قبل عدة أيام قامت الحكومة السورية برفع أسعار المحروقات وقطعت الدعم عن بعض السلع الرئيسية في البلاد. وتزامناً مع عملية الإصلاح الاقتصادي رفعت الحكومة الأجور والرواتب بنسبة 100 بالمائة. إثر هذه الإجراءات الحكومية شهدت بعض المناطق في سوريا احتجاجات تختلف من حيث الشدة والشعارات من منطقة إلى أخرى.
بالطبع، يكفل الدستور السوري والقوانين السورية حق التظاهر لأي مواطن شريطة أن تكون هذه المظاهرات قانونية ولا تؤدي إلى الفوضى أو الانفلات في الأوضاع الأمنية في البلاد. لقد عاشت سورية تجربة قاسية لأكثر من عشر سنوات من خلال تحول الاحتجاجات المطالبة بالمطالب المشروعة إلى مناطق نفوذ للجماعات الإرهابية المتطرفة ومسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
ومن الاحتجاج على ارتفاع نسب التضخم وارتفاع حاد في أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات، تحولت الشعارات فجأة إلى شعارات سياسية حادة ورفع أعلام انفصال عن الأرض الأم في سوريا. وتتزامن هذه التحركات مع جهود إقليمية ودولية بقيادة الولايات المتحدة للدفع بمشروع انفصال الجنوب السوري وزعزعة الاستقرار في سوريا بعد الجهود والأرواح التي بذلها هذا الشعب في سبيل العيش بسلام فقط.
المراقب لمقاطع الفيديو المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي سيصل إلى قناعة تامة بأن أعداد المتظاهرين لا يتجاوز العشرات وبأن الحكومة السورية لم تتدخل بأي شكل من الأشكال لفض هذه المظاهرات بل على العكس تماماً، يبدو بأن الحكومة السورية تتجه إلى مزيد من الإصلاح في محاولة تفادي الأخطاء السابقة فهي على سبيل المثال تدرس حالياً رفع نسبة الأجور للمرة الثانية بنسبة 50%.
وتؤكد الحكومة السورية بأن هذا المشروع جاء بشكل أساسي بسبب عدم رضى الشعب السوري عن حجم الزيادة السابقة، وذلك في ظل رفع الدعم عن شريحة واسعة من المواد الأساسية، وما ترافق معها من ارتفاع كبير وغير منطقي في الأسعار. إلى جانب ذلك علينا أن نراقب أسعار صرف العملة السورية مقابل الدولار والتي ارتفعت بشكل جنوني نتيجة التهييج السياسي لتصل إلى ما يقارب 16 ألف ليرة سورية للدولار الواحد، لتعود الحكومة السورية وتسيطر على سعر الصرف ليصل اليوم لأقل من 13 ألف ليرة للدولار الواحد.
الأغلبية الصامتة أو تلك التي طالبت الحكومة السورية بمعالجة الظروف المعيشية بشكل مسالم تدرك تماماً بأن المسؤول عن الأزمة الاقتصادية في البلاد هم أولئك الذي فرضوا قانون قيصر على الشعب السوري وهم أنفسهم من يسرقون النفط السوري في الشمال الشرقي من سوريا. يدركون كيف اتجهت الولايات المتحدة وحلفائها مباشرة إلى الشمال السوري لتسيطر على الثروات النفطية السورية وتقوم بنهبها كما تسيطر كذلك على المحاصيل الزراعية لتمنع وصولها إلى الشعب السوري.
بعد 12 عاماً من المعاناة والألم والقهر أصبح لدى الشعب السوري وعي حقيقي بأنه سينتصر في هذه المعركة ضد الإرهاب وضد الغطرسة الأمريكية وبأنه قادر مرة أخرى على إعادة تحقيق انتصار معركة ميسلون. هذه المعركة التي جرت في العام 1920 بين قوات المتطوعين السوريين بقيادة ياسر العظمة وبين القوات الفرنسية بقيادة “ماريانو غوابيه”. من منا لا يدرك التزامن العجيب بين معركة ميسلون وبين ظهور ما يسمى “الجيش الحر” في العام 2012 لضرب الوحدة السورية ولإركاع سورية وشعبها؟
يدرك جل الشعب السوري اليوم بأن المقاومة ضد المحتل الأمريكي هو الهدف الحقيقي لحل المعضلة الإنسانية والاقتصادية، ويدرك الشعب كذلك بأن هناك تكاليف للاستقلال والحرية والكرامة ولكن هذه التكاليف ستكون أقل بكثير من تمكين المحتل من الإعتداء على أراضينا والدعوة للانفصال وتقسيم سورية وفرض الهيمنة عليها.
إذا ولحل مشاكل الشعب السوري العزيز هناك أمران مهمان يجب اتباعهما أولاً إعطاء فرصة للحكومة السورية وقيادتها بمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. وهي قادرة على ذلك في ظل وجود حلفاء إقليميين ودوليين لها، سيساعدونها على تجاوز الأزمة. وثانياً يجب أن يقف الشعب السوري صفاً واحداً في مقاومة الأطماع الاستعمارية الأمريكية والإقليمية لتحرير الأرض والثروات السورية وإعادتها إلى صاحبها الحقيقي ونقصد هنا الشعب السوري العظيم.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم