آخر الأخبار
الرئيسية » من المحافظات » حلب.. بوابة الشمال وقاطرة الصناعة السورية

حلب.. بوابة الشمال وقاطرة الصناعة السورية

إيمان زرزور

 

تمثّل محافظة حلب، بتاريخها العريق ووزنها الاقتصادي ومكانتها الجغرافية، ركناً أساسياً في هوية سوريا، وحاضرةً لا يمكن تعويضها في مسار النهوض الوطني بعد سنوات الحرب.

 

لم يأتِ إطلاق محافظة حلب حملة الدعم والتبرعات – التي أكّد خلالها المحافظ عزّام الغريب أن «حلب تحتاج أبناءها جميعاً.. وأنها تستحق أن ننفق عليها مما نحبّ» – من فراغ، بل جاء استجابةً لحقيقة ثابتة: حلب ليست مدينة عادية، بل قلب نابض لسوريا عبر آلاف السنين، وصاحبة الدور الأكبر في اقتصادها وتوازنها الاجتماعي وتاريخها الحضاري.

 

أهمية اقتصادية لا غنى لسوريا عنها

قبل عام 2011، كانت حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا بلا منازع، وتقدّر الأوساط الصناعية أن نصف الصناعة الوطنية كان يتمركز في المحافظة، التي ضمّت آلاف الورش والمصانع في الشيخ نجار والكلاسة والعرقوب والمشارقة وبستان القصر وغيرها، وقد شكّلت حلب مصدر رزق لمئات الآلاف، ونافذة للتصدير إلى العراق والأردن وتركيا والخليج، ومركزاً لصناعة النسيج والجلود والغذائيات والهندسة الميكانيكية والأدوية، قبل أن يدمّرها نظام الأسد وحلفاؤه.

 

واليوم، بعد تحرير حلب وسوريا وسقوط النظام المخلوع، فإن إعادة حلب إلى مكانتها الاقتصادية تعني استعادة العمود الفقري للاقتصاد السوري بأكمله، ولهذا شدّد المحافظ الغريب على أن «ما تبذله المحافظة ليس حملة مؤقتة، بل محطة وفاء، لأن حلب تستحق أن تُبنى بسواعد جميع أبنائها»، مطلقاً حملة «ستّ الكل» وسط آمال كبيرة بأن تتجاوز الحملة، في انتشارها وحجم التبرعات التي ستجمعها، جميع الحملات في عموم سوريا.

 

استطلعت صحيفة «الثورة السورية» آراء عدد من الصحفيين في محافظة حلب، للوقوف على آرائهم حول رمزية حلب وثقلها الاقتصادي، والذين اعتبروا، أسوة بما أكده السيد الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته إلى حلب في الذكرى الأولى لتحريرها، أن تحرير المدينة شكّل ولادة جديدة لسوريا بأكملها، وبداية فعلية لمرحلة البناء بعد سنوات من الحرب.

 

وشدّد الرئيس، من أمام قلعة حلب، على أن المدينة كانت بوابة تحرير البلاد، وأن مسؤولية إعادة الإعمار تقع اليوم على عاتق الشعب بعد إنجاز مهمة التحرير، مؤكداً أن حلب ستبقى منارة للاقتصاد والعمران، وأن أنظار السوريين تتجه إليها في هذه المرحلة المفصلية.

 

«حلب ستّ الكل» مسؤولية جماعية لإعادة بناء شريان سوريا الاقتصادي

قال عبد الكريم ليله، مدير مديرية الإعلام في محافظة حلب: إن المدينة عاشت خلال أربعة عشر عاماً أقسى مراحل تاريخها الحديث، بعدما تعرّضت لقصف ممنهج دمّر المدارس والمشافي والبنى التحتية من مياه وكهرباء وطرقات، مشيراً في حديث لصحيفة «الثورة السورية»، إلى أن حجم الدمار تفاقم بفعل سنوات طويلة من الإهمال وضعف الخدمات في الحقبة السوداء من حكم النظام المخلوع، ما انعكس بشكل بالغ القسوة على حياة الأهالي وعلى مختلف القطاعات في المحافظة.

 

وأوضح ليله أن هذه الظروف الاستثنائية تجعل من حملة «حلب ستّ الكل» إطاراً جامعاً وحاضناً لمشاركة جميع الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية في المدينة، بما يسهم في دعم جهود البناء والتعافي، ويعزّز الدور الريادي لحلب بوصفها شرياناً اقتصادياً وثقافياً وطنياً لا غنى عنه.

