أ.عبد المنعم علي عيسى
بعد ثلاثة أيام على بدء عملية «ردع العدوان»، التي أطلقتها «جبهة النصرة» يوم الأربعاء الماضي، تمكن الجيش السوري من استيعاب الموقف ووضع حد لتقدم هذي الأخيرة في ريف حماة، وهو بدأ منذ يوم السبت الماضي، هجوماً معاكساً استطاع من خلاله استعادة العديد من المناطق التي استولت عليها «النصرة»، ومن المؤكد أن صد حماة لـ«ردع العدوان» يمثل علامة فارقة في مسار المعركة، وهو بات مؤشراً واضحاً على تغير الاتجاه الذي كانت التطورات تسير عليه على مدى الأيام الثلاثة الأولى، وفي مساء الجمعة الماضي أصدر «مركز المصالحة في حميميم» بياناً جاء فيه أن «سلاح الجو الروسي يساند الجيش السوري في مكافحة الإرهابيين»، لافتاً إلى أن «حصيلة اليومين الماضيين كانت مقتل أكثر من 600 إرهابي بريفي حلب وإدلب»، والبيان الذي صدر بنبرة عالية يحمل منحى يشير إلى أن درجة الإسناد الروسي سوف تتصاعد في المرحلة اللاحقة، لكن إصرار «النصرة» على اقتحام ريف حماة يؤكد أن «الخطر» لما يتلاشى بعد، وأن الأخيرة تريد تجميع ما يمكن تجميعه من أوراق يمكن استخدامها إذا ما اتجهت الأمور نحو تسوية ما، تلك التي ترتسم ملامحها في الأفق ، أقله هذا ما تشير إليه العديد من التحركات الإقليمية وكذا العديد من التصريحات الدولية.
ما تشير إليه التغييرات الهيكلية التي أجرتها قيادة الجيش في غضون اليومين الفائتين، والتي طالت قيادة العمليات العسكرية في الشمال السوري والفرقة 25، تشير، بعد استكمال الجيش للكثير من استعداداته، إلى أن الأخير يتجهز لمعركة طويلة الأمد وسقوفها تتجاوز حدود «أستانا» ومناطق «خفض التصعيد»، وهو سيكون مسلحاً بدعم إقليمي ودولي واسع كانت قد أظهرته دول عدة من حيث أدانتها لهجوم «جبهة النصرة»، بما فيها الولايات المتحدة التي قال المتحدث الرسمي باسم وزير خارجيتها، بعد أن نفى أن تكون لبلاده «يد في هذا الأمر»، إن «من ينفذ الهجوم هو فصيل مصنف على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة».
في الغضون، شهدت الأيام القليلة الماضية حراكاً سياسياً بهدف احتواء الأزمة، ومن خلال الزيارة العاجلة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى دمشق، وانطلق منها إلى أنقرة، اعتبر الأخير إن «مسار أستانا لا يزال يشكل مرجعية يمكن الاعتماد عليها»، الأمر الذي وافقه عليه نظيره التركي، حقان فيدان، الذي أشار إلى إمكانية عقد لقاء ثلاثي للدول الثلاث الضامنة في هذا المسار، روسيا وتركيا وإيران، في وقت قريب، ومن الواضح هنا أن تأكيد الوزير الإيراني يرمي إلى تهدئة مخاوف أنقرة بخصوص ذلك المسار الذي باتت الأخيرة قلقة بشأنه لاعتبارات تتعلق برؤية روسية مفادها أن المسار الذي استطاع تحقيق نوع من الاستقرار النسبي، أظهر في الآن ذاته، عجزاً عن تحقيق أي تقدم في التسوية السياسية المفترضة للأزمة السورية، لكن فيدان قال إن «غياب الحوار بين النظام والمعارضة أوصل المشكلة إلى هذه النقطة»، الأمر الذي يعني أن أنقرة ترى أن ما كان مطروحاً من قبلها، قبل 27 تشرين الثاني الماضي، بات اليوم أمراً ملحاً لا يجوز لـ«الضامنين» تجاهله، وفي سياق المناخين الدولي والإقليمي الداعمين للحكومة السورية في مواجهة ما تتعرض له طلبت الأخيرة، يوم الثلاثاء، عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة «الهجوم الإرهابي على الجيش السوري والوضع في مدينة حلب»، وهو الطلب الذي حظي بدعم من روسيا والصين والجزائر وغويانا وموزامبيق وسيراليون»، ومن المؤكد أن هذا الحراك السياسي يشكل عاملاً داعماً للحكومة السورية وهو يضفي مشروعية على الخيارات التي سوف تتخذها دفاعاً عن شعبها ووحدة ترابها الوطني، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن خيار استعادة حلب «سلما»، أو بتوافقات مختلفة تماماً كما حدث العام 2016، هو أفضل بكثير من خيار استعادتها بالقوة العسكرية، فحلب ونسيجها عامل أساسي في استقرار التركيبة السورية، وكل تضرر في ذلك النسيج سوف يكون له مردود سلبي على هذه الأخيرة.
على الصعيد المعيشي تشهد مدينة حلب حالاً من الخوف والحذر والترقب، وما يشي به العديد من التقارير الصادرة عن المدينة، وبعضها لوكالات أخبار مهمة، يقول إن الأخيرة باتت في وضعية تململ ناجمة عن «القوالب» التي أعدت لتكون راسمة لـ«جسدها»، وهذا بالمجمل يشكل عاملاً قوياً لمسعى الحكومة التي تريد لحلب، التي تعيش هذه الأيام أسوأ حالاتها منذ غزو المغول لها عام 1258، أن تعود لتشكل، إلى جنب دمشق، جناحي «طائر الفينيق» السوري اللذين لا بد أن يضرب بهما إيذانا بالتحليق عالياً من جديد.
اخبار سورية الوطن 2_الوطن