوم أمام هذا المأزق الخطير الذي يزداد خطورة مع كلّ يومجديد يتردّد فيه المسؤولون في اتخاذ قرار كسر جدار الحصارالأميركي الإرهابي، الذي لم يعد، بعد فرضه، ما يخيف لبنان منهفي حال أقدم على كسره، لأنّ الثمن قد دُفع…
والسؤال المطروح هو، هل تقدم الأغلبية النيابية على تفعيلحكومة تصريف الأعمال لاتخاذ مثل هذا القرار الاستثنائيوالضروري والمُلحّ لحماية أمن واستقرار البلاد من الانهيارالشامل الذي يهدّد به الأميركي إذا لم يتمّ الرضوخ لشروطهالمدمّرة؟
الجواب نعم، فقد نصّ الدستور على صلاحية حكومة تصريفالأعمال في مثل هذه الحالات الضرورية بالقول «… تدابيرالضرورة تفرضها ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام وأمنالدولة الداخلي والخارجي وكذلك الأعمال الإدارية التي يجبإجراؤها في مهل محدّدة بالقوانين تحت طائلة السقوطوالابطال».
على مستوى آخر جاء في تفسير المفكرة القانونية لتصريفالأعمال في حالات الضرورة بالقول: «يشكل تصريف الأعمالضرورةً، إذ لا يجب أن يؤدّي تقليص صلاحيات الحكومة وحصرهافي نطاقٍ ضيّق إلى الاضرار بمصلحة الدولة عبر تعطيل عملالمؤسسات وتهديد استمرارية المرفق العام. لذلك، تعتبرممارسة الحكومة لصلاحياتٍ ما، رغم الحدّ منها بعد استقالتها،شرطاً ضرورياً. إذ لا يُعقل القبول بالفراغ المطلق في السلطة إلىحين تشكيل حكومة جديدة. وقد أشار مجلس شورى الدولةالفرنسي إلى هذا الأمر في القرار الأول له الذي يتطرق إلىمسألة تصريف الأعمال بشكلٍ صريح».
يقول رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني «إنّ القاعدةالدستورية ثابتة ومحدّدة بأنّ للحكومة حق الانعقاد ويجب انتنعقد طالما لم يتمّ تشكيل الحكومة الجديدة بعد». ومثل هذاالمبدأ يبقى سارياً، وفق الحسيني «طالما انّ الحكومة لم تتشكلبعد».
ويتوافق الخبير الدستوري الوزير السابق زياد بارود مع الحسيني،متحدثاً عن نوعين من المراسيم «العادية والتي تستلزم توقيعرئيسي الجمهورية والحكومة والوزير المختص، وتلك التي يتخذقرارات بشأنها في مجلس الوزراء خلال جلسة للحكومة يتوافرفيها النصاب». ويؤكد على «إمكانية انعقاد حكومة تصريفالأعمال شرط حصر بحث الملفات التي تريد البت بها في جلسةواحدة، وليس أن تعتبر الحكومة نفسها في حالة انعقاد عادية،مستشهداً بحالات مماثلة حصلت بعد الطائف، الاولى عام2009 يوم اجتمعت حكومة فؤاد السنيورة لإقرار أمر طارئ،والثانية عام 2013 يوم اجتمعت حكومة نجيب ميقاتي استثنائياًلتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات». ويربط بارود عقدالجلسة «بوجود حالات طارئة ولا تحتمل التأجيل، ولا يرتب الأمرأعباء مالية على الدولة، ولا ترتب التزامات على الحكومة التيتعقبها».
بناء عليه، هل هناك أهمّ من ضرورة حماية الاستقرار الاجتماعيمن خطر الانهيار في ضوء الوضع المالي الصعب، والحاجة إلىتدخل حكومة تصريف الأعمال كي تتخذ قراراً ضرورياً للحيولةدون تعرّض اللبنانيين لخطر داهم يمسّ وضعهم المعيشيويهدّد معه الاستقرار في البلاد…
فهل تقدم حكومة دياب على القيام بهذه المسؤوليةالمستعجلة، وهي بكلّ الأحوال أهمّ بكثير من المبرّرات التيدفعت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة المستقيلة عام 2009 للاجتماع وإصدار مراسيم استثنائية…
انه التحدي… برسم فريق الأغلبية الذي تتكوّن منه حكومةتصريف الأعمال برئاسة الرئيس حسن دياب، فهل يقدم علىتدارك الخطأ، الذي وقع فيه سابقاً، بمفعول رجعي…؟
(سيرياهوم نيوز-البناء28-11-2020)