 

وأكد أن إعادة بناء حلب ليست مهمة جهة واحدة، بل مسؤولية مشتركة، لافتاً إلى أن المدينة التي صمدت في وجه الدمار والحصار قادرة اليوم على النهوض من جديد بسواعد أبنائها وإرادتهم، كما فعلت عبر تاريخها الطويل.

 

وبيّن ليله أنه جرى توجيه دعوة مفتوحة إلى التجار والصناعيين ورجال الأعمال وأصحاب المبادرات، إضافة إلى جميع أبناء حلب في الداخل والخارج، ليكونوا شركاء فاعلين في هذه الحملة، والعمل معاً على استعادة المكانة التي تستحقها حلب، مدينةً للصناعة والعلم والعمل والحياة.

 

موقع استراتيجي يشكّل قاعدة التوازن السوري

من يقرأ الجغرافيا السورية يدرك أن حلب نقطة محورية لتماسك البلاد؛ إذ تقع عند تقاطع طرق التجارة بين تركيا والعراق والبادية والساحل، وهي البوابة الشمالية لسوريا، ومفتاح التوازن الديموغرافي والاقتصادي، ومن دون حلب، تتقلص قدرة البلاد على الربط بين مناطقها، وتنخفض إمكاناتها في التجارة والنقل والصناعة والخدمات اللوجستية، ولهذا، فإن دعم حلب ليس شأناً محلياً، بل ضرورة استراتيجية لحماية وحدة سوريا الاقتصادية والجغرافية.

 

قال الصحفي ماجد عبد النور: إن جميع المحافظات السورية تستحق الوقوف إلى جانبها في هذه المرحلة، مؤكداً أن دعم أي محافظة هو مبدأ وطني ثابت لا يمكن فصله أو حصره بمدينة واحدة، سواء كانت حلب أم حمص أم السويداء أم أي منطقة سورية أخرى.

 

وأوضح عبد النور، في حديث لصحيفة «الثورة السورية»، أن حلب تحتل مكانة خاصة في هذا السياق، كونها تُعد من أهم المحافظات السورية وعصباً رئيسياً للاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن الحديث عن حلب يعني الحديث عن التجارة ورؤوس الأموال وطموحات الناس الذين ينتظرون منها الكثير، لافتاً إلى أن أبناء حلب معروفون بتاريخهم التجاري وقدرتهم على تحريك العجلة الاقتصادية.

 

وأشار إلى أن المدينة عانت بشكل كبير خلال سنوات الحرب، نتيجة القصف العنيف وعمليات الاقتحام التي طالت أحياء واسعة، ولا سيما أحياء حلب الشرقية، حيث ما يزال قسم كامل من المدينة يعيش بين الركام وفقدان مقومات الحياة الأساسية، مع حاجة ماسّة لإعادة إعمار شاملة للبنية التحتية والخدمية.

 

وبيّن عبد النور أن حملات التبرع، رغم أنها لن تعيد إعمار المدينة بالكامل، إلا أنها تساهم في دعم الاستقرار، من خلال تمكين إعادة تشغيل مدارس أو تحسين شبكات الصرف الصحي أو دعم خدمات النظافة، معتبراً أن هذه الخطوات تشكّل أساساً ضرورياً لعودة الحياة تدريجياً.

 

وتابع أن جميع أرياف حلب، من الجنوب إلى الشمال والشرق والغرب، شهدت معارك عنيفة ودماراً واسعاً، ما يجعلها من أكثر المناطق حاجةً للمساندة والدعم في المرحلة الراهنة، وختم عبد النور بالتأكيد على ثقته بأن حملات التبرع ستحقق أرقاماً كبيرة، وأن الإقبال سيكون واسعاً، قائلاً: إن حلب تستحق هذا الدعم، كما تستحقه سوريا بأكملها، متمنياً التوفيق لكل الجهود المبذولة في هذا المسار.

 

حلب بعد الحرب.. مدينة تنهض من الرماد

ورغم الدمار الهائل الذي حلّ بها، أثبتت حلب عقب التحرير أنها مدينة لا تنكسر، فقد عادت الأسواق التاريخية نابضة بالحياة، واستؤنفت حركة الصناعة، وبدأت عائلات كثيرة بترميم منازلها ومحالها، فيما أطلقت المحافظة مبادرات لإحياء مراكز الحرف التقليدية ودعم التجار والصناعيين.

 

أكد الصحفي غسان ياسين، في حديث لصحيفة «الثورة السورية»، أن مدينة حلب تحتل مكانة محورية في التاريخ السوري سياسياً واقتصادياً وثقافياً، مشيراً إلى أن دعمها اليوم ليس شأناً محلياً، بل مدخل أساسي لنهوض سوريا بأكملها في حاضرها ومستقبلها.

 

وأوضح ياسين أن حلب مدينة ضاربة في عمق التاريخ، يعود عمرها إلى آلاف السنين، وكانت واحدة من أهم المدن الواقعة على طريق الحرير، ما منحها حيوية استثنائية ودوراً مركزياً في التجارة العالمية، إضافة إلى ثقلها السكاني وتنوع صناعاتها، وعلى رأسها الصناعات النسيجية، إلى جانب كونها مدينة تجارية بامتياز، وكانت في مراحل سابقة تمتلك بعداً زراعياً مهماً ضمن محيطها الجغرافي الواسع.

 

وأشار إلى أن حلب تمثّل قاطرة سوريا الصناعية، وتضم أكبر مدينة صناعية في البلاد، بل وتُعدّ من أكبر التجمعات الصناعية في المنطقة، مؤكداً أن أي نهوض حقيقي في حلب ينعكس مباشرة على مجمل الاقتصاد السوري، وأن دعم بنيتها التحتية الصناعية والزراعية هو استثمار في مستقبل سوريا كلها.

 

وتوقف ياسين عند حجم الدمار الهائل الذي لحق بحلب خلال سنوات الثورة، نتيجة إجرام النظام السابق، من قصف بالبراميل المتفجرة وصواريخ سكود، وتهجير واسع شمل أحياء المدينة وأريافها، ما أدى إلى تراجع كبير في البنية التحتية، ليس في حلب فقط بل في عموم سوريا، معتبراً أن حلب كانت من أكثر المدن استهدافاً وتضرراً.

 

وأكد أن دعم حملة «حلب ستّ الكل» واجب وطني وأخلاقي، داعياً الجميع إلى المشاركة فيها كلٌّ حسب قدرته وموقعه وإمكاناته، سواء من داخل سوريا أم من المغتربين، لأن الوقوف مع حلب هو في جوهره وقوف مع سوريا.

 

وختم ياسين بالتذكير بأن تحرير حلب كان نقطة مفصلية في مسار التحرير، إذ شكّل أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى انهيار النظام المخلوع وتسارع سقوطه، معتبراً أن نهوض حلب اليوم لا يقل أهمية عن تحريرها بالأمس، لأنه يمثّل ركيزة لسوريا الحاضر وسوريا المستقبل، معبّراً عن ثقته بأن أبناء حلب وأبناء سوريا في الداخل والخارج سيقفون صفاً واحداً ليقولوا: نحن جميعاً مع حلب، ونحن جميعاً مع سوريا.

 

لماذا حلب ستّ الكل؟

لم تُكتب حكاية الشرق من دون أن تُذكر حلب في صفحاتها الأولى، فقد شكّلت المدينة عبر العصور مركزاً للحضارات والملوك والتجار، وملتقى للقوافل القادمة من الصين والهند وبلاد الرافدين ومصر والأناضول، وارتبط اسمها بملوك العموريين والآراميين والآشوريين والحثّيين، لتصبح واحدة من أقدم المدن المأهولة باستمرار في العالم.

 

ولم يكن موقع حلب الجغرافي مجرد تفصيل؛ فقد جعلها أقرب نقطة يلتقي عندها الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب، وأسهم في ازدهارها التجاري والثقافي، وفي بناء طبقة اجتماعية عريقة عُرفت بمهارتها في الصناعة والحرف والتجارة.

 

ولأنها مدينة إن أصابها الألم اهتزّ الاقتصاد السوري كله، وإن نهضت نهضت البلاد معها، ولأنها بوابة الشمال وقلعة التجارة وذاكرة الحضارة السورية، مدينة تجمع العرب والكرد والسريان والأرمن والتركمان، مسلمين ومسيحيين، في نسيج واحد يندر في العالم، ولأنها – كما قال أهلها – «لا تنحني»، بل تعود لتقف في كل مرة مهما اشتدّ الخراب من حولها، فإن حلب، برأي غالبية من قابلناهم، تستحق الدعم، وهي «ستّ الكل».

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مدينة طرطوس:هدم مخالفة بناء في حي الفقاسة واستمرار أعمال تعزيل المصارف المطرية في الشوارع ومتابعة أعمال قص الاغصان وتقليم الأشجار في منصفات وأرصفة وحدائق المدينة

  بتوجيه ومتابعة من رئيس مجلس مدينة طرطوس المهندس شادي حليمة، قامت عناصر مراقبة الأبنية في مجلس مدينة طرطوس وبمساندة الضابطة المركزية في مديرية الإدارة ...